سلايدر

الأزمة السورية والدبلوماسية العُمانية …. مؤشرات ودلالات

استمع الي المقالة

478422

مهند أبو عريف

باتت الأزمة السورية محل اهتمام غير مسبوق، ليس فقط من قبل الأمم المتحدة  من خلال مبعوثها الدولي واجتماعاته المستمرة بأطراف الأزمة المباشرين “النظام والمعارضة” أو غير المباشرين “روسيا وأمريكا وباقي القوى الدولية”، وإنما من قبل أطراف إقليمية جادة ” سلطنة عُمان” تحاول التوصل لحل الأزمة بالشكل السياسي والدبلوماسي بعيداً عن عسكرة الأزمة.

فقد جددت الزيارة التي قام بها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي إلى سوريا مؤخرا، الآمال والتوقعات نحو مباحثات تسهم نتائجها بالدفع نحو تسوية عاجلة للأزمة السورية.

ليس هذا فحسب، وإنما تحظى الأزمة السورية باهتمام بالغ من قبل القيادة السياسية العُمانية، فخلال ترؤس السلطان قابوس اجتماعاً لمجلس الوزراء، لاستشراف مسيرة المستقبل، مع بداية شهر نوفمبر واستعدادات البلاد للاحتفال بالعيد الوطني الـ45، كان من ضمن الرسائل التي وجهها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان خلال الاجتماع التأكيد على الثوابت العمانية في العلاقات مع دول الجوار، تلك العلاقات الراسخة والوطيدة في ظل متغيرات ومستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، ليبقى النهج الدبلوماسي العماني قائما على التعاون والتنسيق المشترك لما فيه الخير لكافة شعوب المنطقة حتى تنعم بالأمن والاستقرار.

  • مؤشرات الاهتمام العُماني!

ثمة مؤشرات عدة على اهتمام سلطنة عُمان بضرورة الحل السياسي للأزمة السورية منها:

أولاً: لم تكن الزيارة التي قام بها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي إلى سوريا مؤخرا هي الأولى من نوعها في سياق الاهتمام العُماني بالأزمة، إنما سبقتها زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى مسقط في أغسطس الماضي، وقبلها كانت زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، علي مملوك، للعاصمة العمانية مسقط نهاية يوليو الماضي، ثم كانت زيارة رئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة إلى مسقط في أكتوبر المنصرم.

كما أعقبها قيام المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بزيارة إلى مسقط التقى خلالها بن علوي، فيما تزامن كل ذلك الحراك مع لقاءي العاصمة النمساوية فيينا بشأن سوريا، حيث جمع الأول بين روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا ويتوسع الثاني ليضم 17 دولة أخرى، بينها إيران ومصر.

ثانياً: شاركت سلطنة عُمان في المشاورات التي عقدت حول الأزمة السورية في فيينا والتي ضمت ممثلين عن 17 دولة ومنظمة دولية، وأنهى المشاركون في المحادثات الدولية بشأن سوريا اجتماعهم، بنقاط اختلاف واتفاق كان أبرزها الاتفاق على نقاط تسع شكلت مبادئ عامة للحل السياسي في سوريا.

من هذه المبادئ وحدة سوريا واستقلالها وهويتها العلمانية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة، وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات جديدة، وتنفيذ وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد. فيما ظل الخلاف حول مصير الرئيس بشار الأسد.

ثالثاً: لم تألو سلطنة عُمان جهداً في المحافل الدولية في طرح المبادرات من أجل حل الأزمة السورية، ففي كلمتها أمام الأمم المتحدة والتي ألقاها يوسف بن علوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين، دعت السلطنة سائر الأطراف السورية ودول الجوار إلى دعم مهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا، ستيفان دي مستورا، بما يعيد الأمن والاستقرار إلى هذا البلد وبما يساهم في القضاء على الإرهاب الذي تمكن من إيجاد موطئ قدم له في سوريا، وما يشكله ذلك من تأثير على الأمن الإقليمي والدولي. وجددت سلطنة عُمان التأكيد على موقفها الثابت بإدانة الإرهاب بشتى صنوفه وأشكاله مهما كانت المسببات والدوافع.

وفي الوقت الذي ثمنت فيه سلطنة عُمان الجهود التي تقوم بها الدول والمنظمات الإقليمية والدولية للتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري، فإنها طالبت تلك الدول والمنظمات ببذل المزيد من الجهود لتوفير الحماية الإنسانية للشعب السوري في الداخل والخارج، مؤكدة على استمرار البرنامج الإنساني الذي تقدمه السلطنة لمساعدة اللاجئين السوريين.

ولأن سلطنة عُمان اعتادت على تبني مواقف دبلوماسية تفتح مجالاً للحوار السياسي المباشر، فقد طرق الأسد أبواب “الحل العُماني” بعد سلسلة من الضغوط السياسية، وبعد بدء موسكو شن غاراتها على جماعة تنظيم الدولة “داعش” منذ 30 سبتمبر الماضي، والتراجع عن الحل العسكري والبحث عن حل سياسي بجهود دبلوماسية دولية.

حيث شكلت زيارة الأسد السرية والمفاجئة لموسكو، ما فسره محللون بأنه قلق من عدم جدوى دعم موسكو الدائم الذي كان آخره الغارات الجوية، وقبلها 5 استخدامات للفيتو في مجلس الأمن، وإمدادات معلنة وسريّة بالسلاح والذخيرة. ومن هنا بات المجتمع الدولي يبحث عن حل سياسي ودبلوماسي يحقن دماء السوريين ويحافظ على المصالح الاستراتيجية في المنطقة.

علاوة على ماسبق، كان السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان قد تلقى رسالة شفهية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلعه فيها الأخير على تطورات الأوضاع في المنطقة، ليتوج ذلك بتوجه يوسف بن علوي للعاصمة السورية دمشق ويتم استقباله بحفاوة كبيرة من قبل الرئيس السوري، ليظهر مدى اهتمام السلطنة بالشأن السوري والعمل على الخروج من المأزق الراهن.

  • مرتكزات الدور والدبلوماسية العُمانية!

ثمة مرتكزات أساسية تتسم بها السياسة الخارجية لسلطنة عمان بشكل عام، وهي تمارس أدوارها الفعلية في المجالات الإقليمية والدولية ، تتمثل في: الحياد الإيجابي، والواقعية، والتنسيق بين دوائر الاهتمام المختلفة، والإعلاء من قيمة المصلحة الوطنية، والانتماء العروبي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ورفض عسكرة الصراعات الدولية والتأكيد على حل الصراعات السياسية بشكل سلمي، ورفض سياسة الأحلاف والمحاور الإقليمية.

وتنطلق إستراتيجية الحياد الإيجابي في سلطنة عُمان، من مبدأ الواقعية السياسية التي تتبناها القيادة العُمانية، والتي تدرك حدود قدرتها ومعطيات قوتها وتسعى إلى توظيفها بشكل جيد، اتساقًا مع استحقاقات موقعها الجغرافي الجيواستراتيجي، وعمقها التاريخي والحضاري، الأمر الذي جعلها تتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع، وهو ما كفل لها مكانة متميزة على الصعيد الإقليمي والدولي.

حيث تنتهج سلطنة عُمان في سياستها الخارجية إزاء أي من القضايا الصراعية، على وجه العموم، وفي محيطها الإقليمي، بشكل خاص، استراتيجية الحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف، والحياد العُماني يستبطن القدرة على إدارة جهود التهدئة بين الأطراف المتصارعة، وإبقاء جميع قنوات الاتصال مفتوحة مع كافة الأطراف التي من شأنها المساهمة في تسوية الأزمات، والتزامها بالاضطلاع بدور الوسيط بين الفرقاء المتصارعين يتطلب أول ما يتطلب اعتماد مبدأ الحياد التام في التعامل مع أي أزمة دولية، وهوما وضح تماماً في تحركاتها الدبلوماسية بشأن الأزمة السورية.

وترتب على ذلك أن صار للسلطنة سمعة طيبة على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية، جعلها ـ بما تمثله من رصيد أخلاقي في تعاملها الخارجي ـ محل قبول لكل أطراف الصراعات. وقد جنت السلطنة ثمار دبلوماسيتها المتزنة ونأت بنفسها عن أي صراعات إقليمة ودولية وباتت ترفل في جو من الأمن والاستقرار الذي لا يقارن في كثير من بلدان المنطقة.

إجمالي القول، باتت سلطنة عُمان محط أنظار واهتمام إقليمي ودولي غير مسبوق لقدرتها على التدخل في حل الصراعات والملفات المعقدة بطرقها الدبلوماسية وعلى رأسها الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس، بالنظر إلى أن مرتكزات الدبلوماسية العُمانية والتي أرسى مبادئها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، تتسم بالتخطيط بعيد النظر، وبالواقعية والفعالية، وما يؤهل السلطنة لدور الوساطة في الأزمة السورية، أنها الدولة الخليجية الوحيدة التى لم تقاطع سوريا دبلوماسياً مثلما فعلت باقي دول مجلس التعاون الخليجي.

وبناء على رصيد السلطنة وخبرتها في ممارسة الدبلوماسية الهادئة الهادفة وقبولها لدى أغلب أطراف النزاع في سوريا، تسعى السلطنة جاهدة إلى تحقيق انفراجة في الأزمة السورية والتي راح ضحيتها الآلاف وتم تشريد وهجرة الملايين من أبناء الشعب السوري إلى الدول العربية والغربية وهو ما خلق أزمة أخرى هي أزمة اللاجئين التي باتت تؤرق العالم أجمع.

ويبقى التأكيد على أن الدور العُماني في الأزمة السورية ينطلق من قناعاتها وإيمانها بالحوار كوسيلة فعّالة وأحد آليات التواصل الحضاري بين شعوب العالم وأن الاختلاف سنة كونية والتقارب ضرورة إنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى