رئيس التحرير

هل التدخل العسكري السعودي في اليمن قانونى وإنسانى؟!

استمع الي المقالة
1428920767

أشرف أبو عريف
بدأت السعودية تدخلها العسكري بالغارة الجوية على اليمن تحت عنوان عاصفة الحزم في يوم الأربعاء 25/03/2015. إذ أعلنت السعودية أنَّ هذه العملية العسكرية تأتي استجابة لدعوة الرئيس اليمني منصور هادي لدعم هذا البلد في مواجهة عدوان الحوثيين المتواصل استنادا إلی مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة  وقد تم ذلك بجميع الآليات اللازمة بما فيها التدخل العسكري.
ولکنَّ السؤال المهم هنا هو: هل يعتبر هذا الهجوم العسكري إجراءاً قانونياً ومشروعاً وفقاً للقانون الدولي؟
يمكن دراسة عدم شرعية التدخل العسكري السعودي في اليمن من ثلاث زوايا :القوانين الداخلية و القوانين الدولية و القوانين الإنسانية:
 
* (أ) من زاوية القوانين الداخلية لليمن!
وفقاً للمادتين 37 و 38 من دستور اليمن، الظروف التي توفر إمكانية التدخل الأجنبي بغية استقرار الأوضاع الداخلية في  اليمن لا تنطبق على الظروف الراهنة.  في هذا القانون هناك طريقان لإضفاء الشرعية على التدخل الأجنبي واستخدام القوات العسكرية للبلدان الأخری لتحقيق الاستقرار في الأوضاع الداخلية في اليمن.
1: تصويت مجلس النواب (المادة 37) !
2: تصويت مجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية. (المادة 38).
المادة 37 من دستور اليمن تقول: تنظم التعبئة العامة بقانون ويعلنها رئيس الجمهـورية بعد موافقة مجلـس النواب. صحيح أنه وفقا للمادة 111 من دستور اليمن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولكن لايجوز له تعبئة القوات أو دعوة القوات الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية لليمن بما في ذلك الهجوم العسكري دون الحصول علی موافقة مجلس النواب.
 
من جانب آخر، وفقا للمادة 38 من الدستور اليمني، لم يتم تشكيل مجلس الدفاع الوطني ولم يصوت هذا المجلس علی قرارٍ قبل العدوان السعودي. بناءً عليه فإن تواجد و عدوان التحالف العربي يعتبر انتهاكاً سافراً للدستور اليمني و لايمكنه تبرير (1)استخدام القوة و(2) التدخل في الشؤون الداخلية لدولة اخرى و(3) انتهاك سلامة أراضي اليمن وهذه المباديء الثلاثة هي من المباديء المعترف بها في ميثاق الأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن .
 
* (ب) من زاوية القانون الدولي:
نظرا إلی محورية ميثاق الأمم المتحدة في إجراءات الدول في الساحة الدولية ونظرا إلی استمساك السعودية و الدول المتحالفة معها بهذا الميثاق، من الضروري دراسة و تحليل هذه المواد والبنود ذات الصلة بالموضوع.
 
في الفصل الأول وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 2 لميثاق الأمم المتحدة: یفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا یجعل السلم والأمن و العدل الدولي عرضة للخطر.من الواضح جدا أنَّ هذه الفقرة تمنع الدول الأعضاء من استخدام الأدوات غير السلمية. يجدر بالإشارة أيضا أن الفقرة الرابعة من هذه المادة تحذر جميع الدول الأعضاء من تهديد بعضهم البعض بالقوة أو استخدامها أو أية طريقة اخرى ضد سلامة أراضي دولة أخرى و لاتتفق مع مقاصد الأمم المتحدة. يصرِّح هذا الميثاق في الفصل الثاني وبناءً علی المادة السادسة: إذا أمعن عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن.
نستنتج مما تقدم ذكره، أنَّه من المذموم استخدام القوة من جانب أعضاء الأمم المتحدة ضد بعضهم البعض ذلك أنه يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة (السلام والأمن الدوليين.. إلخ). وما قامت به السعودية من إجراءات في اليمن حتى الآن لاينطبق بأي حال من الأحوال على مقاصد الأمم المتحدة.
الفصل السادس من الميثاق يتحدث عن تسوية الخلافات بطريقة سلمية ويصرح علی أنه يجب علی البلدان، قبل أي هجوم عسكري، الحصول علی حل سلمي عبر المفاوضة والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلی الترتيبات الإقليمية أو الحلول السلمية الأخری التي يقع عليها اختيارها (المادة 33 والفقرة 1). ما يلفت النظر هنا طريقة تدخل مجلس الأمن الدولي لأجل حل هذه الخلافات. من هذا المنطلق، بداية يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع أن يحلوا خلافاتهم بطريقة سلمية كما ذكرناه سالفا (الفقرة 2 المادة 37). وفيما عدا ذلك يحيل أطراف النزاع خلافاتهم إلی المجلس (المادة 37). والأهمَّ  من كل ذلك هو الدور الذي جاء في نهاية هذا الفصل وهو دور النصيحة لأطراف النزاع.
يختص الفصل السابع من الميثاق (المادتين 39ـ51) بخرق السلام والاعتداء. تقول المادة 51 من هذا الفصل: ” ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
والجدير بالذكر هنا أن ما تدعيه السعودية للهجوم العسكري علی اليمن وهو دعوة الرئيس منصور هادي غير مبرر وذلك أنه استقال من منصبه قبل الهجوم السعودي.و لايمكن تبرير شرعية العدوان استناداً إلى مثل هذه الطلب. كان يمكن للسعودية أن تستمسك بهذا التبرير فقط  في حال أولا:كان منصور هادي مايزال رئيساً لجمهورية اليمن  وثانياً: أن تقدِّم السعودية قبل عدوانها تقريراً عن الوضع في اليمن إلی مجلس الأمن للحصول علی التصريح اللازم. وفي الحقيقة أن منصور هادی كان رئيسا للحكومة  الانتقالية في اليمن لا رئيسا للجمهورية ولا يمكنه كرئيس شرعي أن يدعو السعودية للتدخل في اليمن. وهذا ما يستشف أيضا من القرار 2204 الصادر من مجلس الأمن من أنه لم يسمه بصفته رئيسا شرعيا للجمهورية.
وما يمس مبدأ العدوان على اليمن و شرعيته و قانونيته هي الفقرة الأولی من المادة 53 للميثاق و التي تُلزم  جميع الدول بالحصول علی تصريح من مجلس الأمن للقيام بعمليات ضد بعضها و بعضها الآخر و لم تقم السلطات السعودية بهذا الإجراء بأي شكل من الأشكال مما يتعارض بشكل سافر و صريح مع ميثاق الأمم المتحدة. و من الواضح أن مجلس الأمن قد أغمض عينيه حيال هذه الانتهاك السعودي السافر. الانتهاك الذي أدی إلی مقتل المدنيين والأطفال الأبرياء و تدمير البنى التحتية اليمنية و قوَّض عملياً شرعية هذا القرار.
جدير بالذكر أن الأسباب المذكورة يمكن الاستدلال بها ايضاً في انتهاك ميثاق منظمة التعاون الإسلامي (OIC) و جامعة الدول العربية.و بناءً على هذا الميثاق ينبغي على الدول الإسلامية أن تحل الخلافات فيما بينها في إطار منظمة التعاون الإسلامي و كذلك الأمر بالنسبة للدول العربية الأعضاء في الجامعة.و خلافاً لنص الميثاق لم تستشر السعودية أياً من هاتين المنظمتين قبل الهجوم على اليمن.
 
* (ج) من زاوية القوانين الإنسانية:
 
الهجمات السعودية المكثفة وقصف المناطق السكنية والمدنية أسفرت عن خسائر في الأرواح بين المدنيين خاصة النساء والأطفال وكبار السن. لقد أراد السعوديون تركيع الشعب اليمني عبر تدمير البنى التحتية الحضرية كالمياه والكهبرباء والمستشفيات في اليمن. وهذه الأضرار والاعتداءات تتناقض مع إعلان 16 سبتمبر 1924 للأمم المتحدة الذي تمتْ المصادقة عليه في دعم الأطفال تحت عنوان «إعلان جينو» وأيضا إعلان حقوق الطفل حيث تمت المصادقة عليه  في 14 نوفمبر 1959 و المتعلق بحماية النساء والأطفال في الأزمات والنزاعات المسلحة والمادة 77 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف1977 في مجال العناية الخاصة بالأطفال حيال أي شكل من أشكال الهجوم المسيء. فضلا عن ذلك، أن القرارات 2444(23) في 19 ديسمبر 1986 وديسمبر 1969 و 2675 (25) في 9 ديسمبر تشيرُ إلى دعم حقوق الإنسان والمبادئ الأساسية في حماية المدنيين في فترة النزاعات المسلحة.
و بينما نلاحظ أن هذا الوثائق الحازمة والملزمة تحظر أيِّ اعتداء تجاه المدنيين في النزاعات بين الدول ، تشن القوات السعودية غاراتها علی مدار الساعة في وقت تحظى فيه بدعم من الأمريكان ومجلس الأمن وغض الطرف من الدول الإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى