رأىسلايدر

العقوبات الأمريكية على إيران مجدداً.. لماذا يعيد التاريخ نفسه؟!

استمع الي المقالة

د/ أحمد مصطفى

مدير ومالك مركز آسيا للدراسات والترجمة، مصر

أعاد الرئيس دونالد ترامب تفعيل حملة ”الضغط الأقصى“ ضد إيران، وذلك في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويأمر الأمر التنفيذي وزارة الخزانة بتنفيذ العقوبات التي تهدف إلى إغراق صادرات النفط الإيرانية. وتعتقد الولايات المتحدة أن إيران ”قريبة“ من تطوير سلاح نووي، لكنها ستمنع طهران ”القوية“ من الحصول على سلاح نووي.

كما يهتم المشرعون أيضًا بممارسة المزيد من الضغوط على إيران، حيث يسعى السيناتور ليندسي غراهام وجون فيترير لـ تقديم قرارًا يؤكد أن جميع الخيارات يجب أن تبقى مطروحة على الطاولة في التعامل مع التهديد النووي الإيراني. وقد أشار ترامب إلى بعض التفاؤل بشأن إبرام اتفاق نووي مع إيران في كانون الثاني/يناير عندما سُئل عما إذا كان يؤيد قيام إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وتشمل الأوامر التنفيذية الأخرى التي تم توقيعها يوم الثلاثاء سحب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ومع ذلك، ستقشل حملة ”الضغوط القصوى“ الأمريكية على البرنامج النووي الإيراني في تحقيق أهدافها لما يلي:-

فشل الضغوط القصوى على البرنامج النووي الإيراني

على غرار كوريا الشمالية، كثفت إيران من أنشطتها النووية كرد فعل على العقوبات، حيث قامت بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من درجة نقاء الأسلحة (60% من درجة النقاء) وحدّت من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. عندما ترى الدول أن برامجها النووية حيوية لبقاء نظامها، فإن العقوبات وحدها لا تكفي لإقناعها بالتخلي عن هذه الطموحات. فـ العقوبات تميل إلى تعزيز الفصائل المحافظة داخل إيران، كما كان الحال مع انتخاب الرئيس رئيسي، التي تقاوم الدخول في مفاوضات مع القوى الغربية.

واستجابةً للضغوط الخارجية، زادت إيران من دعمها لمنظمات مثل الحوثيين وحزب الله، وعززت في الوقت نفسه تحالفاتها مع روسيا والصين. وقد أدى خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة الشاملة) إلى تآكل الثقة، مما دفع إيران إلى السعي للحصول على ضمانات لا رجعة فيها قبل التفكير في أي مفاوضات جديدة.

خرافة الأصول المجمدة بقيمة 150 مليار دولار مقابل الواقع

يمثل الوضع الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية حالة غريبة. فـ الدولة تجد نفسها في وضع معسر بشكل غريب، فهي غير قادرة على فك تجميد أكثر من 150 مليار دولار أمريكي مستحقة لإيران. وكما قال أحد المحللين الاقتصاديين على سبيل الفكاهة: ”يبدو أن الشيء الوحيد المجمد أسرع من تلك الأموال هو قدرة الاقتصاد الأمريكي على إذابة مشاكله المالية“. فمع مديونية تبلغ 40 تريليون دولار أمريكي، تفاقمت بسبب حرائق الغابات في كاليفورنيا وانخفاض سوق الأسهم التكنولوجية بعد أزمة شركة ديبسيك ضد شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، تواجه الولايات المتحدة شتاءً ماليًا ليس عابرًا على الإطلاق.

وفي الوقت نفسه، أبحرت إيران ببراعة في رقعة الشطرنج الجيوسياسية هذه، حيث صادقت على اتفاقيات شراكة استراتيجية كاملة مع كل من روسيا والصين. ولا تعزز هذه الخطوة موقفها الاقتصادي فحسب، بل تضيف أيضًا طبقة من الأمن في ساحة عالمية غير مستقرة بشكل متزايد. وكما قال وزير الخارجية الإيراني ساخرًا: ”بينما تنشغل بعض الدول في عدّ سندات الدين الخاصة بها، فإننا نبني تحالفات“. وتشكّل هذه الشراكات موازنًا مهمًا للمشاكل المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة، مما يثبت أن أفضل استراتيجية مالية في بعض الأحيان هي تنويع أصدقائك، وليس فقط محفظتك الاستثمارية.

شراكات إيران الاستراتيجية مع روسيا والصين هي جدار الحماية ضد العقوبات الغربية

تتسم شراكة إيران الاستراتيجية مع روسيا بتعاون عسكري تقني كبير، حيث تقدم روسيا طائرات بدون طيار وصواريخ متطورة لتعزيز الترسانة العسكرية الإيرانية وتأمين الطائرات الإيرانية بدون طيار لعملياتها في أوكرانيا. وترسخ هذه الاتفاقية الاستراتيجية التي تمتد ل 20 عامًا التحالف بينهما وتضمن استمرار التعاون في مجال الدفاع والأمن. ويُظهر تبادل التكنولوجيا والموارد بين إيران وروسيا التزامهما بالأهداف الاستراتيجية لكل منهما.

تتسم علاقة إيران مع الصين بالدعم الاقتصادي والدبلوماسي، وهو أمر حاسم لصمودها في مواجهة العقوبات الدولية. وتستحوذ الصين على النفط الإيراني بأسعار مخفضة من خلال عمليات شحن سرية وتدمج إيران في مبادرة الحزام والطريق من خلال عقد مدته 25 عاماً. ويحمي الدعم الدبلوماسي الثابت الذي تقدمه الصين في مجلس الأمن الدولي إيران من الإجراءات العقابية المحتملة.

مزاعم ترامب وعامل نتنياهو

أطلق الرئيس ترامب مزاعم مقلقة بأن إيران تنوي اغتياله كشكل من أشكال الانتقام لاغتيال الجنرال قاسم سليماني في عام 2020. ومع ذلك، يفتقر ترامب إلى أدلة ملموسة تدعم هذه الادعاءات، وهو نمط غالبًا ما اتسمت به تصريحاته العلنية. ويمكن أن يكون لهذه الادعاءات التي لم يتم التحقق منها تداعيات جيوسياسية كبيرة، مما قد يؤدي إلى تأجيج الأعمال العدائية القائمة وزعزعة الاستقرار في المنطقة. إن عدم وجود دليل يقوض مصداقية هذه التصريحات وتأثيرها المحتمل على الجهود الدبلوماسية.

في حين أن نتنياهو، الذي لديه مصلحة راسخة في الحفاظ على موقف متشدد ضد إيران، حيث تشمل زيارته الحالية إلى واشنطن العاصمة اجتماعات مع ترامب. ويجادل النقاد بأن استعداد ترامب لترديد آراء نتنياهو يسلط الضوء على ضعف في حكمه على السياسة الخارجية، مما قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات وقرارات مضللة.

لماذا يعيد التاريخ نفسه: الدروس غير المستفادة

لا تزال مقاربة الولايات المتحدة المتمثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، لا سيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي، موضع تدقيق ونقاش مكثف داخل المجتمع الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى