بقلم: محمد علي عبد الجباروف
زميل وباحث ورائد في معهد البحوث الاستراتيجية والإقليمية
في السنوات الأخيرة، حققت أوزبكستان نجاحًا ملحوظًا في الحد من الفقر من خلال سياسة حكومية مستهدفة تركز على تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها بطريقة شاملة. تتضمن سياسة البلاد مزيجًا استراتيجيًا من الإصلاحات الاقتصادية والدعم الاجتماعي وتحسين الخدمات العامة.
من المهم أن نلاحظ أن رسالة رئيس أوزبكستان، شوكت ميرزيوييف، بتاريخ 24 يناير 2000، والتي تم فيها الاعتراف رسميًا بالفقر لأول مرة كمشكلة حرجة للبلاد، كانت بمثابة بداية للإجراءات العملية التي اتخذتها أوزبكستان لمعالجتها. في رسالته، أكد رئيس الدولة على الحاجة إلى سياسة اقتصادية واجتماعية شاملة، بما في ذلك تحفيز النشاط الريادي، وخلق فرص عمل جديدة وتعبئة إمكانات السكان.
وقد أصبحت هذه التدابير أساس الاستراتيجية الوطنية لأوزبكستان للحد من الفقر وتحسين الظروف المعيشية لمواطنيها، وقد بدأت بالفعل في تحقيق نتائج مهمة.
وبالتالي، يشير البنك الدولي في تقريره إلى أن معدل الفقر في أوزبكستان سينخفض إلى النصف بين عامي 2015 و2022. ووفقاً لخط الفقر الدولي المستخدم في البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع، فإن معدل الفقر في أوزبكستان سينخفض من 36% في عام 2015 إلى 17.3% في عام 2022، مما يرفع 5.1 مليون شخص من براثن الفقر. وكان معدل الانخفاض أسرع من المعدل في بقية بلدان آسيا الوسطى وأوروبا.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، نجحت البلاد في تحسين حياة 3 ملايين شخص معرضين للخطر وخفض معدل الفقر من 17% إلى 11% بحلول عام 2023. وتهدف الخطة إلى خفض المعدل إلى 9% هذا العام وخفضه إلى النصف بحلول عام 2030.
في الفترة 2021-2023، تم انتشال 1.2 مليون شخص في المناطق الريفية و400 ألف شخص في المناطق الحضرية من براثن الفقر.
وفي هذا السياق، من المستحسن تسليط الضوء على تفاصيل تنفيذ أولويات السياسة الحكومية للحد من الفقر في أوزبكستان.
أولاً، تم ترسيخ الأهداف والتدابير الرئيسية للحد من الفقر والحماية الاجتماعية بقوة في التشريعات والسياسات الحكومية. وعلى وجه الخصوص، تم إنشاء الوكالة الوطنية للحماية الاجتماعية ومراكز الخدمة الاجتماعية “إينسون” لتنفيذ هذه الأنشطة. ونتيجة لذلك، استفاد أكثر من 2.3 مليون أسرة محتاجة ونساء وكبار السن وأشخاص من ذوي الإعاقة من الحماية الاجتماعية المضمونة، وهو ما يمثل زيادة قدرها أربعة أضعاف مقارنة بعام 2017.
بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق آليات تنظيمية وقانونية جديدة تمامًا، بما في ذلك “دفتر الحديد” و”دفتر المرأة” و”دفتر الشباب” و”دفاتر الرحمة”.
وينص الإصدار الجديد من الدستور على أن الدولة يجب أن تتخذ التدابير اللازمة لتنظيم التشغيل وتوفير الدعم الاجتماعي والحد من الفقر. وبالتالي، تنص المادة 43 على أن الدولة مسؤولة عن ضمان تشغيل المواطنين وحمايتهم من البطالة واتخاذ التدابير للحد من الفقر وتنظيم وتشجيع التدريب المهني وإعادة تدريب المواطنين. ويحدد الدستور المحدث بوضوح الدولة باعتبارها “دولة اجتماعية”.
وعلاوة على ذلك، تحدد استراتيجية “أوزبكستان – 2030” هدف خفض معدل الفقر إلى النصف بحلول عام 2026 مقارنة بعام 2022، وزيادة دخول 4.5 مليون فرد معرضين لخطر الوقوع في براثن الفقر وتدريب 500 ألف متخصص مؤهل على أساس الشراكة الاجتماعية بحلول عام 2030.
ثانيًا، تستخدم الحكومة استراتيجية شاملة للتخفيف من حدة الفقر، والاستثمار بشكل كبير في الحماية الاجتماعية والبنية الأساسية. وعلى وجه الخصوص، في عام 2023، تم تخصيص 12.3 تريليون سوم أوزبكستاني لبرامج المساعدة الاجتماعية، و35 تريليون سوم أوزبكستاني للقروض الميسرة التي تهدف إلى تطوير ريادة الأعمال المحلية، و7 تريليون سوم أوزبكستاني لدعم تطوير المشاريع في المناطق التي تعاني من الفقر، وخاصة في المناطق الريفية.
كان لهذه الحوافز المالية تأثير مباشر على الحد من الفقر، حيث وفرت الإغاثة الفورية والفرص الاقتصادية الطويلة الأجل لملايين الأشخاص.
بالإضافة إلى ذلك، كان أحد أهم إنجازات الحكومة هو توسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية. على سبيل المثال، تم زيادة المعاشات التقاعدية والمزايا الاجتماعية بمقدار
1,5 مرة، مما كان له تأثير مباشر على الفئات ذات الدخل المنخفض. وعلاوة على ذلك، أعطت الحكومة الأولوية لتطوير البنية التحتية، وخصصت مبلغ 120 تريليون أوزبكستاني للنهوض بقطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل.
ثالثًا، تم تحديد إدخال منصب “مساعد الحاكم” في المناطق كعامل رئيسي في الحد من الفقر. بمبادرة من رئيس الدولة، كان تعيين مساعد الحاكم في كل محلة سياسة رئيسية منذ عام 2022. تهدف هذه المبادرة إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المحلات، والمقاطعات، والبلديات.
إن خلق فرص العمل وتعزيز روح المبادرة من الأمور المهمة التي يجب أن يتبناها المجتمع.
في الوقت الحاضر، وفي أكثر من 9400 منطقة في مختلف أنحاء البلاد، يعمل خبراء الاقتصاد الذين شغلوا في السابق مناصب إدارية داخل المنظمات التابعة للمجمع الاقتصادي كمساعدين للحكماء.
ومن الجدير بالذكر أنه منذ إنشاء هذه المؤسسة، وبحلول نهاية عام 2023، تم توظيف ما مجموعه 5.1 مليون فرد في وظائف دائمة وموسمية، مع تسجيل 3.9 مليون منهم كعاملين لحسابهم الخاص.
رابعًا، يمثل خلق فرص العمل وتعزيز المهارات آلية محورية لسياسة الحد من الفقر في أوزبكستان. وعلى الرغم من وجود 250 ألف فرصة عمل شاغرة في مختلف القطاعات، فإن 35٪ من الأسر ذات الدخل المنخفض تفتقر إلى المهارات اللازمة للوفاء بهذه الأدوار. ويمثل هذا العجز في المهارات اللازمة عقبة كبيرة أمام التخفيف من حدة الفقر على المدى الطويل، وتتخذ الحكومة خطوات لمعالجته من خلال توسيع نطاق برامج التدريب.
على سبيل المثال، خلال الفترة من 2022 إلى 2023، خضع حوالي 600 ألف مواطن للتدريب على الحرف والمهارات الريادية في مراكز “إشغا مرحمات” وغيرها من المؤسسات التعليمية غير الحكومية. وفي عام 2024، تم تدريب 250 ألف فرد كانوا عاطلين عن العمل في مجموعة من التخصصات المهنية، بينما انخرط أكثر من مليوني شخص في أنشطة ريادية بهدف توليد الدخل.
في العام المقبل، سيوفر المركز التابع لغرفة التجارة والصناعة فرص التدريب والتوظيف لأفراد الأسر الفقيرة في المهارات التي يطلبها أصحاب المشاريع. تم تقديم نظام “kasbiy-talim.uz” بهدف توسيع مشاركة المؤسسات التعليمية غير الحكومية بشكل كبير في التدريب المهني وريادة الأعمال.
وعلاوة على ذلك، في عام 2023 وحده، تم تنفيذ 92000 من أصل 97000 مشروع صغير في المحلة بدأها مساعدو الحكماء، وتم خلق ما يقرب من 400000 فرصة عمل إضافية.
وبالمثل، تم تحديد التمويل الأصغر كعامل مهم في تسهيل فرص العمل الحر. تم تخصيص مبلغ 10 تريليون أوزبكستاني لبرنامج الائتمان الأصغر، والذي سيوفر رأس المال للشركات الصغيرة ويساعد الأسر ذات الدخل المنخفض. وعلاوة على ذلك، تم تقديم قروض خالية من الفوائد للتعليم، وخاصة للأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض، والتي لديها القدرة على تسهيل هروبهم من الفقر.
وعلاوة على ذلك، نتيجة للمبادرات الحكومية في مجال التعليم، كانت هناك زيادة ملحوظة في معدل الالتحاق بمرحلة ما قبل المدرسة، والذي ارتفع من 27٪ إلى 74٪ في السنوات الثلاث الماضية. وقد أدى هذا إلى انخفاض معدل فقر الأطفال بنسبة 14٪.
خامسا، تمثل الإصلاحات الزراعية عنصرا هاما في استراتيجية التخفيف من حدة الفقر في البلاد. منذ عام 2020، خصصت الحكومة 260 ألف هكتار من الأراضي لـ 800 ألف أسرة، مما يوفر لهم مصدر دخل مباشر.
وفقًا للخبرة الدولية، فإن نموذج “الشركة التعاونية مزرعة الدهكان” يمكّن الأسر ذات الدخل المنخفض من الانخراط في الأنشطة الزراعية بشكل مستقل أو جماعي، وبالتالي تعزيز دخلهم والمساهمة في الأمن الغذائي. وعليه، بحلول عام 2025، سيتم تخصيص 50 ألف هكتار إضافية لـ 100 ألف أسرة، مما يساهم في النمو المستدام للقطاع الزراعي.
بالإضافة إلى ذلك، توفر برامج الائتمان الصغير للمزارعين قروضًا لمدة 5 سنوات للمعدات، وبالتالي المساعدة في التخفيف من حدة الفقر الريفي.
سادسًا، تسعى أوزبكستان إلى إقامة علاقات تعاونية مستدامة مع المنظمات الدولية والدول بهدف تبادل الخبرات وتنفيذ المشاريع المصممة لتقديم الدعم للمحتاجين. ومن الأمثلة على ذلك المؤتمر الدولي “الحوار العالمي حول الفقر المتعدد الأبعاد”، الذي عقد في أوزبكستان هذا العام. وكما ذكر الرئيس ش. ميرزيوييف، فإن “الحوار المتبادل حول الفقر المتعدد الأبعاد يخدم تحقيق أهداف نبيلة، وستشكل المقترحات والتوصيات العملية الناتجة عنه خطوة جديدة في الحد من الفقر على نطاق عالمي”.
كما أصبحت أوزبكستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عضواً في التحالف العالمي ضد الجوع والفقر، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو معالجة تحديات الأمن الغذائي العالمي ومكافحة الجوع والفقر وعدم المساواة.
وفي الختام، تحقق أوزبكستان خطوات ملحوظة في التخفيف من حدة الفقر، مع انخفاض متوسط الفقر بنسبة 3% سنوياً، واستثمارات كبيرة في الحماية الاجتماعية، والتركيز الاستراتيجي على التوظيف، وتنمية المهارات، والإصلاحات الزراعية. وفي المقابل، يجري حالياً تطوير برنامج يسمى “من الفقر إلى الرخاء”، بهدف مواصلة هذه الجهود في السنوات المقبلة.
وتتجه هذه المبادرات الوطنية، التي يقودها الاستثمار والدور المحوري لمؤسسات المحلة، نحو مجالات التعليم وخلق فرص العمل والتنمية الريفية.