رأىسلايدر

من يقف وراء إضطرابات سوريا بعد هزيمة اسرائيل أمام حزب الله في لبنان؟!

استمع الي المقالة

د. أحمد مصطفى يكتب

يثير تجدد الأنشطة الإرهابية في سوريا، في أعقاب الهزيمة الإسرائيلية على يد حزب الله ووقف إطلاق النار الذي أعقبها، تساؤلات حول الدوافع والمدبرين وراء هذه الأعمال. لقد لعبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتركيا وإسرائيل تاريخياً أدواراً مهمة في صراعات المنطقة، حيث كان للولايات المتحدة تاريخ طويل في الانخراط في تغيير الأنظمة ودعم القوات بالوكالة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

وكان الاتحاد الأوروبي متواطئاً في دعم مختلف الجماعات المسلحة من خلال وسائل غير مباشرة، وغالباً تحت ستار المساعدات الإنسانية، بهدف مواجهة النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة. كما تورطت المملكة المتحدة، بتاريخها الاستعماري العميق الجذور ومصالحها الاستراتيجية الحالية في الشرق الأوسط، في دعم مختلف الفصائل، بما في ذلك تلك التي لها ميول متطرفة.

أما تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي وقوة إقليمية مهمة، فلها مجموعة من المصالح الاستراتيجية الخاصة بها في سوريا، حيث اتُهمت الحكومة التركية بدعم مختلف الجماعات المسلحة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لمحاربة الحركات الانفصالية الكردية والحفاظ على نفوذها في المناطق الحدودية السورية. وغالباً ما كان هذا الدعم سراً، لكن الأدلة على التورط التركي في الصراع السوري موثقة بشكل جيد.

إن دور إسرائيل في عودة النشاطات الإرهابية في الآونة الأخيرة هو دور هام، حيث أن هزيمة حزب الله الأخيرة ووقف إطلاق النار الذي أعقبها قد خلق على الأرجح فراغًا في السلطة تسعى إسرائيل إلى استغلاله لصالحها. ولدى إسرائيل مصلحة راسخة في الحفاظ على عدم الاستقرار في سوريا لمنع ظهور دولة قوية وموحدة يمكن أن تشكل تهديدًا لأمنها. ويمكن النظر إلى عودة الإرهابيين في سوريا كخطوة استراتيجية لتقويض الاستقرار الناشئ وإبقاء المنطقة في حالة صراع دائم.

وتضيف الحجة القائلة بأن تنظيم داعش من صنع الحزب الديمقراطي وهيلاري كلينتون، كما تشير التسريبات المختلفة، طبقة أخرى من التعقيد إلى القضية. وفي حين أن مثل هذه الادعاءات مثيرة للجدل إلى حد كبير وتتطلب تدقيقًا صارمًا، إلا أنها تسلط الضوء على انعدام الثقة والشكوك العميقة الجذور التي تتخلل المناقشات حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ومن الضروري إجراء تحقيق شامل وشفاف لدحض هذه الفرضية.

يجب على المجتمع الدولي أن يتصدى لعودة ظهور الأنشطة الإرهابية في سوريا من خلال نهج شامل ومنسق، بما في ذلك إجراء تحقيقات شفافة في مصادر دعم هذه الجماعات الإرهابية وتنفيذ تدابير قوية لمنع تدفق الأسلحة والتمويل.

دور التحالفات الجديدة مثل بريكس ومبادرة الحزام والطريق ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية في مكافحة عودة الإرهاب إلى سوريا

ويمثل ظهور تحالفات جديدة مثل بريكس ومبادرة الحزام والطريق ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية فرصة كبيرة لمكافحة عودة الإرهاب في سوريا. إن هذه التحالفات التي تضم دولاً ذات فهم عميق للمنطقة ومصلحة راسخة في استقرارها في وضع جيد للمساهمة بفعالية. وتتمتع الصين وإيران وروسيا، على وجه الخصوص، بخبرة كبيرة في جهود مكافحة الإرهاب، بعد أن واجهت وأدارت تحديات مماثلة داخل حدودها والمناطق المجاورة. ويمكن لرؤاهم الاستراتيجية والعملياتية، إلى جانب الموارد الجماعية لهذه التحالفات ونفوذها، أن تلعب دوراً حاسماً في إرساء السلام والأمن في سوريا والحفاظ عليهما.

وتمثل دول مجموعة البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – مجموعة متنوعة من الاقتصادات الناشئة ذات النفوذ العالمي المتنامي. ويمكن تسخير نفوذها الجماعي لتقديم المساعدة المالية والتقنية لسوريا. يمكن أن تكون خبرة الصين الواسعة في تطوير البنية التحتية والتنشيط الاقتصادي، كما رأينا في مبادرة الحزام والطريق، مفيدة في إعادة بناء المناطق التي مزقتها الحرب، وبالتالي معالجة بعض الأسباب الجذرية للإرهاب. وقد أظهر انخراط روسيا في الصراع السوري بالفعل التزامها بمكافحة الإرهاب، ويمكن أن تكون خبرتها العسكرية وقدراتها الاستخباراتية حاسمة في الجهود الجارية لتأمين المنطقة.

إن مبادرة الحزام والطريق ليست مشروعاً اقتصادياً فحسب، بل هي أيضاً إطار استراتيجي يعزز الاستقرار والتعاون الإقليميين. فمن خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والترابط، يمكن لمبادرة الحزام والطريق أن تساعد في الحد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي غالباً ما تولد الإرهاب. إن التزام الصين بهذه المبادرة، إلى جانب علاقاتها القوية مع دول الشرق الأوسط الرئيسية، يؤهلها للعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا وتنميتها. ولجامعة الدول العربية، وهي منظمة إقليمية تضم 22 دولة عربية، مصلحة راسخة في استقرار سوريا، نظراً لموقعها الاستراتيجي وأهميتها التاريخية. وقدرة الجامعة العربية على حشد الدعم السياسي والاقتصادي لجهود مكافحة الإرهاب يمكن أن تكون مفيدة في المنطقة.

وتوفر تجربة الصين في مكافحة الإرهاب، خاصة في مناطقها الغربية، دروساً قيّمة لسوريا. فقد كانت مقاربة الحكومة الصينية، التي تجمع بين التدابير الأمنية الصارمة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فعالة في الحد من حدوث الأنشطة الإرهابية. إن مصلحة إيران الاستراتيجية في استقرار سوريا موثقة بشكل جيد، ومشاركة إيران في المنطقة متعددة الأوجه، بما في ذلك الدعم العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية والمساعدة الاقتصادية.

يمكن تعزيز الجهود الجماعية لهذه التحالفات بشكل أكبر من خلال إنشاء إطار متعدد الأطراف ينسق أنشطتها ومواردها. يمكن أن يشمل ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، وبرامج التدريب المشتركة، وتطوير استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تعالج كل من التهديدات الفورية والتحديات طويلة الأمد.

في الختام، إن عودة الإرهابيين في سوريا بعد الهزيمة الإسرائيلية ووقف إطلاق النار في 28 نوفمبر 2024، هي قضية متعددة الأوجه تنطوي على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتركيا وإسرائيل. يسلط السياق التاريخي لدعم هذه الدول للجماعات المسلحة والادعاءات المثيرة للجدل حول إنشاء داعش من قبل الحزب الديمقراطي وهيلاري كلينتون الضوء على تعقيدات الوضع. وتتطلب معالجة هذه المشكلة جهداً دولياً منسقاً وتحقيقات شفافة والتزاماً بمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يأمل في تحقيق الاستقرار والأمن الدائمين في المنطقة إلا من خلال هذا النهج الشامل. إن دور التحالفات الجديدة مثل بريكس ومبادرة الحزام والطريق ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية في مكافحة عودة الإرهاب إلى سوريا هو دور حاسم. ويمكن لهذه التحالفات، بقدراتها المتنوعة ومصالحها المشتركة، أن توفر الدعم والخبرة اللازمين للتصدي للتحديات المعقدة التي تواجه المنطقة. ومن خلال الاستفادة من نقاط قوتها الجماعية وتعزيز التعاون الإقليمي، يمكن لهذه التحالفات أن تساهم في جعل سوريا أكثر استقراراً وأمناً، مما يمهد الطريق في نهاية المطاف لمستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً لشعبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى