بقلم: د. غلاموف أ.ج.
أستاذ مشارك
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت قضايا ضمان الأمن المائي مهمة ملحة لمنطقة آسيا الوسطى. وفي الوقت نفسه، فإن الاتجاه السابق للسياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان هو تطوير التعاون مع دول آسيا الوسطى. وعلى وجه الخصوص، في استراتيجية “أوزبكستان – 2030” يتم نقل التعاون العملي في منطقة آسيا الوسطى إلى مستوى جديد نوعيًا، بما في ذلك تعزيز التعاون الوثيق مع دول المنطقة في مختلف المجالات، وخاصة البيئة وحماية الطبيعة، والاستخدام الرشيد لموارد المياه (الهدف 91) والبحث عن حل تدريجي لمشاكل المياه في بلدنا (الأهداف 62-73) مدرجة كأهداف ذات أولوية.
تتشكل معظم موارد المياه في آسيا الوسطى نتيجة ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية في جبال تيان شان وهندو كوش وبامير وتندمج في مصادر مياه مشتركة، وخاصة في سير داريا وأموداريا. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن معظم سكان آسيا الوسطى يعملون في الأنشطة الزراعية، ويتم تلبية جزء كبير من احتياجات الطاقة في المنطقة من خلال موارد الطاقة الكهرومائية، ويتجاوز النمو السنوي للمؤشرات الديموغرافية الزيادة في الطلب على المياه.
ويشير تحليل البيانات المتاحة إلى أنه منذ اليوم الأول لاستقلال جمهوريات آسيا الوسطى، بدأت في تحليل الوضع في مجال موارد المياه العابرة للحدود وإنشاء آليات مفيدة للطرفين للتعاون في هذا الاتجاه. بمبادرة من أوزبكستان، في 12 أكتوبر 1991، تم قبول أول خطوة سياسية مهمة – بيان طشقند لرؤساء وكالات المياه الوطنية في دول آسيا الوسطى. وقد أصبح هذا الوضع نقطة انطلاق لعملية التفاوض بين بلدان المنطقة في مجال استخدام موارد المياه العابرة للحدود، ونتيجة لذلك تم التوقيع على اتفاقيتين حكوميتين “حول التعاون في الإدارة المشتركة لاستخدام وحماية موارد المياه من المصادر بين الدول” و”حول إنشاء لجنة بين الدول لتنسيق المياه” في ألماتي في 18 فبراير 1992.
وفي هذا السياق، من المهم أن نلاحظ أن لجنة بين الدول لتنسيق المياه تضم أمانة عامة ومنظمتين لحوض نهري سير داريا وأموداريا ومركز معلومات علمي. وتشارك اللجنة في تطوير سياسة إقليمية للمياه والاستخدام المتكامل والعقلاني لموارد المياه الإقليمية وبرنامج إمدادات المياه على المدى الطويل ومعايير استخدام المياه السنوية لكل جمهورية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، في مارس 1993، وبالتعاون مع زعماء المنطقة، تم إنشاء الصندوق الدولي لإنقاذ بحر الآرال من أجل وضع حد للأزمة البيئية وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتعلق بالمياه في حوض بحر الآرال. وفي اجتماعها الأول الذي عقد في 13 يوليو 1993 في طشقند، تم تطوير “مفهوم كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان لحل مشاكل منطقة بحر الآرال مع مراعاة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة (الأحكام الرئيسية)”. وتكمن خصوصية الصندوق في أنه آلية لحل القضايا الحالية المتعلقة باستخدام المياه في المنطقة بشكل مشترك.
وفي الوقت الحالي، أصبح دور بلدنا في التعاون بين دول المنطقة والانضمام إلى الجهود المشتركة لضمان الأمن المائي أكثر أهمية. ففي عام 2016، كان انتخاب ش.م. ميرضيائيف رئيسًا لجمهورية أوزبكستان نقطة تحول في العلاقات المائية في آسيا الوسطى. ورسميًا، طورت طشقند علاقات مع الدول المجاورة في صيغ ثنائية ومتعددة الأطراف لحل مشاكل المياه، وبدأت في تعزيز النهج والمبادرات الإقليمية لضمان الأمن المائي. وفي هذا الصدد، تساهم جمهورية أوزبكستان باستمرار في دراسة وحل جميع القضايا المتعلقة باستخدام موارد المياه العابرة للحدود في آسيا الوسطى والأمن المائي، مع مراعاة المعايير المعترف بها عمومًا للقانون الدولي والاحترام المتبادل ومصالح دول المنطقة.
وعن الحديث عن التعاون الثنائي لجمهورية أوزبكستان مع دول المنطقة، فمن الضروري أولاً وقبل كل شيء التركيز على العلاقات المائية مع الدول الواقعة في الروافد العليا للأنهار العابرة للحدود – طاجيكستان وقيرغيزستان. وعلى وجه الخصوص، بدأت حكومة أوزبكستان في دعم بناء محطة روغون للمياه العالية في طاجيكستان، مع مراعاة المصالح الوطنية للجمهورية. ففي عام 2018، توصل الطرفان أيضًا إلى اتفاق عام بشأن قضية محطة فرهود للمياه العالية، والتي أصبحت نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين الدول وتم التوصل إلى اتفاق.
وتم التوقيع على اتفاقية بين البلدين حول الاستخدام المشترك لموارد المياه والطاقة في حوض نهر زرافشان (مصدر ري لـ 560 ألف هكتار من الأراضي المروية الخصبة في سمرقند ونواوي وجزئيًا في منطقتي بخارى وجيزاخ). واتفق الطرفان بشكل مشترك على بناء محطتين للطاقة الكهرومائية بسعة إجمالية تبلغ 320 ميغاواط على هذا النهر. وفي الوقت نفسه، في أغسطس 2024، في اجتماع لمجموعة العمل المشتركة بشأن الاستخدام المتكامل لموارد المياه في أوزبكستان وطاجيكستان، تم النظر في تنفيذ مشاريع حدودية مشتركة جديدة في مجال إدارة المياه بين البلدين بما في ذلك استخدام بحيرة ساريز لتوفير مياه الشرب النظيفة لدول أخرى في المنطقة والقارة الآسيوية.
وفي الوقت نفسه، وقَّعَ الجانب الأوزبكي عددًا من الاتفاقيات بشأن العلاقات المائية مع قيرغيزستان. ومن الأمثلة البارزة على ذلك أنه في عام 2019 تم التوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين بشأن خزان كركيدون وفي عام 2022 وقعت الدولتان اتفاقية بشأن الإدارة المشتركة للموارد المائية لخزان أنديجان (كامبير آباد). بالإضافة إلى ذلك، أعلنت طشقند رسمياً استعدادها للمشاركة في بناء مرافق الطاقة الكهرومائية في قيرغيزستان. ونتيجة لذلك، في عام 2024، وقعت وزارات الطاقة في أوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان اتفاقية ثلاثية بشأن الاستعدادات لبناء وتشغيل مشروع محطة الطاقة الكهرومائية كامباراتا 1، ولجنة تنسيق المانحين لبنائها، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق أوبك والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وغيرها.
وتؤكد جمهورية أوزبكستان على ضرورة تكثيف العلاقات الثنائية، بل ومتعددة الأطراف أيضًا، لضمان الأمن المائي في آسيا الوسطى، وتطرح عددًا من المقترحات والمبادرات في اجتماعات داخل المنطقة. وعلى وجه الخصوص، من أجل التخفيف من مشاكل المياه في آسيا الوسطى، وبمبادرة من الحكومة الرسمية لأوزبكستان، عُقدَ اجتماع رفيع المستوى في مجال ضمان الأمن المائي في المنطقة في مدينة تركمانباشي في 6 أغسطس 2021. وفي أعقاب الاجتماع، وقعت جمهوريات آسيا الوسطى الخمس بيانًا مشتركًا أكدت فيه على أهمية قضايا المياه والطاقة والمرافق القائمة وكذلك مرافق الطاقة الكهرومائية قيد الإنشاء، مع مراعاة مصالح بلدان المنطقة. ويشير هذا النهج إلى ظهور مصالح مشتركة في المنطقة في استخدام المياه العابرة للحدود.
وبشكل عام، أصبح ختام الاجتماع في تركمانباشي مثالاً ناجحًا للتعاون العملي بين الدول المجاورة في الوضع الصعب الحالي. ففي بداية موسم الشتاء، اتفقت أوزبكستان وكازاخستان على تزويد قيرغيزستان بالكمية اللازمة من الكهرباء خلال موسم النمو مقابل إمدادات المياه من محطة الطاقة الكهرومائية في توختاغول. كما تم إرسال تدفقات طاقة إضافية من تركمانستان إلى قيرغيزستان عبر أراضي جمهوريتنا.
وتجدر الإشارة إلى أن الغرض الرئيسي من الاجتماع الرفيع المستوى لرؤساء دول أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان، الذي عقد في عشق آباد في 4 أغسطس 2023، كان تنسيق قضية ضمان الأمن المائي في آسيا الوسطى. وعلى وجه الخصوص، في إطار هذا الاجتماع، اقترح رئيس جمهورية أوزبكستان ش.م. ميرضيائيف تكثيف التعاون في مجالات مثل إدخال تقنيات متقدمة لتوفير المياه وتحديث أنظمة الري ورقمنة عمليات إدارة المياه والتطوير المشترك للبنية التحتية لجمع وتخزين مياه التدفق الطيني والفيضانات. وفي كلمته، ذكر رئيس دولتنا أن دول آسيا الوسطى يجب ألا تستخدم إمكانات الصندوق الدولي لإنقاذ بحر الآرال فحسب، بل يجب أن تستخدم أيضًا التعاون مع المنظمات والهياكل الشريكة، مثل البنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
وفي أغسطس من هذا العام، في قمة الاجتماع التشاوري لرؤساء دول دول آسيا الوسطى الذي عقد في أستانا، اقترح ش.م. ميرضيائيف تطوير واعتماد “استراتيجية إقليمية للاستخدام الرشيد للموارد المائية للأنهار العابرة للحدود”. وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد هذه الوثيقة يضع الأساس للاستخدام الفعال للمياه العابرة للحدود الموجودة في آسيا الوسطى، وتشكيل وتطوير نهج إقليمي في هذا الصدد، وبشكل عام، تطوير وتنفيذ سياسة موحدة لدول المنطقة لضمان الأمن المائي.
ومن الجدير بالذكر أنه عند الحديث عن ضمان الأمن المائي في آسيا الوسطى، يجب إيلاء اهتمام خاص لبناء قناة كوشتيبا، فالتشغيل الكامل لهذه القناة والسياسة المائية الأحادية الجانب من الجانب الأفغاني يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الحالي في المنطقة وتغيير النظام والوضع بشكل جذري.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس دولتنا، في كلمته في اجتماع مجلس رؤساء الدول المؤسسة للصندوق الدولي لإنقاذ بحر الآرال في 15 سبتمبر/أيلول 2023، إلى ضرورة تشكيل مجموعة عمل مشتركة لدراسة جميع جوانب بناء قناة كوشتيبا وتأثيرها على النظام المائي لنهر آمو داريا بمشاركة معاهد البحوث في بلداننا، فضلاً عن النظر في مسألة إشراك ممثلي أفغانستان في الحوار الإقليمي بشأن تقاسم الموارد المائية.
وفي الختام، نلاحظ أن المشاكل المتعلقة بالمياه التي لوحظت في آسيا الوسطى تتطلب تنفيذ تدابير منسقة ومتسقة. ومن أجل ضمان الأمن المائي في المنطقة بشكل فعال، فمن الضروري أن تنتهج الدول سياسات ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضًا على المستوى الإقليمي وتطوير علاقات تعاون مفيدة للطرفين. وإدراكًا لهذه الحقيقة، تعمل جمهورية أوزبكستان على تطوير علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف في مجال المياه مع دول المنطقة، والتي قد تصبح عاملاً مهمًا في ضمان الأمن المائي في آسيا الوسطى في المستقبل القريب.