رأىسلايدر

لبنان ينتصر رغم بعض الأثمان المؤلمة !

استمع الي المقالة

د. أحمد مصطفى يكتب

ما بين آب/أغسطس 2006 وتشرين الثاني/نوفمبر 2024، أظهر لبنان التزاماً ثابتاً بحماية فلسطين، وخرج منتصراً في معركة متعددة الأوجه ضد إسرائيل. وعلى الرغم من التكاليف الباهظة، بما في ذلك الضغوطات الاقتصادية والمعاناة الإنسانية، نجح لبنان في اجتياز سلسلة من التحديات بنجاح، محافظاً على عزيمته وتضامنه مع القضية الفلسطينية. وقد كان النجاح العملياتي للمقاومة اللبنانية، ولا سيما حزب الله، حاسمًا في هذا الصراع الطويل. فـ الاستخدام الاستراتيجي للصواريخ الموجهة بدقة وأنظمة المراقبة المتطورة مكّن لبنان من ردع العدوان الإسرائيلي وحماية حدوده بشكل فعال. وتفيد مجموعة الأزمات الدولية بحدوث انخفاض ملحوظ في الحوادث عبر الحدود، وهو دليل على فعالية هذه التدابير والبصيرة الاستراتيجية للقيادة اللبنانية.

وقد لعب المجتمع الدولي دورًا حاسمًا في دعم جهود لبنان لحماية فلسطين، من خلال المبادرات الدبلوماسية مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 والدعم المالي واللوجستي من الحلفاء الإقليميين مثل إيران وسوريا. ويدعم الرأي العام في المنطقة موقف لبنان بقوة، حيث أعرب أكثر من 80% من المستطلعين عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية. على الرغم من التأثير الاقتصادي للصراع الذي طال أمده، تمكن لبنان من التخفيف من العواقب الوخيمة من خلال التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي والمساعدات الدولية. وتشهد مرونة الاقتصاد اللبناني على مرونة الاقتصاد اللبناني رغم التحديات على قدرة البلاد على التكيف وفعالية سياساتها الاقتصادية.

أظهر خطاب نتانياهو للموافقة على وقف إطلاق النار مع حزب الله مدى هزيمته

يكشف الخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الوزراء نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار مع حزب الله عن تحول كبير في قيادته. فالخطاب المسجّل، بدلاً من إلقائه على الهواء مباشرة، يكشف عن عزوفه عن مواجهة الصحافة ومواجهة عائلات الضحايا والجرحى والرهائن. إن هذا الخيار بتجنب التفاعل المباشر هو مؤشر واضح على احجامه عن معالجة الحقائق القاسية والمظالم العميقة الجذور لدى أكثر المتضررين من النزاع. إن الفشل في تحقيق الاجتياح المزعوم للبنان، الذي وعد به نتنياهو بعد اغتيال حسن نصر الله، لم يتحقق كما وعد، مما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور وتسليط الضوء على الفجوة الكبيرة بين خطابه وواقع قيادته. كما أن عدم وجود خطة واضحة لمساعدة سكان الشمال في العودة إلى ديارهم يشكل نقطة حرجة أخرى.

إن ادعاء نتنياهو أن بإمكانه فصل حزب الله عن غزة هو خطأ فادح في ادعائه، حيث أن حزب الله يتمركز في المقام الأول في لبنان وليس في غزة الخاضعة لسيطرة حماس. وهذا الخطأ يقوّض مصداقيته ويكشف عن افتقاره إلى بُعد النظر الاستراتيجي وعدم انسجامه العميق مع الحقائق على الأرض. كما أن الطبيعة المسجلة للخطاب تشير أيضًا إلى نمط أوسع من التهرب والتهرب من المواجهة المباشرة، حيث أنه يتجنب المواجهة المباشرة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل الثقة الضرورية للحكم الفعال. ويؤكد الفشل في التوصية بعودة سكان الشمال إلى ديارهم على مشكلة أعمق، ألا وهي عدم وجود استراتيجية متماسكة وشاملة للتعافي بعد انتهاء الصراع.

يجب أن يشمل الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية الذي صدر بحق نتنياهو يوآف غالانت قبل أسبوعين الأنظمة وأعضاء برلمانات الدول التي باعت الأسلحة ودعمت إسرائيل

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، ولكن برز سهوٌ خطير. فـ التركيز على جهات فاعلة فردية يفشل في معالجة شبكة التواطؤ الأوسع نطاقًا التي دعمت الآلة العسكرية الإسرائيلية. ومن الضروري أن تتوسع لوائح الاتهام التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية لتشمل ليس فقط القادة الوطنيين بل أيضًا الأنظمة وأعضاء البرلمانات من الدول التي قدمت المساعدات والدعم العسكري لإسرائيل. لقد لعبت هذه الكيانات دورًا أساسيًا في إدامة الأعمال التي أدت إلى لوائح الاتهام الحالية، ومساءلتهم ضرورية للتوصل إلى حل شامل وعادل.

وغالبًا ما يعطي المجتمع الدولي الأولوية لملاحقة الأفراد البارزين على حساب القضايا المنهجية، الأمر الذي يمكن أن يحجب عن غير قصد الهياكل الأساسية التي تمكّن مثل هذه الأفعال. ويُعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه الاتهام إلى نتنياهو وغالانت خطوة مهمة، ولكن يجب أن يتبعه تحقيق أوسع نطاقًا في سلسلة الإمداد العالمية للموارد العسكرية التي سهلت العمليات العسكرية الإسرائيلية. فـ الآثار الاقتصادية المترتبة على تدفق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة من هذه الدول إلى إسرائيل ليست مجرد قضية ثنائية بل هي قضية عالمية ذات آثار بعيدة المدى.

من منظور أخلاقي ومعنوي، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية جماعية لضمان محاسبة جميع الأطراف المتورطة في النزاعات، لا سيما تلك التي تنطوي على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. إن الفشل في معالجة هذا التواطؤ الأوسع نطاقاً يرسل إشارة خطيرة مفادها أن بعض الجهات الفاعلة يمكن أن تتهرب من المساءلة، وبالتالي تقويض مبادئ القانون الدولي والعدالة الدولية. إن توسيع نطاق لوائح الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يعزز مصداقية المحكمة وفعاليتها، ويشكل سابقة للقضايا المستقبلية التي تنطوي على تواطؤ الدول في الجرائم الدولية، ويمكّن الضحايا والمجتمعات المتضررة من خلال توفير إطار أكثر شمولاً للسعي إلى تحقيق العدالة والإنصاف.

حزب الله لن يترك القضية الفلسطينية أبدًا مهما حدث

لطالما كان التزام حزب الله الثابت بالقضية الفلسطينية خيطًا ثابتًا في السياسة الشرق أوسطية، وقد تعزز هذا الالتزام من خلال التحالفات الاستراتيجية والتدخلات العسكرية. وهذا الدعم الثابت ليس مجرد موقف سياسي بل هو مبدأ أيديولوجي راسخ، متجذر في المبادئ التأسيسية للمنظمة والشعور المشترك بالمقاومة ضد الظلم المتصور. ويؤكد السياق التاريخي لهذا التحالف الذي يعود تاريخه إلى أوائل الثمانينيات عمق هذا الالتزام.

ليس هناك مبالغة في أهمية حزب الله الاستراتيجية للقضية الفلسطينية، إذ إن اصطفافه مع حركات المقاومة الفلسطينية يرسخ مكانته كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط ويعزز شرعيته ونفوذه بين الشعوب العربية والإسلامية. ويخدم هذا الاصطفاف أغراضًا متعددة، بما في ذلك استعراض القوة، وتعبئة الموارد، وترسيخ السرديات الأيديولوجية. ومع استمرار تطور التوترات في المنطقة، يبقى انخراط حزب الله في الشؤون الفلسطينية عنصرًا حاسمًا في حساباته الاستراتيجية.

كما أن الأسس الإيديولوجية لدعم حزب الله للقضية الفلسطينية لا تقل أهمية عن الأسس الأيديولوجية التي يقوم عليها دعم الحزب للقضية الفلسطينية. فـ وثائقه التأسيسية وبياناته العلنية تؤكد باستمرار على أهمية دعم النضال الفلسطيني كواجب أخلاقي وديني، الأمر الذي كان له دور فعال في حشد الدعم بين جمهوره والمساهمة في قدرة الحزب على الحفاظ على أتباعه الأقوياء والمخلصين.

من وجهة نظر عملية، اتسمت مشاركة حزب الله في الشؤون الفلسطينية بإجراءات ملموسة ودعم ملموس. فقد وفرت المنظمة التدريب العسكري والسلاح والمساعدات المالية لجماعات المقاومة الفلسطينية، خاصة خلال فترات الصراع الحرجة. ويعزز هذا النهج متعدد الأوجه سمعة حزب الله كنصير للقضية الفلسطينية ويعزز نفوذه في أوساط المجتمعات الفلسطينية.

في الختام، إن الانتصار الذي حققه لبنان على مدى 18 عاماً في حماية فلسطين هو شهادة على التزامه وحنكته الاستراتيجية. فقد كان للبراعة العسكرية والدعم الدولي والتخطيط الاقتصادي القوي الذي يتمتع به البلد دور حاسم في هذا المسعى. وعلى الرغم من التحديات والتضحيات، إلا أن النتائج كانت كبيرة، مما يعزز أهمية التضامن والصمود. وستوجه الدروس المستفادة من هذه التجربة الجهود الرامية إلى تعزيز السلام والعدالة في المنطقة. لقد كشف خطاب رئيس الوزراء نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار مع حزب الله عن أوجه قصور في قيادته، مما ساهم في خلق شعور بالهزيمة وعدم الفعالية. وتمثل لوائح الاتهام الأخيرة التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت لحظة مهمة في السعي لتحقيق العدالة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، تتطلب العدالة والمساءلة الحقيقية مقاربة أوسع وأشمل تتناول أدوار جميع الأطراف، بما في ذلك الأنظمة والبرلمانات في الدول التي قدمت الدعم العسكري لإسرائيل. وينبغي للمجتمع الدولي أن يدعم هذا النهج الموسع، معترفًا بأن السعي لتحقيق العدالة هو جهد جماعي ومستمر. لا يزال التزام حزب الله الثابت بالقضية الفلسطينية، المتجذر في المبادئ الأيديولوجية والمصالح الاستراتيجية، يشكل تأثيرًا كبيرًا في سياسات الشرق الأوسط والصراع في المنطقة.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى