إقتصادسلايدر

الهند تحقق الريادة العالمية في مجال المناخ

استمع الي المقالة

عزت حسن

الهند هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، حيث تضم حوالي 17٪ من سكان العالم. كما تمتلك خامس أكبر اقتصاد في العالم، وهي في طريقها لتمتلك ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2030. ومع ذلك، فإن مساهمتها في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية منذ عصر الثورة الصناعية لا تتجاوز 3.4٪ من إجمالي مساهمات العالم، حيث تبلغ انبعاثاتها الحالية 2 طن للفرد وهو ما يمثل أقل من نصف المتوسط العالمي البالغ 4.7 طن.

كما تمثل البصمة الكربونية للفرد في الهند اقل من مثيلاتها بين دول مجموعة العشرين، حيث أقرت مؤسسة التمويل الدولية (IFC) بأن الهند هي الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي تتوافق مع الحد الأقصى البالغ درجتين مئويتين للاحتباس الحراري العالمي. بالإضافة إلى ذلك، سلطت مؤسسة التمويل الدولية الضوء على نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ نحو سبعة في المائة بين عامي 2005 و 2019، في حين نمت الانبعاثات بمعدل نمو سنوي مركب بلغ حوالي أربعة في المائة. ويبدو أن هذا يؤكد نجاح الهند النسبي في فصل النمو الاقتصادي عن انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، وخفض كثافة الانبعاثات الناجمة عن ناتجها المحلي الإجمالي، كما يؤكد ذلك على ان الهند قد اصبحت نموذجًا يحتذى من قبل العالم بشكل عام ومن قبل دول الجنوب بشكل خاص. وفي إطار تصميم الهند على أن تكون جزءًا من حل مشكلة تغير المناخ، أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن خطة عمل مناخية مكونة من خمس نقاط (بانشامريت) للهند في اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي عقدت في جلاسكو في شهر نوفمبر 2021. وشمل ذلك التزاما أساسيا بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2070 إلى جانب أربعة عناصر تكون هذا المسار. وقد تم دمج هذه العناصر ، التي سيتم ذكرها أدناه، في وقت لاحق في مساهمات الهند المحددة وطنياً (NDCs):

1. الوصول إلى 500 جيجاوات من توليد الوقود غير الأحفوري بحلول عام 2030

2. الحصول على 50٪ من متطلبات الطاقة في الهند من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030

3. خفض إجمالي انبعاثات الكربون المتوقعة بمقدار مليار طن حتى عام 2030

4. خفض كثافة الكربون في الاقتصاد بنسبة 45٪ بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005

وقد عززت العديد من هذه الأهداف تلك الأهداف المهمة بالفعل التي حددتها الهند لنفسها بعد اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي عقد في باريس في عام 2015. وقد غدا هذا الأمر ممكنا نظراً لحقيقة أن الهند حققت مساهماتها المحددة وطنياً قبل فترة طويلة من الزمن. وفيما يتعلق باستخدام موارد الوقود غير الأحفوري للطاقة، فقد حققت الهند 40% من إجمالي سعة تركيب الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة غير الأحفورية في عام 2021، أي قبل تسع سنوات من العام المستهدف وهو 2030.

وعلاوة على ذلك، أضافت الهند بين عامي 2017 و2023 حوالي 100 جيجاوات من القدرة الكهربية المركبة، ينتمي حوالي 80% منها إلى موارد غير أحفورية. وحتى الآن، وصلت حصة الموارد غير الأحفورية في سعة الكهرباء المركبة إلى 45.4%. وتم تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في خفض كثافة الانبعاثات الناجمة عن الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 33% بحلول عام 2030، عن مستوى عام 2005، في عام 2019، أي قبل 11 عامًا من الموعد المحدد.

وبعيدًا عن عناصر المسار الأربعة، تعهدت الهند بإنشاء خزان حيوي إضافي لثاني أكسيد الكربون يتراوح بين 2.5 إلى 3 مليارات طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من خلال الغطاء الحرجي والشجري الإضافي بحلول عام 2030. وحتى الآن، تم إنشاء حوالي 1.97 مليار طن من خزانات مكافئ ثاني أكسيد الكربون مما يضع الهند على المسار الصحيح لتحقيق هذه المساهمة المحددة وطنيًا.

هناك مبادرتان أخريان للهند لهما أهمية عالمية.

الأولى هي مبادرة LiFE – أسلوب حياة من أجل البيئة، وهي حركة جماهيرية أطلقها رئيس الوزراء مودي في مدينة جلاسكو لتشجيع تبني أنماط حياة مستدامة لمواجهة تحديات التدهور البيئي وتغير المناخ. وأكدت مجموعة العشرين، في بيانها الصادر في نيودلهي في سبتمبر 2023، على أهمية التغييرات السلوكية ونمط الحياة باعتبارها ركائز أساسية في الخطة الاستراتيجية المعتمدة لتعزيز كفاءة الطاقة في جميع قطاعات الطلب بحلول عام 2030.

والمبادرة الثانية للهند هي تطوير بدائل للوقود الأحفوري كثيف الكربون. وتتضمن هذه المبادرة الرئيسية مهمة الهيدروجين الأخضر الوطنية التي تسعى إلى تطوير قدرة إنتاج الهيدروجين الأخضر بما لا يقل عن 5 ملايين طن متري سنويًا بحلول عام 2030 مع إضافة قدرة الطاقة المتجددة المرتبطة بها تقدر بحوالي 125 جيجاوات. وقد يؤدي هذا إلى الحد من انبعاثات الغازات السنوية المسببة للانحباس الحراري العالمي بما يقرب من 50 مليون طن متري.

ولا تقتصر جهود الهند بشأن تغير المناخ على الجهود المحلية فحسب، بل تسعى تلك الجهود أيضًا إلى بناء شراكات عالمية. ففي اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في باريس عام 2015، تعاونت الهند مع فرنسا وأطلقت التحالف الدولي للطاقة الشمسية (ISA) الذي يضم اليوم 119 دولة موقعة على اتفاقه الإطاري ويأتي هذا التحالف في طليعة مبادرات نشر حلول الطاقة الشمسية في الجنوب العالمي للتخفيف من تغير المناخ. وقد أدت الجهود المحلية الضخمة التي تبذلها الهند في تعزيز الاستعانة بالطاقة الشمسية إلى خفض تكلفة الطاقة الشمسية بشكل كبير وبالتالي زيادة الاهتمام بتبنيها في الداخل كما أصبحت نموذجا يتحذي به في جميع أنحاء دول الجنوب.

في عام 2019، أنشأت الهند تحالف البنية الأساسية المرنة للكوارث والذي أدى إلى إطلاق مبادرة البنية الأساسية للدول الجزرية المرنة (IRIS) في جلاسكو في عام 2021، وهي مبادرة رائدة مصممة لتحقيق وتقديم حلول المرونة والتكيف مع المناخ للدول الجزرية الصغيرة النامية. وفي اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دبي في عام 2023، تعاونت الهند مع السويد وأطلقت المرحلة الثانية من مجموعة القيادة للتحول الصناعي (Lead IT) 2.0 وفي قمة مجموعة العشرين في دلهي انضمت الهند إلى العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم في إطلاق التحالف العالمي للوقود الحيوي.

لقد أظهرت الهند من خلال سياساتها الطموحة ومسار نمو الطاقة المتجددة الناجح، جنبًا إلى جنب مع الإنجاز الفعال للالتزامات الدولية، ريادتها القوية في مجال المناخ على المستوى العالمي. ولأن الكثيرين يعتبرون تغير المناخ التحدي الأساسي الذي يواجهنا في هذا العصر، فقد تولت الهند دورًا محوريًا في معالجة تغير المناخ، سواء من حيث ما قامت به من إجراءات أو باعتبارها الصوت الرائد للجنوب العالمي في مجال الاستدامة.

مانجيف إس بوري

السفير الاسبق للهند لدى الاتحاد الأوروبي والمفاوض الرئيسي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخز، زميل معهد الطاقة والموارد، نيودلهي

إشيتا سريفاستافا, باحث مشارك، معهد الطاقة والموارد، نيودلهي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى