دكتور أحمد تركى يكتب
لا يخفى على أحد ارتباط فريضة الحج بالاستطاعة المالية والبدنية ، وفق قول الله تعالى: ” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97).
فمن عجز عن أداء الحج مالاً سقط عنه الحج كمن عجز عن أداء الحج بسبب الشيخوخة أو المرض.
ومع ارتفاع تكلفة الحج خلال السنوات الماضية والتى تجاوزت مقدور الكثير من الناس ، ظهرت فى الأفق تجارة خسيسة استهدفت البسطاء فى القرى والنجوع ، مستغليين حالة اشتياق الناس للحج وزيارة الكعبة المشرفة و المدينة المنورة ،،، فقاموا بإنشاء سوق سوداء للحج على غرار السوق السوداء للعملة !!
غير أن السوق السوداء للحج حصدت ارواح الآلاف من الحجاج المصريين هذا العام الذين دخلوا مكة بتأشيرة زيارة وليس لهم مخيمات بعرفة ومنى ،، وتركهم السماسرة لمصيرهم المحتوم بعد ما حصلوا منهم مئات الملايين من الجنيهات ، فقد ذكر لى بعض المعارف انه دفع فى تاشيرة الزيارة ربع مليون ومنهم من دفع مائة وخمسين ألفاً ومنهم من تجاوز هذا الرقم.
وتأشيرات الزيارة لا تعطى للحاج حماية أو مكان فى مخيمات عرفات ومخيمات منى. فضلاً عن تشديدات السلطات السعودية هذا العام لمكافحة هذه العشوائية ،، فقام هؤلاء السماسرة بتعريض هؤلاء الناس ومنهم عدد كبير من كبار السن لمخاطر لا يطيقها بشر !! فسلكوا بهم طرقاً صحراوية غير ممهدة تجنباً للمساءلة من قبل السلطات السعودية ! والسكن فى مكة فى اماكن غير لائقة بدون رعاية صحية !!
نتج عن هذه الفوضى موت الآلاف من الحجاج هذا العام تحت أشعة الشمس الحارقة فى عرفة ومزدلفة ومنى !!
ذكر لى بعض المعارف مأساة سيدة مصرية مسنة حيث قام المسئول عنها وهو سمسار من سماسرة الموت ويقود مجموعة من حجاج تأشيرات الزيارة بايقاف الناس فى الشارع بمنى فى درجة حرارة تجاوزت الخمسين نظراً لعدم وجود مخيم لهم.
وقام بتكليف تلك السيدة المسنة كى تحرس الشنط والأمتعة. وقام هو وآخرين بالذهاب إلى الرجم وعندما عاد لم يجد تلك السيدة لانها فارقت الحياة فى الشارع ونقلوا جثتها إلى المستشفى !!
هذه الكارثة التى حدثت هذا العام توجب علينا جميعاً مواجهة الذات بالحقيقة والوقوف على أسبابها حتى لا تتكرر فى المستقبل ،،، والأهم محاسبة كل من تسبب فيها وقصر فى دوره تجاه هذا الملف.
1- لم تقم وزارة الأوقاف المصرية بواجب التوعية المطلوبة فى هذا الملف قبل الحج بعدة أشهر ،،، وهى الجهة المسئولة وفق القانون عن مثل هذا النوع من التوعية ! ، فلم نسمع خطبة جمعة أو أى وسيلة توعية صادرة عن وزارة الأوقاف تبين للناس المخاطر المحتملة والمؤكدة من سفر الحاج بتأشيرة زيارة مخالفاً للتعليمات فى السعودية وبالتالى اهدار حقوقه وتعرضه للموت !
لقد نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للكعبة وقال: لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم”!!
وبالتالى حفظ النفس مقدم على الحج ، فضلا. عن سقوط الاستطاعة عن الشخص الذى يريد الحج ولا يملك كامل تكلفته !
وارتبط الحج بالاستطاعة البدنية والمالية ، ولهذا هناك وكالة فى الحج عن الغير لمن عجز عن اداء الحج بنفسه.
فضلاً عن أن وسيلة الحج لابد ان تكون حلالاً ومن ذلك دخول مكة للحج بطريق مشروع وليس بكذب وتحايل !!
فلابد من محاسبة وزير الأوقاف على هذا التقصير الذى راح ضحيته أرواحاً من خيرة المصريين بسبب الجهل والوقوع فى براثن هؤلاء السماسرة
وكان من الممكن توعية الناس من خلال المنابر والأئمة وحقن دماء سالت على تراب مكة. وهذه التوعية أهم بكثير من الاهتمام بجمع الأضاحى وما يشوبه من تفاصيل لا مجال لذكرها ،،،
2- كل من تورط فى هذه الجريمة من شركات السياحة وعملائها لابد من محاسبتهم ، بإلغاء تراخيص تلك الشركات ،، والقبض على هؤلاء السماسرة ومحاكتهم وخاصة انهم يتحملون بصورة مباشرة جريمة القتل الخطأ وعليهم دية هؤلاء الضحايا
لانهم غرروا بهم ودفعوهم إلى التهلكة ، فيجب عليهم دفع دية كاملة لذوى كل ضحية.
قال تعالى : ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ “. النساء : 92
3- يقينى أن الدولة المصرية ستأخذ كل التدابير اللازمة لعدم تكرار هذه المأساة مرة أخرى ،،، وسيقوم وزير الأوقاف الجديد بأداء دوره على أكمل وجه وفق توجيه سيادة ألرئيس للحكومة الجديدة بضرورة نشر الوعى وتجديد الخطاب الدينى.
أسال الله تعالى أن يرحم هؤلاء الحجاج وأن يقبلهم عنده فى عليين وان يعذرهم بجهلهم ، ويثبت قلوب ذويهم بالصبر والسلوان.
والله المستعان.
#إن_الله_معنا