بقلم: أحمد مصطفى
تشهد مصر انقطاعًا يوميًا في التيار الكهربائي بسبب عوامل مختلفة. فالزيادة في صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا ليست السبب الوحيد لانقطاع التيار الكهربائي. فقد نفذت الحكومة المصرية تدابير لزيادة الإيرادات ومعالجة العجز في ميزانيتها، بما في ذلك صادرات الغاز الطبيعي المسال. ومع ذلك، تُستخدم الإيرادات الناتجة عن هذه الصادرات لتمويل قطاعات مختلفة، بما في ذلك قطاع الطاقة. ويمكن أن تؤثر زيادة تكلفة المشتقات النفطية، حيث أن مصر مستورد صافٍ للنفط والمنتجات البترولية، تأثيرًا كبيرًا على قطاع الطاقة.
وعندما ترتفع أسعار النفط، ترتفع أيضًا تكلفة إنتاج الكهرباء من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالنفط، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي إذا لم تستطع الحكومة دعم الفرق. كما ساهم سوء الإدارة وانعدام الكفاءة في قطاع الطاقة، مثل سرقة الطاقة والتوصيلات غير القانونية، في انقطاع التيار الكهربائي. وقد تم اقتراح استخدام مقايضة الدولار الأمريكي، وهي أدوات مالية تستخدم للتحوط ضد تقلبات العملة، كعامل محتمل، ولكن تأثيرها على قطاع الطاقة غير واضح ومن غير المرجح أن يكون السبب الرئيسي.
ما هو حجم العجز في إمدادات الطاقة في مصر ولماذا؟
تعاني مصر من عجز كبير في إمدادات الطاقة، وهي مشكلة أثرت بشكل كبير على اقتصادها وحياتها اليومية. ويرجع العجز في المقام الأول إلى زيادة الطلب المحلي وعدم كفاية الإنتاج المحلي وعدم كفاية البنية التحتية. ينمو الطلب على الطاقة في البلاد بمعدل حوالي 7% سنويًا، مدفوعًا بعوامل مثل النمو السكاني والتوسع الحضري والتنمية الاقتصادية. وقد أدى ذلك إلى الضغط على البنية التحتية الحالية للطاقة في مصر، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر ونقص الإمدادات.
ويُعد عدم كفاية الإنتاج المحلي عاملاً هامًا آخر يساهم في هذا العجز. فعلى الرغم من امتلاك مصر لموارد طاقة كبيرة مثل الغاز الطبيعي والنفط والطاقة المتجددة، إلا أنها لم تتمكن من تلبية الطلب المحلي على الطاقة بسبب نضوب احتياطيات النفط والغاز التقليدية والفشل في تطوير مصادر جديدة للطاقة. كما أعاقت التحديات المؤسسية والتنظيمية، مثل الروتين البيروقراطي والفساد ونقص الاستثمار في قطاع الطاقة، إنتاج الطاقة.
كما يعد عدم كفاية البنية التحتية عاملاً حاسماً آخر يساهم في العجز. فقد أدى تقادم شبكة الكهرباء في مصر وعدم كفاية شبكات نقل الطاقة وتوزيعها إلى خسائر كبيرة وعدم كفاءة. وقد نفذت الحكومة المصرية تدابير مثل إصلاحات دعم الطاقة، والاستثمار في البنية التحتية الجديدة للطاقة، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، لكن هذه التدابير لم تعالج الأسباب الكامنة وراء عجز الطاقة بشكل كامل.
ما هي الآثار الاجتماعية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لانقطاع الطاقة في مصر؟
يترتب على انقطاع الطاقة في مصر آثار اجتماعية واقتصادية مباشرة وغير مباشرة على رفاهية البلاد وتنميتها. بشكل مباشر، يمكن أن تؤدي هذه الانقطاعات إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة التكاليف التشغيلية وفقدان الوظائف، مما يؤثر سلبًا على دخل الأسر ومستويات المعيشة. كما يمكن أن تؤدي إلى تعطيل الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، مما يؤثر على جودة حياة المواطنين.
وبشكل غير مباشر، يمكن لهذه الانقطاعات أن تقوض أهداف التنمية طويلة الأجل في البلاد. وقد تزداد تكلفة ممارسة الأعمال التجارية بسبب استثمار الشركات في مصادر الطاقة البديلة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما يؤدي إلى زيادة انخفاض دخل الأسر وزيادة الفقر وعدم المساواة.
وبشكل غير مباشر، يمكن لهذا الانقطاع أن يجعل مصر أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، مما يقلل من الاستثمار الأجنبي المباشر ويؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي والتنمية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام مصادر الطاقة البديلة، مثل مولدات الديزل، إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء، مما يؤثر سلبًا على الصحة العامة ويساهم في تغير المناخ.
بدائل الطاقة المتاحة في مصر
تشتهر مصر، وهي دولة تقع في شمال شرق القارة الأفريقية، بتاريخها الثري وثقافتها الفريدة ومواردها الطبيعية الوفيرة، بما في ذلك الشمس. وعلى الرغم من الفوائد المحتملة للطاقة الشمسية، إلا أن مصر كانت بطيئة في اعتمادها كمكون هام في مزيج الطاقة لديها. توفر الطاقة الشمسية مصدرًا نظيفًا ومستدامًا للكهرباء، وتقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقلل من انبعاثات الكربون. كما أن تكلفة تكنولوجيا الطاقة الشمسية آخذة في الانخفاض، مما يجعلها خياراً جذاباً بشكل متزايد للعديد من البلدان.
ومع ذلك، كانت مصر مترددة في الاستثمار في الطاقة الشمسية، خاصةً في ضوء توصيات مؤتمر المناخ COP27 في عام 2022. وقد أتيحت لمصر الفرصة لإثبات التزامها بهذه الأهداف من خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية وتقديم مثال يحتذى به للبلدان الأخرى في المنطقة.
بالإضافة إلى أشعة الشمس الوفيرة، تنتج مصر كمية كبيرة من القمامة كل عام، والتي يمكن تحويلها إلى ميثانول، وهو وقود سائل يمكن استخدامه لتوليد الكهرباء أو كوقود للنقل. ومن خلال تحويل القمامة إلى ميثانول، يمكن لمصر أن تقلل من النفايات المرسلة إلى مدافن القمامة وتخلق مصدرًا جديدًا للطاقة النظيفة. ومع ذلك، لم تستفد مصر بعد من إمكانات الميثانول كمصدر للطاقة، حيث لا يزال نطاقه محدودًا ولا توجد استثمارات أو تطورات كبيرة في هذا المجال.
الطاقة النووية بديل مجدٍ آخر للطاقة في مصر
تُعد الطاقة النووية حلاً واعداً لمصر، البلد الذي يتزايد عدد سكانه بسرعة ويزداد الطلب على الطاقة. وتعمل شركة روس آتوم الحكومية الروسية للطاقة النووية على إنشاء أربع محطات للطاقة النووية في موقع الضبعة في مصر. تُعد الطاقة النووية مصدرًا نظيفًا وفعالًا للطاقة، حيث تنتج الحد الأدنى من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أثناء التشغيل، على عكس الوقود الأحفوري الذي يساهم في تغير المناخ وتلوث الهواء. ويمكن لمصر، من خلال تنويع مزيج الطاقة لديها ليشمل الطاقة النووية، أن تقلل من اعتمادها على الوقود الأحفوري، وتحسِّن أمن الطاقة، وتكافح تغير المناخ.
وستبلغ القدرة الإنتاجية لمحطات الطاقة النووية الأربع في موقع الضبعة 4800 ميجاوات، مما سيساهم بشكل كبير في تلبية احتياجات مصر من الطاقة. وسيتم تجهيزها بأحدث تكنولوجيا مفاعلات الجيل الثالث + VVER-1200، مما يضمن الأمان والكفاءة. كما ستستفيد مصر من الميزات المتقدمة مثل دورة التزود بالوقود الطويلة، وارتفاع معدل احتراق الوقود، والأتمتة التشغيلية العالية.
كما سيكون بناء محطات الطاقة بمثابة حافز للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي في مصر. ومن المتوقع أن يخلق المشروع الآلاف من فرص العمل أثناء البناء والتشغيل، ويعزز الصناعات المحلية، ويعزز البنية التحتية والخبرات النووية في مصر. تعكس مشاركة روساتوم في مشروع الضبعة علاقة روسيا القوية مع مصر والتزامهما المشترك بالتنمية المستدامة.
وعدت كل من إيران وفنزويلا بمنح مصر أسعارًا تفضيلية بالجنيه المصري للمشتقات النفطية، إلا أن الحكومة المصرية مترددة، لماذا؟
عرضت إيران وفنزويلا على مصر أسعارًا تفضيلية لتوريد المشتقات النفطية المقومة بالجنيه المصري لمصر، وهو ما قد يعود بالنفع على مصر التي تواجه حاليًا تحديات اقتصادية وإدارة احتياطاتها من العملات الأجنبية. ومع ذلك، كانت الحكومة المصرية مترددة في المضي قدمًا في هذه الصفقة، نظرًا للضغوط الخارجية.
فالولايات المتحدة لديها علاقة معقدة مع مصر، وأي صفقة تشمل إيران أو فنزويلا قد تؤدي إلى مزيد من التعقيدات أو العقاب من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الولايات المتحدة حليفًا طويل الأمد لمصر، وقدمت مساعدات عسكرية واقتصادية كبيرة لمصر على مر السنين. وقد يُنظر إلى تعزيز العلاقات مع إيران أو فنزويلا على أنه خيانة أو تحول عن الولايات المتحدة.
كما أن دور الإمارات العربية المتحدة في المنطقة، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة ومورد رئيسي للنفط إلى مصر، قد ينظر إلى أي اتفاق مع إيران أو فنزويلا على أنه تهديد لحصتها في السوق أو نفوذها في البلاد. وقد كانت مصر تاريخياً حذرة تاريخياً من التحالف بشكل وثيق مع أي قوة أو مجموعة في المنطقة، وقد تكون مترددة في المضي قدماً في الصفقة لتجنب أي رد فعل عكسي محتمل أو تعقيدات في علاقاتها مع الدول الأخرى.
وفي النهاية، أن انقطاع التيار الكهربائي في مصر ناتج عن عوامل مختلفة، بما في ذلك زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال، وارتفاع نفقات المشتقات النفطية، وسوء الإدارة، وعدم كفاءة قطاع الطاقة. وتتطلب معالجة العجز في الطاقة اتباع نهج شامل، بما في ذلك الاستثمار في البنية التحتية الجديدة للطاقة، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وإجراء إصلاحات تنظيمية. إن انقطاع التيار الكهربائي في مصر له آثار اجتماعية واقتصادية تؤثر على الشركات والأسر والخدمات الأساسية. وللتخفيف من هذه الآثار، تحتاج مصر إلى إعطاء الأولوية للاستثمار في البنية التحتية للطاقة والانتقال إلى مصادر مستدامة. ولدى البلاد القدرة على أن تصبح رائدة في مجال الطاقة المتجددة وتكنولوجيات تحويل النفايات إلى طاقة، ولكن يجب الاستثمار في هذه التكنولوجيات. ويُعد إنشاء أربع محطات للطاقة النووية من قبل روساتوم خطوة هامة نحو تحقيق هذه الإمكانيات. ومع ذلك، قد تؤثر الضغوط الخارجية، مثل المخاوف الأمريكية والمنافسة من الإمارات العربية المتحدة والرغبة في سياسة خارجية متوازنة، على قرار مصر.
والسؤال: انقطاع الكهرباء في مصر.. أزمة اقتصادية أم .. ؟!