رأى

الصراع بين العقل والنقل.. بين خصوصية الدين وعمومية العلم.. بين الماضى وقيوده وأغلاله وبين الحاضر وحرياته، والخلط بين الدين والسياسة

استمع الي المقالة

دبلوماسي يكتب

لقد خرج التدين اليوم من روح الدين ومقاصد العبادات بسبب انحراف الدعوة وانحراف أكثر الدعاة واغراقهم في القشور والتفاصيل والخلافيات والأمور الثانوية ، مما ألقى بكثير من المسلمين إلى الاختلاف والجدل والتعصب ، ومما خلق ذرائع لمحترفي الإرهاب والتعصب ، ومما أوجد التدين السطحي المتهوس المتعصب عن جهل ..

كما زرع أصحاب الدين التراثي وأهل الحكايات الشعبية والخرافية في عقولنا ووجداننا أن نحكم على الأشياء بازدواجية في المعايير .. وهذه مشكلة سلوكية جاءت لنا عندما فقدنا القدرة على تقديم أي منتج إنساني للبشر .. وأصبحنا عالة على البشرية .. سواء مستهلكون للأفكار أو مستهلكون للمنتجات ، التي هي نتاج الفعل الحضاري الغائب عنا..

ان العقلية الخرافية والتاريخ الأسطوري وازدواجية المعايير التي نعيش فيها هما من أسباب توقفنا عن اللحاق بتطور الحضارة الإنسانية ، والتي توقفت عندنا في منتصف الدولة العباسية من ألف عام.

البعض يقول صراعًا حضاريًا حتميًا، وأخرون يقولون مؤامرة على الدين .. البعض يحتكم إلى العقل، وأخرون يعتبرونه مطية نتركها ونترجل على أبوابهم نسمع ونطيع..

أن المحاولات التي يقوم بها المستنيرون المعتدلون لأصلاح وتجديد ومراجعة وتنقيح الفقه والاحاديث ليس مؤامرة ، بل إصلاح وتقويم وعودة وإعادة وتحديد وضبط لصحيح الدين دون خروج عن حدوده الأصلية، التي وضعها الله صاحب الرسالة الأصلى ، لا نتجاوزها أو نتخطاها .. فكل ما خرج عن الرحمة ومكارم الأخلاق والفضائل والفضل بين الناس وحفظ النفس والمال والعرض فهو ليس من خلق القرآن ..

وكل ما كان مخالفًا للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة دون إكراه أو تضييق أو إجبار فهو ليس من عند الله..

هذا هو الأصل الذي تعلمناه وسمعناه ، لا نأخذ أمرا إلا إذا مر على قلب صاف وعقل منير «لعلكم تعقلون».. وهذا ابن رشد يقول حكمته الشهيرة «إن الله لا يمكن أن يعطينا عقولا، ويعطينا شرائع مخالفة لها».

نعيش وسط ديكتاتورية وسطوة ونفوذ رجال الدين ، الذين فسروا الآيات على مرادهم ، ونسخوا من الآيات ما يفتح أبواب القتل والسلب والسبى ، وشرعوا أحكامًا ما أنزلها الله على عباده كحد الردة وقتل تارك الصلاة بعد استتابته، وقتل من سب النبى حتى لو تاب وندم وأناب ، فرفعوا دعاوى الحسبة والردة على خصوم الرأى والفكر وقتلوا الملايين من خصومهم تحت مظلة الدين السمح ..

 وقد أجاز هؤلاء للمسلم الفرد إقامة الحدود إذا امتنع الحاكم عن تنفيذها، وألزموه بالجهاد «جهاد الطلب» دون استئذان ولى الأمر ، فعمت الفوضى ، وارتجل الناس الأحكام ، وانتشر العنف ، وامتدت مساحة القسوة والغلظة بين الناس ، وتفشى التسلط والاضطهاد والجور على من اختلف معهم من عباد الله، وزاد نفوذهم وسلطانهم ، الجهلاء والعلماء منهم على حد سواء ، وطال ظلمهم للآخر ، من كان منهم على غير مذهبهم أو علي غير ملتهم ، وشاع الظلم وأحاق بالجميع وساد الخوف والرعب ، وغمر الناس هوس التدين الشكلي.

هذا صراع قديم جديد يعيش تحت وطأته الأنسان المسلم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى