أحمد مصطفى
تعد القمة الإفريقية الإيطالية، المقرر عقدها في 29 يناير 2024 في روما، حدثا تاريخيا يهدف إلى تعزيز العلاقات بين إفريقيا وإيطاليا. وستركز القمة على فرص الاستثمار والتجارة وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والتبادل الثقافي. والموضوع هو “التعاون من أجل مستقبل مستدام”، وهو يسلط الضوء على الالتزام المشترك بالعمل معًا من أجل مستقبل أفضل. وستتناول القمة أيضًا قضايا مثل التجارة العادلة والشراكات العادلة والتنمية المستدامة.
وبالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، ستغطي القمة موضوعات اجتماعية وثقافية، مثل التعليم والرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين. وستعرض العروض والمعارض الثقافية الثقافات الغنية والمتنوعة لكل من أفريقيا وإيطاليا، مما يعزز فهم وتقدير أفضل لتراث وتقاليد كل منهما. وستعمل القمة أيضًا على تعزيز السلام والاستقرار في إفريقيا، حيث تلعب إيطاليا دورًا حاسمًا في حل النزاعات والمصالحة. وسيناقش القادة استراتيجيات تعزيز السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا، والمساهمة في مستقبل أكثر سلاما وازدهارا. إن قمة أفريقيا وإيطاليا ليست مجرد حدث لمرة واحدة، بل هي نقطة انطلاق نحو شراكة طويلة الأمد. إنه بمثابة مصدر إلهام وتذكير بأنه من خلال التكاتف معًا، يمكننا التغلب على العقبات وبناء عالم أكثر اتحادًا وازدهارًا.
لدى إيطاليا رؤية مختلفة تجاه وإفريقيا
وتتمتع إيطاليا بنهج فريد في علاقاتها مع روسيا وأفريقيا، حيث تتمتع بتاريخ طويل من الاستعمار في أفريقيا. وعلى الرغم من ذلك، حولت إيطاليا تركيزها نحو أفريقيا، وقامت بتنمية علاقات اقتصادية ودبلوماسية أقوى من خلال الشراكات الاستراتيجية والمبادرات الاستثمارية. أدى الموقع الجغرافي لإيطاليا كبوابة بين أوروبا وأفريقيا إلى تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين، مما يشكل تحديات أمام المجتمع الإيطالي والحكومة. وعلى الرغم من هذه التحديات، أظهرت إيطاليا التزامها بالعمل بشكل وثيق مع الدول الأفريقية لإيجاد حلول مستدامة وإنسانية لأزمة المهاجرين.
وقد نما حجم التجارة المتبادلة بين أفريقيا وإيطاليا بشكل ملحوظ على مر السنين، مما يشير إلى العلاقة الاقتصادية القوية بين المنطقتين. وكانت إيطاليا منذ فترة طويلة شريكا تجاريا مهما للعديد من البلدان الأفريقية، حيث تستورد الموارد الطبيعية وتصدر الآلات والمعدات الصناعية والسلع الفاخرة. كما استثمرت الشركات الإيطالية بكثافة في البنية التحتية والتصنيع والخدمات الأفريقية، مما أدى إلى زيادة الفرص التجارية والتعاون الثنائي.
وبلغ حجم التجارة بين أفريقيا وإيطاليا أكثر من 29 مليار يورو في عام 2020، مع تصنيف إيطاليا كأحد أكبر خمسة شركاء تجاريين لأفريقيا. ويعزى هذا النمو إلى حد كبير إلى الطلب المتزايد على المنتجات الإيطالية الصنع، وخاصة في صناعات السيارات والأزياء، فضلا عن الاستثمارات الإيطالية في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية في أفريقيا. وقد تم دعم العلاقات التجارية الثنائية بين أفريقيا وإيطاليا من خلال مبادرات واتفاقيات، مثل الاستراتيجية المشتركة بين أفريقيا وأوروبا، ومنتدى الأعمال الإيطالي الأفريقي، والمؤتمر الإيطالي الأفريقي.
ماذا يمكن أن تتحصل أفريقيا من إيطاليا في قمتيهما؟
وكانت القمة الأخيرة بين الزعماء الأفارقة ودول مجموعة العشرين، وخاصة إيطاليا، سبباً في توليد قدر كبير من الإثارة بشأن الفوائد المحتملة لأفريقيا. تتمتع إيطاليا، وهي اقتصاد أوروبي رائد، بثروة من المعرفة والموارد التي يمكن أن تفيد أفريقيا بشكل كبير. إن تركيز إيطاليا على التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، وتراثها الثقافي الغني، وخبرتها في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة البيئية، كلها مجالات يمكن أن تستفيد منها أفريقيا. ويمكن لأفريقيا أن تتعلم من تجارب إيطاليا وأن تكيف هذه الاستراتيجيات مع سياقها الفريد، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أقوى وسوق عمل أكثر استقرارا للشباب الأفريقي. ويمكن لصناعة السياحة في إيطاليا أيضًا أن تجتذب المزيد من السياح وتدر المزيد من الإيرادات، مما يعزز العلاقات القوية بين إيطاليا وأفريقيا.
ويمكن لخبرة إيطاليا في مجال الطاقة المتجددة أن تساعد أفريقيا على التخفيف من آثار تغير المناخ وتوفير حلول الطاقة المستدامة. يمكن للصناعات الإيطالية المتقدمة وقدراتها التصنيعية تنويع الاقتصاد الأفريقي، وخلق فرص عمل جديدة وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الأفريقية في السوق العالمية. وأخيرًا، توفر القمة منصة للتبادل الثقافي والتعاون في مجالات التعليم والصحة والبحث. ومن خلال الجامعات والمؤسسات البحثية ذات الشهرة العالمية في إيطاليا، يمكن للطلاب والمهنيين الأفارقة اكتساب معارف ومهارات قيمة للمساهمة في تنميتهم. يمكن أن يؤدي التعاون في القطاع الصحي إلى تقدم في خدمات الرعاية الصحية وتحسين الرفاهية العامة للمواطنين الأفارقة.
ويمكن لدول أفريقية مثل مصر والجزائر أن تستخدم غازها الطبيعي كورقة ضغط مع إيطاليا وأوروبا اقتصاديا وسياسيا
واكتشفت مصر والجزائر، وهما لاعبان رئيسيان في سوق الطاقة العالمية، احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما أتاح لهما فرصة استخدام احتياطياتهما كورقة ضغط مع إيطاليا وأوروبا. وتعتمد إيطاليا بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي، مما يجعلها عرضة للعوامل الخارجية مثل عدم الاستقرار السياسي أو التغيرات في أسعار الطاقة العالمية. ويمكن لمصر والجزائر استخدام هذا الاعتماد للتفاوض على صفقات تجارية أفضل مع إيطاليا وأوروبا، حيث من المتوقع أن يزداد طلب إيطاليا وأوروبا على الغاز الطبيعي بسبب التزامها بخفض انبعاثات الكربون والتحول نحو مصادر طاقة أنظف.
أثار اكتشاف احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط سباقاً بين الدول للاستفادة من هذه الموارد، مما قد يؤدي إلى المنافسة بين مصر والجزائر. ومن خلال التعاون، يمكن لمصر والجزائر تنسيق استراتيجيات العرض والتسعير الخاصة بهما مع إيطاليا، مما يزيد من نفوذهما في المفاوضات وربما يؤدي إلى نتائج أكثر إيجابية.
كما يمكن لمصر والجزائر استخدام الغاز الطبيعي كورقة ضغط استراتيجية في تعاملاتهما السياسية مع إيطاليا وأوروبا، حيث تتمتعان بميزة جغرافية قوية بالقرب من أوروبا، وهي سوق رئيسية للغاز الطبيعي. ومن خلال توريد الغاز الطبيعي إلى إيطاليا وأوروبا، تستطيع مصر والجزائر تعزيز الترابط الاقتصادي وتعزيز العلاقات السياسية بينهما. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لاحتياطياتها الوفيرة من الغاز الطبيعي أن تؤكد سيادتها واستقلالها في مواجهة الضغوط الخارجية.
وقد ناقشنا منذ يومين على القناة الأولي الخاصة بـ راديو الجزائر الحكومي، من خلال حلقة خاصة عن القمة السابعة للدول المصدرة للغاز المقبلة، والتي ستعقد في الجزائر في فبراير ٢٠٢٤ مع الإعلامي/ محمد بن سلطان. وكان من ضمن طروحاتنا الاقتصادية السياسية هي “تقويم الغاز الطبيعي بالذهب او بأي عملات أخرى غير الدولار” كآداة ضغط لإضعاف الدولار والهيمنة الاقتصادية له عالميا. لنتعلم من خطيئة “البترودولار” التي صيغت منذ مؤتمر جاميكا في عام ١٩٧٥ على يد “هنري كسينجر – وزير الخارجية الأمريكي السابق”. لأن النفط هو من أعطى للدولار قيمته القوية عالميا.
ستحتل الهجرة غير الشرعية وحلولها أولوية قصوى في القمة الأفريقية الإيطالية
تعد الهجرة غير الشرعية قضية عالمية مهمة، حيث يخاطر الآلاف من الأشخاص بحياتهم للوصول إلى أوروبا من أجل فرص اقتصادية أفضل ومستقبل أكثر أمانًا. وإيطاليا ليست استثناءً، حيث يصل إليها سنوياً آلاف المهاجرين غير الشرعيين. وقد حددت القمة الأفريقية الإيطالية هذه القضية باعتبارها أولوية قصوى يجب معالجتها. أدى الافتقار إلى الفرص الاقتصادية في العديد من البلدان الأفريقية إلى سعي المهاجرين إلى البحث عن فرص عمل أفضل ومستوى معيشة أعلى في أوروبا. ومع ذلك، فقد أدى ذلك أيضًا إلى خلق دورة خطيرة من الاتجار بالبشر والاستغلال، حيث يقع العديد من المهاجرين فريسة للجماعات الإجرامية المنظمة التي وعدتهم بمساعدتهم في الوصول إلى أوروبا ولكنها غالبًا ما تتخلى عنهم أو تبتزهم بمبالغ كبيرة من المال.
يعد الافتقار إلى مسارات قانونية وآمنة للمهاجرين لدخول إيطاليا قضية رئيسية أخرى. يلجأ العديد من المهاجرين إلى وسائل سفر محفوفة بالمخاطر وغير قانونية، مثل عبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب مكتظة، مما يعرض حياتهم للخطر ويجهد خفر السواحل الإيطالي ومنظمات الإنقاذ. ولمعالجة هذه القضية، يجب أن تركز القمة الأفريقية الإيطالية على تعزيز الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الأفريقية، وإنشاء مسارات قانونية للمهاجرين، ومكافحة الاتجار بالبشر من خلال تدابير أقوى لمراقبة الحدود والتعاون الدولي بين وكالات إنفاذ القانون.
البحث العلمي المتبادل وتكنولوجيا المعلومات والمشاريع الإعلامية اللازمة بين أفريقيا وإيطاليا
تتمتع أفريقيا وإيطاليا بتاريخ طويل من العلاقات الثقافية والاقتصادية، ولكن هناك حاجة متزايدة للبحث العلمي المتبادل، وتكنولوجيا المعلومات، والمشاريع الإعلامية بين المنطقتين. توفر الموارد الطبيعية الهائلة في أفريقيا والاقتصاد المتنامي فرصًا للباحثين والشركات الإيطالية، في حين يمكن للتكنولوجيا والخبرة الإيطالية المتقدمة أن تفيد الدول الأفريقية في تنميتها وتحديثها. تعد الزراعة مجالًا رئيسيًا حيث يمكن أن يكون البحث العلمي المتبادل مفيدًا، حيث تمتلك أفريقيا جزءًا كبيرًا من الأراضي الصالحة للزراعة وعدد سكان سريع النمو. ويمكن لإيطاليا، المعروفة بممارساتها المتقدمة وتقنياتها المتطورة، أن تساعد أفريقيا على تطوير أساليب زراعية مستدامة وفعالة. ومن الممكن أن يؤدي التعاون في المشاريع البحثية إلى زيادة إنتاج الغذاء، والحد من الجوع، وتعزيز مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد.
تعد تكنولوجيا المعلومات مجالًا آخر حيث يمكن لأفريقيا وإيطاليا العمل معًا لتحقيق المنفعة المتبادلة. ومع النمو السريع للتكنولوجيا والإنترنت، تحتاج أفريقيا إلى سد الفجوة الرقمية واللحاق ببقية العالم. ويمكن للشركات الإيطالية توفير الخبرة والبنية التحتية والموارد اللازمة لمساعدة البلدان الأفريقية على تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات لديها، مما يؤدي إلى خلق فرص العمل، وتحسين الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، والنمو الاقتصادي الشامل. يمكن أن تساعد المشاريع الإعلامية بين أفريقيا وإيطاليا أيضًا في سد الفجوة بين أفريقيا وأوروبا، حيث يمكن لموقع إيطاليا الاستراتيجي وعلاقاتها التاريخية مع أفريقيا أن تكون بمثابة بوابة للدول الأفريقية للوصول إلى السوق الأوروبية.
وفي الختام، إن علاقة إيطاليا مع روسيا وأفريقيا معقدة ومتطورة، وتتأثر بالعوامل التاريخية والثقافية والاقتصادية. إن جهودها لبناء شراكات أقوى مع البلدان الأفريقية والتصدي للتحديات المشتركة تظهر نهجا استشرافيا. لقد أثر حجم التجارة المتبادلة بين أفريقيا وإيطاليا بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي في المنطقتين وعزز العلاقات الدبلوماسية والثقافية. وتمثل القمة الأفريقية الإيطالية فرصة لإفريقيا لاكتساب المعرفة والموارد والشراكات، مما يعود بالنفع على المنطقتين. يمكن لمصر والجزائر استخدام احتياطياتهما الهائلة من الغاز الطبيعي كورقة ضغط في مواجهة إيطاليا، وتأمين شروط أفضل للصادرات وتعزيز مكانتهما في سوق الطاقة العالمية. يمكن للقمة الأفريقية الإيطالية أن تعالج الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، وتعزيز الحلول المستدامة. إن البحث العلمي المتبادل، وتكنولوجيا المعلومات، والمشاريع الإعلامية بين أفريقيا وإيطاليا يشكل أهمية بالغة في عالم اليوم الذي تحكمه العولمة، حيث يعمل على تعزيز الشراكات القوية من أجل النمو المتبادل والتنمية.