أحمد مصطفى يكتب
من ذكريات تصوير الوثائقي “أهل السنة في ايران” الذي شرفت بتقديمه وكتابة نصه في 2013 وانتاج 2014 – وبكال تأكيد أتمنى إعادة تجربة التواجد وتقديم أفلام وثائقية أخرى في دول أخرى.
قطعنا مسافة كبيرة وعبرنا محافظة خراسان جنوبي لنصل لمحافظة سيستان وبلوشستان. وهى إحدى أهم النقاط فى رحلتنا في عملنا الاستقصائي “أهل سنة إيران”، (محافظة حدودية مع باكستان، وهي صراحة إقليم مقسوم ما بين إيران وباكستان البلدين الإسلاميين الكبيرين) لنصل لمدينة زاهدان لنلتقى فى أول يوم لنا بقاضي القضاة والمفاجأة انه شاب حاصل على الماجستير في القانون القاضي/ محمد مرذى – وهو قد تم تعيينه فى هذا المنصب منذ حوالى 7 سنوات – والذى أقر بأنه لا فرق بين قاضى سنى وشيعى أهم شيء لدى القاضى هو حفظ حقوق الناس. وأقر أنه يعيش فى هذا المكان منذ 7 سنوات، ولا توجد اى مشاكل بين السنة والشيعة لأن النسبة الغالبة فى هذه المحافظة من السنة بل هناك حالات تزاوج ونسب ومصاهرة. وكان القاضي/ محمد شاهدا على تطور حوادث الإرهاب فى هذه المنطقة وعمل على الصلح وحل المشكلات – وأقر القاضي/ محمد بأن مرشد الدولة أقر بعدم الإساءة لأي مقدسات أو إلى معتقد لا فقط بين سنى وشيعى – واقر ايضا انه فى منصبه لا ينظر إلى انتماء مذهبي أو دينى. لأن العدالة مفترض أنها عمياء وتنظر للمواطنين على أساس أنهم سواء – وكان من أهم الأشياء التى تصدى لها هذا القاضى التى أثارت الطائفية حادثة مسابقة هاتفية لشركة ايرانسل، وكان فيها تهكم مذهبى وبالرغم من أنه ينتمي للطائفة الشيعية، إلا أنه وقع عقوبة قانونية على الشركة وأتهمها بالغباء والعنصرية.
ثم ذهبنا لنائب المحافظ في مدينة زاهدان – السيد/ حامد على مباركى – وهو حاصل على ماجستير فى الإدارة المحلية وينتمي لآل السنة، وأقر أن السنة والشيعة من المحافظة ضحوا كثيرا لمحاربة الإرهاب كونها محافظة حدودية وحساسة وعلى جوار مع باكستان. وأن أهل السنة ليسوا مضطهدين على الإطلاق والدليل انهم حصلوا على مناصب عليا في الدولة والدستور يحفظ حقوق المواطنين والقانون الداخلى – واخبرنا ايضا ان عدد سكان المحافظة كبير يبلغ 2,6 مليون نسمة 1,6 مليون من أهل السنة وحوالى 750 ألف من الشيعة. وتنقسم المحافظة إلى حوالى 60 بلدية، 10% من المسئولين الكبار من أهل السنة ليس لأن للشيعة اليد العليا. بل لعدم توافر الخبرات المناسبة من أهل السنة وبالمحافظة حوالي 9 جامعات حكومية. ومن ناحية تمكين المواطنين تكلم على دور البنوك في إعطاء قروض ميسرة للمواطنين، والغاز يصل لغالبية البلديات والقرى – إما لأن المحافظة حدودية فيوجد عدد لا بأس به من الأجانب من باكستان وأفغانستان يدخلون ولو بشكل غير شرعى، ويعاملون بشكل محترم، بالرغم من مخالفتهم قواعد الانتقال، ولأن الأسعار رخيصة داخل المحافظة فيمكن للمواطن أن يعيش بدخل حوالى 50 دولار شهريا (100 -150 ألف تومان).
ثم قابلنا السيد/ اسماعيل حسين – رئيس البلدية والذي أكد أن غالبية الإختيارات فى كل الوظائف تخضع لمعيار الكفاءة والدرجة العلمية. حيث أن البلدية تحتوى على 40% من السنة و60% من الشيعة، لأن المعيار هنا المواطنة. وحتى فى انتخابات مجلس شورى البلدية موضوع الأكثرية العددية من هذا المذهب أو ذاك ليس له وزن، لأن المعيار هو الأكثر خدمة للناس سواء سنة او شيعة.
وكان لنا زيارة فى ذات اليوم لأحد المقابر الجماعية لشهداء حادث إرهابي نفذه “عبد المالك الريكي ورفاقه” فى حافلة ضمت حوالى 25 شخص غالبيتهم من السنة في 2004 على بعد 30 كم شمال زاهدان. وهذا للتذكرة بأن الإرهاب ليس له دين ولا مذهب معين، لأن القاتل كان من السنة ومن قتلهم كان غالبيتهم من السنة. وكان المقصود بالتفجير “المحافظ” والذى غير طريقه ونجا بأعجوبة من هذا الحادث البشع والذى ضم اطفال فى سن 12 عاما، كما رأينا الصور وتواريخ ميلاد الضحايا.
ثم التقينا فى اليوم الذى يليه بالسيد/ محمد جهانتيرى – مدير عام التدريب المهنى والحرفى وهو حاصل على ماجستير في تخطيط التعليم وهو مسؤول منظمة التربية والتعليم وهو مسئول عن عدد 24 مركز تدريب مهنى موزعة على كل مراكز إقليم سيستان وبلوشستان حيث توجد 4000 طريقة تعليم و320 حرفة متوافرة داخل هذه المراكز ويخدم حوالي 35 ألف شخص من بينهم على الأقل 15 ألف سيدة – ويشرف هذا المركز على حوالى 200 جمعية أهلية تخرج منها حوالى 13 ألف سيدة وحوالى 7 آلاف من الشباب من خلال اتفاقيات مع المركز ويتم أخذ تكاليف التدريب منهم – وتمتد خدمات المركز للجيش والجامعات والسجون من خلال مراكز خدمة المجتمع وهناك اتفاقيات مع البنوك فى هذا الصدد لتوفير القروض الصغيرة التي تصل لحوالى 5 مليون تومان بشكل طويل الأجل ودون فائدة – حيث وصلت عدد القروض المتاحة بالبنوك حوالى 50 مليار تومان لدعم حوالى 10 آلاف شخص وكل هذا طبقا لإرشادات المرشد لدعم النساء وهنا المركز يدرب كل المواطنين سنة وشيعة لخدمة المجتمع لا لشىء آخر
ومن ذات اليوم كان لنا لقاء مع الإتحاد الثقافى للنساء البلوش من خلال مديرته السيدة/ زهرة برهان وهى تحمل ليسانس بالإدارة وكانت مرشحة سابقة للبرلمان الإيراني وتكلمت عن دور البلوش التاريخى ومقاومتهم للاحتلال ودورهم الوطنى فى محاربة الإرهاب – وبالنسبة لدور الجمعية هي جمعية حديثة إلى حد ما ودورها الأساسى تمكين المرأة والحفاظ على حقوقها وهناك عدة لجان داخل الجمعية كالصحية والمذهبية والتربوية أما من حيث الدعم المالى والتمويل فهو ذاتى ومن القطاع الخاص وتعاونت الجمعية مع المركز الحرفي من خلال 1400 سيدة للحفاظ على كرامة المراة وقيمتها داخل المجتمع وتقوم هذه الجمعية أيضا على إصدار مجلة شهرية خاصة بها تتناول كل انشطة المرأة البلوشية في المحافظة.
ثم بعد ذلك انتقلنا مع نساء الجمعية المذكورة اعلاه الى أحد أنشطتها ببعض المناطق العشوائية بمدينة زاهدان والتى تحتاج عين الرعاية من الحكومة الإيرانية حي ثان للجمعية معمل للحياكة وبالتعاون مع مؤسسة الشوشترى منذ حوالى ثلاث سنوات وتقابلنا مع السيدة/ شاهيناز أديارى مديرة هذا المعمل والتى اقرت ان المعمل يدعم حوالى 240 امراة معيلة وتحصل المتدربة على شهادة وبعدها قرض لبداية مشوارها العملي ووفرت الجمعية حوالى 100 ماكينة حياكة للسيدات واحدى السيدات بعد التخرج علمت زوجها الحياكة واستطاع بعدها فتح محل لحياكة ستائر البيت.
كان من أهم اللقاءات المهمة التي اجريناها بعدها لقاء مجمع مع وحدة من وحدات الدفاع الشعبي والمقاومة الشعبية “البسيج” من أهل السنة بمدينة زاهدان وهم ينحدرون من قبيلة الشاهوزى واجرينا لقاءا مع زعيم القبيلة السيد/ محمد رضا شاهوزى – والذى أخذنا لرؤية تدريبات الصف القتالية والنظامية لفرقته من خلال ضباط الجيش الإيرانى وبدوره حكى لنا عن دور قبيلة شاهوزى السنية فى النضال ضد الإرهاب وعصابة الريكى الإرهابية باكستانية الأصل مع الشهيد العقيد/ الشوشترى – حيث استشهد مع العقيد وأثناء محاربة الإرهاب والمخدرات العديد من عائلته وأهله من أهل السنة والذى يرى أنه مواطن من الدرجة الأولى وأن أهل السنة يحصلون على كل حقوقهم وأن الدولة تنظر لهم بعين الرعاية لحمايتهم الحدود الشرقية للبلاد.
أما فى يوم الجمعة وبعد انتظار حوالى ثلاث ايام كان اللقاء المرتقب مع الشيخ مولوي/ عبد الحميد حسن – أشهر شخصية واشهر شيخ سنى فى ايران بالكامل وهو رئيس مجلس إدارة ومدير عام كلية دار العلوم في زاهدان إحدى واكبر الحوزات العلمية السنية في إيران ككل – والذى أكد أن الدراسات الحوزوية قبل الثورة الإسلامية كانت قليلة. إلا أنها ازدادت بعد الثورة بشكل كبير وياتى طلبة كثر للحوزة، أو للدار من بلاد جوار كـ افغانستان وباكستان والهند للدراسة الحوزوية. وايضا الطلبة الأفغان ازدادوا ما بعد الضربات الأمريكية فى 2001. وعند سؤاله عن مصادر التمويل؟ أقر بالجهود الذاتية والتبرعات ومخصصات الزكاة وأهل الخير. ويتم تدريس مواد إسلامية مثل الحديث والتفسير والدعوة على حسب مذهب اهل السنة. والعلوم الاخرى كالفلسفة والمنطق والبيان وكذلك تحفيظ القرآن – أيضا جدير بالذكر أن الشيخ عبد الحميد هو إمام الجمعة الدائم في مدينة زاهدان، وايضا هو المفتى فى هذه المحافظة وكان يشرف على بناء مسجد كبير يسمى “أنا صوفيا” على غرار المسجد الذى يحمل نفس الإسم فى اسطنبول – وبالنسبة لمشاكل أهل السنة أقر بأنه تحدث معها مع الرئيس روحاني بعد وصوله للرئاسة وعرضها عليه في وقتها. واقر بان مشاكل أهل السنة إن وجدت يمكن حلها بالحوار العاقل بين طرفي المجتمع السنة والشيعة. وقال بأن أهل السنة تعدادهم يصل لحوالي 15 مليون مواطن – وبالنسبة لمشاكل العالم الإسلامي أيضا اقر بان كل هذه المشاكل يمكن ان تحل بالحوار البناء بين كافة الأطراف سواء فى مصر أو سوريا على وجه الخصوص. وفى النهاية دعا للرئيس روحاني بالتوفيق والسداد في منصبه لأنه كان من الداعمين له أثناء الإنتخابات حيث صوت له كل البلوش وفقا لرأيه.
ثم غادرنا فى صباح اليوم التالى الى مكان اخر للقاء احد من افراد عائلة الريكى ببلدة جون آباد – السيد/ بشير أحمد الريكى، وهو من أبناء عمومته وكان على علاقة طيبة به، والذى اقر ان هذه العائلة قديمة ولها دور فى باكستان وإيران منذ مجىء الشاه الصفوي. وأن الريكي وأفعاله لا يمت للعائلة بأي شيء ولكن للأسف الإغراءات الغربية والمال الغربي من أمريكا، ومن احد دول القريبة لنا على الشاطئ المجاور لنا من الخليج، كان السبب. وايضا حب الشهرة وانهم كسنة لا يشعرون بأى فرق مطلقا بينهم وبين الشيعة.
ثم بعد ذلك ذهبنا لمدينة إيران شهر، وقمنا بزيارة للبيت الذى تم نفى المرشد الحالى “السيد/ على خامنئي” فيه وصورنا أشهر معالم هذا البيت، وهى بلدة أو مدينة تحتاج المزيد من الإهتمام من الحكومة والإدارة المحلية للمحافظة، حيث بتنا الليلة عند أحد شيوخ أهل السنة بإيران شهر.
ثم بعد ذلك انتقلنا إلى مدينة نكشهر فى طريقنا إلى ميناء جابهار جنوب سيستان وبلوشستان وقمنا بتصوير سد أنشأه الرئيس نجاد خاص بالسيول التي تنزل مع الأمطار الموسمية على هذا الإقليم، لحماية المياه والحفاظ عليها لأن هذا الإقليم صحراوى. إلا أنه بالرغم من ذلك يوجد به عيون وآبار ويشتهر بالواحات و بزراعة احسن التمور الإيرانية، حيث صورنا فى احد مزارع التمور فى طريقنا لجابهار.
مدينة جابهار مدينة تقع على بحر عمان ساحلية ومحاطة بالسواحل ولديها ميناء بحري صغير. وهى منطقة حرة لتشجيع التجارة والاستثمارات. وتمتلك ميناء صيد أيضا، ولديها سوق اسماك لا بأس به، وتشتهر بأجود انواع الاسماك فى إيران. وغالبية سكانه من أهل السنة من الصيادين والتجار وأصحاب المهن الحرة – وكان لنا لقاء مع احد القضاة الشباب اسمه/ اسلام تيا، وهو حاصل على ماجيستير فى القانون يعمل كقاضى بمحكمة جابهار منذ 8 سنوات سابقة. وانه دائما فى مسائل القضاء هو لا يرى مذهب أو طائفة اى مواطن سنى أو شيعى او مسلم أو غير مسلم. أهم شىء هو إقامة العدل والإنصاف، وأيضا هو دائما ما يشارك فى حل المشاكل بشكل حبى وسلمى بين المواطنين.
وأيضا التقينا بأحد رجال الأعمال السنة فى جابهار وابنه وهو وكيل لإحدى شركات السيارات اليابانية العالمية. وأخبرنا أثناء لقائه أيضا أنه لا توجد أى مشاكل بين السنة والشيعة، وأنه بمجهوده ومساعدة الدولة استطاع أن يكون أحد أكبر رجال الأعمال فى جابهار. وكان إعلان ميناء جابهار منطقة حرة دافع لنا كرجال أعمال للحصول على ثقة الشركات العالمية، ونتمنى المزيد ويمكن أن تتحول شابهار إلى مدينة أكبر من ذلك.
وفي النهاية، إن الخلاف الذي دب مؤخرا بين الدولتين الشقيقتين واللتان نفتخر بهما في العالم الإسلامي (إيران وباكستان) حدث بسرعة وانتهى بشكل أسرع. حيث احتوى الطرفان المشكلة، واستمع كلا منهما للآخر للقضاء على اي تيارات متطرفة أو إرهابية لها أجندة صهيوأمريكية. حيث رأى البلدان أن الهم الأساسي في الوقت الحالي هو “القضية الفلسطينية” والحرب الإجرامية والإبادة الجماعية التي تتم على إخوانهم الغزيين في فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصهيوني وأمريكا وبريطانيا.