رأىسلايدر

ماذا تعني الهدنة؟

استمع الي المقالة

أحمد مصطفى

رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة

لقد أظهرت الحرب على قطاع غزة أمور كثيرة كانت غائبة حتى على الوعي القومي العربي والإسلامي بعد خنوع وانقسام حتى ما بين الفلسطينيين أنفسهم، وبعد ما يقرب من سبعة أسابيع متصلة من القتل الممنهج ونشر الدمار والخراب، ومحاولة إجبار سكان القطاع على إخلائه – توصل الطرفين لهدنة كان يفترض أن تبدأ أمس ولكنها ستبدأ صباح اليوم – كيف يتم ترجمة آثار هذه الهدنة:

اولا – انتصار كبير لمقاومتنا العربية والإسلامية وللشعب الفلسطيني وخصوصا شعب غزة العظيم والذي بالرغم من التطهير العرقي الممنهج؛ الذي مورس عليه من قبل الكيان الصهيوني بقتل عائلات بكاملها لمحو آثار هذه العائلات وأى حقوق تترتب لها مستقبلا؛ إلا أنه كان ثابتا في أرضه لم يرض بالتهجير. بل وفرض على العالم كله احتراما شديدا لحبه واحترامه لأرضه وتمسكه بها لأقصى درجة – وهذا لأنه صاحب حق حقيقي، وليس مرتزق صهيوني تم إغراءه بأحلام واهية أن هذه الأرض هي أرض الأحلام. وأنها من حقه لمدة 75 عاما. وذلك بالترويج لكذبة وتصديقها وهذا ما أقره حتى يهود بروكلين في نيويورك أكبر تجمع يهودي مؤثر في القرار السياسي في العالم.

ثانيا – نعتذر لشبابنا العربي الواع للمرة الثانية، والذي أثبت بعد موقفه النبيل في كأس العالم ودعمه في (مونديال قطر 2022) للقضية الفلسطينية ومحاولة طرده للمحطات الاسرائيلية التي حاولت خلسة أن تجري معه حوارات لإدعاء التطبيع مع الشباب العربي. حيث تمسك الشباب العربي والمسلم بفول أن هذه الأرض هي “فلسطين”. فكان أشجع وأكثر ضميرا من بعض ما يطلق عليهم مثقفين عرب خدعوا بالتطبيع مع الكيان ولم يراجعوا ضمائرهم في سبيل الظهور الإعلامي والحصول على بعض الدرجات العلمية الغربية وكذلك المال والشهرة. وهذه المرة من خلال احترافية استخدامهم للإعلام الموازي الذي أوصل للعالم كله وبعدة لغات مأساة الفلسطينيين. وما يتعرضون له من قمع وقتل وتعذيب وإبادة بشرية. ونقل الصور لأقرانه في الغرب والذين تفاعلوا بشدة مع قضية القرن، بالرغم من التهديد بالملاحقة والبطالة والغرامات والحبس. فكان الشباب في الغرب ندا لند لأنظمته الغربية القمعية والتي أظهرت أسوأ ما فيها من ازدواجية معايير وعنصرية، وأن الحريات وحقوق الإنسان تتوقف عندما تتعارض مع مصالحها الإقليمية والدولية.

ثالثا – فرضت المقاومة شروطها في الهدنة بعد أن كسبت احترام شعوب العالم وأن كل من يصفهم بالإرهاب فهو شخص كاذب، وخصوصا بعد كشف الكثير من الأكاذيب التي روجها الكيان الصهيوني من خلال إعلام غربي متحيز وسطحي. فروجت أكاذيب دون أي دليل قاطع عن قطع رؤوس أطفال وقتل مدنيين إسرائيليين مع سبق الإصرار. ولكن المبهر أن الإعلام الاسرائيلي نفسه أظهر عدم دقته في النقل. وأن هناك تقارير صدرت عن (هآرتس جيروزاليم بوست) أظهرت ان ربما ضرب المدنيين وخصوصا في حفل السابع من أكتوبر قد تم من خلال طائرات الهليكوبتر الاسرائيلية (أي بنيران صديقة). لشهادة بعض الطيارين الإسرائيليين الذين تلقوا الأوامر عن طريق (الواتس آب)، لم يكن لديهم القدرة على التمييز ما بين من هو إسرائيلي من فلسطيني في الحديقة التي تم فيها هذا الحفل. ثم بعد ذلك تم الادعاء كذبا أن رجال حماس والقسام هم من قتلوهم بشكل جماعي – إلا أن رجال حماس والقسام كان هدفهم فقط جنود الجيش الاسرائيلي، وليس المدنيين وهذا ما أقروا به من البداية. بدليل اعتنائهم بهؤلاء الأسرى بشهادة عدد من الأسرى الإسرائيليين الذين افرج عنهم فيما بعد لأسباب صحية. فكانت شهادتهم صادمة لإسرائيل والاعلام الغربي المتحيز.

رابعا – أن الهدنة نفسها تم تحديد معالمها فيما يخص فقط تبادل الأسري من النساء والأطفال وبنسبة (3 من الفلسطينيين : 1 من الاسرائيليين والأجانب) على أن يتم تبادل الأسرى من خلال الصليب الأحمر الدولية. وكذلك دخول المعونات الإنسانية والوقود حوالي 200 شاحنة نقل من معبر رفح لقطاع غزة، ولمدة 4 أيام قابلة للتجديد، وكذلك بحظر للطيران الاسرائيلي على القطاع لفترات طويلة. ولم تتطرق هذه الهدنة إلى مستقبل غزة ما بعد هذه الموقعة كما طلبت حماس. حيث طرح وزير الخارجية الإيراني (أمير عبد اللهيان) في لقائه على قناة الميادين أول أمس أن يتم استفتاء عام ما بين أبناء الديانات الثلاثة (المسلمين والمسيحيين واليهود) على فكرة (الدولة الواحدة) للجميع مع مراعاة للعامل الديموغرافي. وان تتم هذه العملية، بكل تأكيد، تحت رعاية الأمم المتحدة. ويمولها الأطراف المعنية بحل النزاع إقليميا ودوليا – وكذلك أثنى الوزير الموقر على دور كلا من (مصر وقطر) في الوساطة للتوصل لهدنة، وعلى الرئيس المصري السيسي على، وجه الخصوص، في موقفه الثابت من القضية الفلسطينية. وعدم قبوله بفكرة تهجير أهل غزة لدول الجوار لأنه يعتبر خيانة للقضية. بالرغم من الضغوط الغربية والإسرائيلية الشديدة دبلوماسيا وإعلاميا واستراتيجيا التي تم ممارستها على مصر. لتقويد دورها، والتي لم يفهمها بعض من إخواننا في العالم العربي والإسلامي، ولكن كان الطرف الإيراني متفهما بشكل كبير ويعرف ما تم.

خامسا – خسرت إسرائيل إحدى حلفائها الاستراتيجيين والاقليميين وهنا نعني موقف تركيا المشرف والذي لم يقل عن جودة المواقف المصرية والإيرانية والقطرية. فما كان الا للرئيس التركي أردوغان في نهاية المطاف بتوكيل عددا كبيرا من محاميي تركيا لرفع دعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية. وليس هذا فقط بل قد وصف (نتنياهو) رئيس وزراء الكيان بـ (الإرهابي) ووصف اسرائيل بشكل عام بـ (الكيان الإرهابي) ممتثلا للضغوط الداخلية والتي اشتعلت بعد ضرب مستشفى المعمداني داخل غزة، ومحاولة الشعب التركي إحراق مقر السفارة الإسرائيلية في تركيا ومهاجمة السفارة الأمريكية. ولا يمكننا أن ننسى موقف السعودية أيضا بدعوتها لقمة عربية اسلامية بحضور كافة رؤساء وملوك العالمين العربي والإسلامي لأول مرة منذ ستينات القرن الماضي، والتي كانت فرصة جيدة للقاء الإخوة العرب والمسلمين. وربما اتخاذ بعض التدابير الغير معلنة للوقوف في وجه هذا العدوان ضد أهلنا في غزة. ويجب أن نذكر بهذا الطرح الذي ما زلنا نكرره، أكده الصحفي المصري الكبير/ عبد الله السناوي، عن ضرورة إعادة النظر في تحالف ما بين (مصر وإيران وتركيا والسعودية) وما يمكن أن يشكله هذا في المستقبل خصوصا ان ثلاثة من هذه الدول أصبحت ضمن دول بريكس بلس (مصر وإيران والسعودية) فإمكانية التعاون لا محالة منها، وربما تنضم تركيا العام المقبل للمجموعة على أغلب الظن.

سادسا – أن للحرية ثمن كبير ولكن طعمها أحلى بكثير من القبول بالذل من قوى الاحتلال وحتى وإن خسرنا ما يقرب من 15000 مدني غير إخواننا الشهداء من حزب الله ومن الإعلاميين العرب المدنيين – كذلك دخول أطراف جديدة على خط المقاومة وهذا ما كنا نذكره سابقا (الحشد الشعبي في العراق وقوات أنصار الله في اليمن) الأخيرة التي عجلت بمسيرة الهدن المقترحة بعد احتجازهم لسفينة شحن إسرائيلية جديدة باهظة الثمن منذ عدة أيام. وعدم قبول المواطن العربي لأي طرف غربي للتحكم في مصيره من الآن فصاعدا وخسارة الغرب لنفوذه في المنطقة بشهادة عدة خبراء كبار حتى في أمريكا بسبب التطرف والعنصرية وقلة الخبرة التي تسيطر على غالبية الأنظمة الغربية حاليا.

سابعا – لم يقتصر الدمار على غزة ومرافقها فقط، بل امتد الدمار الكبير على كبريات المدن الاسرائيلية التجارية والسياحية. وكنت اتمنى أن تعرض المحطات الاسرائيلية مشاهد لـ (تل أبيب وإيلات أشدود وحيفا وشمال الكيان) لنعرف مدى الدمار الذي أصاب هذه المدن والذي سيكبدها عشرات المليارات وإعادتها لسابق عهدها. واتهم الإعلام الاسرائيلي حتى بالكذب والتضليل على شعبه وعلى الغرب – وستثبت هذه الهدنة بما لا يدع مجالا للشك إذا سمح للصحفيين من كافة أرجاء العالم بالدخول إلى غزة، كذب السردية الإسرائيلية والغربية. وهذا ما يتخوف منه الغرب وإسرائيل على حد سواء. وهذا ما أكدته لنا بعد تقارير بي بي سي نفسها عندما زارت أحد المواقع التي ادعى فيها الاسرائيلي انها لقيادات حماس (المستشفى الميداني) ثم وجدوا ان هذا مجرد ديكورات، وأن عدد الاسلحة المتواجدة والمدعى بها قد تضاعف من نفسه!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى