رأى

دبلوماسية البوارج لـ “نمر من ورق”!

استمع الي المقالة

بقلم: أحمد طه الغندور

 تضطرب وسائل الإعلام المتعددة في تبرير الخطوة الأمريكية في دفع “بوارجها الحربية” إلى منطقة الشرق الأوسط؛ البعض يرى أنها رداً رادعاً على الاستفزازات الروسية التي تُعرّض قوات التحالف في سوريا وجوارها للخطر، إذ بات من الضروري أن يثبت “الغرب” أن لديه خيارات عسكرية وسياسية أخرى في سوريا!

في 23 و 26 تموز/يوليو، أطلقت طائرات عسكرية روسية قنابل مضيئة على طائرتين أمريكيتين بدون طيار من طراز “إم كيو-9 ريبر” في شرق سوريا، مما الحق الضرر بالطائرتين الأمريكيتين.

بينما جاءت تفسيرات أخرى؛ تبرر وصول أكثر من ثلاثة آلاف بحار أميركي إلى الشرق الاوسط في إطار خطة لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة، فكما يرى هذا الفريق بأن “واشنطن” قد أكدت على أن “هدفها” الأساسي هو ردع إيران و” وكلائها” عن احتجاز السفن وناقلات النفط، حسبما أفاد الأسطول الخامس، الإثنين الماضي إذ تُعتبر هذه الخطوة حيوية لتجارة النفط العالمية! وهي ذات أهمية استراتيجية لمصالح أمريكا!

وعند الحديث عن المصالح الأمريكية؛ فهذا يقودنا إلى الإشارة إلى تنامي “الوجود الصيني” البارز في المنطقة واتساع علاقاتها الاقتصادية مع العديد من الدول الهامة في المنطقة، فهل يعتبر ظهور هذه “البوارج” وسيلة للتعاطي مع زيادة الحضور والنفوذ الصيني في الشرق الأوسط!

 وهي هنا؛ إما أن تقبله باعتباره أمراً واقعاً لا محالة، وبالتالي يكون هدفها الأساسي هو كيفية التقليل من آثاره السلبية على وجودها ومصالحها في المنطقة، أو أن تحاول إيقافه بشكل واضح وصريح، وهو ما قد يعني الدخول في مواجهة صريحة مع بكين قد لا تُحمد عقباها!

ربما تحمل كل هذه التبريرات بعضاً من المنطق السياسي، إذ أن “دبلوماسية البوارج” عُرفت في القاموس والتاريخ السياسي، وتذكر المراجع أنه خلال “فترة الإمبريالية” في القرن التاسع عشر، عندما كانت القوى الغربية – في أوروبا والولايات المتحدة – ترهب دولًا أخرى أقل قوة لمنح امتيازات من خلال إظهار قدراتها العسكرية المتفوقة، والتي عادة ما تمثلها أصولها البحرية. ستلاحظ الدولة التي تتفاوض مع قوة غربية ظهور سفينة حربية أو أسطول من السفن قبالة سواحلها. إن مجرد رؤية مثل هذه القوة كان له دائمًا تأثيراً كبيراً!

وحيث أن الكثير من الفقهاء يعتبر أن هذا “العمل” أو “دبلوماسية البوارج” تُمثل “عملاً عدائياً” بموجب القانون الدولي؛ نجد أن المصطلح قد ناله حظاً من التغيير؛ بما يعمل على التلطيف من وقعه وتبريره!

ففي العام 1985؛ أصدرت مجلة مريلاند للقانون الدولي المجلد 12 | الإصدار 1 مقالاً بقلم كين بوث، أبرز المنظرين في الدراسات الأمنية، بعنوان: “القانون والقوة والدبلوماسية في البحر” التي تُبرر هذه الدبلوماسية ليقول: “إن الهدف من الاستراتيجية البحرية الأمريكية هو ضمان حرية الملاحة. للحفاظ على الاستخدام دون عوائق للممرات البحرية الحيوية، مثل الخليج العربي، تعتمد السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل أساسي على ما ظهر كرمز جوهري لدبلوماسية الزوارق الحربية – نشر مجموعات حاملة الطائرات القتالية، بدلاً من العلاقات التفاوضية ومبادئ القانون الدولي. وقد تجلى الالتزام بضمان حرية المرور عبر دبلوماسية الزوارق الحربية في مواجهة الولايات المتحدة مع ليبيا خليج سدرة، وكان متشابكًا في الأساس المنطقي الذي يدعم الضربات الجوية الجراحية ضد طرابلس في 15 أبريل / نيسان 1986”!

وكأن الإدارة الأمريكية تُكرر هذه الدبلوماسية في المنطقة تماماً كما مارسته في حرب الخليج الأولى!

ولكن ما هي الأهداف المباشرة للإدارة الأمريكية من ذلك؟ وما هي الأهداف غير المباشرة؟!

بالنسبة للأهداف الأمريكية المباشرة ـ وهي أهداف عسكرية وسياسية واقتصادية ـ فهي تتمثل في النقاط الأتية: ـ

· حصار روسيا والصين.

· تشديد الضغط على إيران ووكلائها.

· تأمين انتشار القوات الأمريكية وقت الحاجة في المنطقة.

· تشديد الطوق العسكري الأمريكي حول المنطقة.

أما الهدف غير المباشر، وهو الأهم بالنسبة لنا، ما عبر عنه الكاتب “الإسرائيلي” ” يوفال ايالون”

نظرة عليا 22/5/2023، ونشرته “القدس العربي” في ذات التاريخ؛ تحت عنوان: ” إسرائيل و ”الدبلوماسية البحرية”… وسيلة لتعزيز “اتفاقات إبراهام” والتحالف أمام إيران”!

وقد تم تبرير ذلك بما جرى نقاشه في مشروع القانون الذي قدمه الكونغرس الأمريكي يطالب بوضع استراتيجية بحرية تشمل تحالفاً من أجل الرد على “الإرهاب البحري” في الشرق الأوسط. يتعلق هذا الاقتراح بالحاجة إلى إقامة “تحالف إقليمي” في الشرق الأوسط تستطيع الدول في إطاره مواصلة العمل على تحقيق المصالح الأمريكية – حتى عندما ينتقل الاهتمام الأمريكي إلى مناطق أخرى في العالم، بالأساس الشرق الأقصى.

يتوقع أن يكون لـ “تل أبيب” دوراً مهماً في تحقيق هذه الاستراتيجية. إن “اتفاقات إبراهام” إلى جانب نقل التعاون العسكري “الأمريكي – الإسرائيلي” من القيادة الأوروبية إلى قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، تسمح لـ “تل أبيب” بأن تصبح لاعبة رئيسية في تشكيل التحالف البحري برئاسة الأسطول الخامس الذي تستقر قيادته في البحرين”!

في الختام؛ يمكن أن نرى أن “أمريكا” لا تريد أن تُسلم بأنها أمست “نمراً من ورق”، وأن العالم اليوم لا يخضع لقطب واحد، وأن من “المصالح العليا” لأمريكا تشمل حماية “الكيان العنصري” حتى لو ضربت “العنصرية والفاشية” أركانه الداخلية!

ومن الواضح أيضا أن “خداع العرب” هي استراتيجية أمريكية؛ بافتعال أزمات وهمية داخلية في المنطقة، إذ من الصعب على “أمريكا” أن ترى شعوب المنطقة؛ متحدة، تنجح وتزدهر إلا إذا كانوا تبعاً لـ “الكيان الزائل” من خلال “اتفاقيات أبراهام” ذو الأبعاد التوراتية!

فهل ينخدع العرب؟!

العرب الذين يعود تاريخهم إلى الخالدين!

رحم الله علي بن أبي طالب، فما أحوجنا إلى فهم مقولته: ” قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان، والفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى