أشرف أبو عريف
“ترتبط قضية فلسطين ارتباطا وثيقا بتاريخ وميثاق الأمم المتحدة. إن احترام القانون الدولي وحقوق الانسان وحق تقرير المصير وحل النزاع بشكل سلمي يشكل أساس منظمتنا. ويستحق الفلسطينيون حياة كريمة وكفالة حقهم في تقرير المصير والاستقلال”.
هذا ما أكدته روز ماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام خلال فعالية تاريخية هي الأولى من نوعها عقدتها الأمم المتحدة يوم الاثنين إحياء للذكرى الخامسة والسبعين للنكبة في مقر المنظمة بنيويورك.
وتعد هذه هي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة التي يتم فيها إحياء هذه الذكرى وفقا لتفويض ممنوح من الجمعية العامة. جاء التفويض في قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
طلب القرار من شعبة حقوق الفلسطينيين، في إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، تكريس أنشطتها “للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للنكبة بما في ذلك عن طريق تنظيم مناسبة رفيعة المستوى في قاعة الجمعية العامة في 15 أيار/مايو 2023 وعن طريق نشر المحفوظات والشهادات ذات الصلة”.
حضر الفعالية مسؤولون رفيعو المستوى من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وممثلون لجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز والدول الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني.
وفي افتتاح الجلسة، قال شيخ نيانغ، رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف إن اجتماع اليوم هو مناسبة لإبراز أن الأهداف النبيلة للعدالة والسلام، التي طالما سعى إليها المجتمع الدولي تتطلب الاعتراف بواقع وتاريخ محنة الشعب الفلسطيني وضمان إعمال حقوقه غير القابلة للتصرف.
وقال إن “النكبة ومعاناة أجيال من الفلسطينيين هي قصة نادرا ما يتم تدريسها في كتب التاريخ، وغالبا ما يتم تغييبها ونسيانها. اليوم، يجب الاعتراف بقدرة الفلسطينيين على الصمود طوال تاريخهم وخاصة منذ عام 1948”.
وجدد التأكيد على أن السلام العادل والدائم سوف يتحقق من خلال حل عادل لقضية فلسطين من جميع جوانبها. “ومن خلال وضع حد لظلم النكبة. ومن خلال حل الدولتين، الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، ويحقق حق الشعب الفلسطيني الذي طال انتظاره في تقرير المصير والاستقلال والحل العادل لمحنة لاجئي فلسطين”.
وقال إن اللجنة ستواصل تضامنها مع الشعب الفلسطيني والعمل بلا كلل من أجل الوفاء بولايتها، بالتعاون مع جميع الشركاء الدوليين، لجعل هذه الأهداف النبيلة حقيقة واقعة.
أطول أزمة لجوء في العالم
وقالت ديكارلو إن موقف الأمم المتحدة واضح: “يجب أن ينتهي الاحتلال”، مشددة على ضرورة تحقيق حل الدولتين الذي يؤدي إلى السلام والأمن العادل للإسرائيليين والفلسطينيين تماشيا مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات السابقة.
“نود أن نرى دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع اسرائيل بسلام وأمن. وتكون القدس عاصمة لكلا الدولتين”.
وأعادت المسؤولة الأممية التأكيد على التزام الأمم المتحدة بدعم الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه غير القابلة للتصرف بتقرير مصيره وتعزيز الحل العادل والشامل والدائم في المنطقة.
وقالت روز ماري ديكارلو إن إرث النكبة ما زال حيا ويدعو إلى العمل بشكل متواصل لإيجاد حل عادل ودائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مبينة أن هذه الجهود ظلت مركزية في عمل الأمم المتحدة منذ بداياتها.
وأعربت عن قلق عميق إزاء تضاؤل آفاق حل الدولتين استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقات السابقة، محذرة من استمرار العنف والتوسع السريع للنشاطات الاستيطانية التي تعد غير قانونية بموجب قانون الدولي.
وقالت ديكارلو إن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني تسبب في أطول أزمة لجوء في العالم مما أدى إلى إنشاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئ فلسطيني (الأونروا)، مشيرة إلى أن الأونروا تواصل إيصال خدماتها الأساسية لحوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني في الشرق الاوسط. وأكدت أهمية عمل الأونروا للحفاظ على الاستقرار في كافة المنطقة.
الرئيس الفلسطيني: “نحن أصحاب حق وسنبقى هنا حتى نهاية الدنيا”
في بداية حديثه في الجلسة الخاصة، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن شكره وتقديره للقرار “التاريخي غير المسبوق بإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، التي اقترفتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وتصادف هذا اليوم، الخامس عشر من شهر أيار عام 2023، بعد أن جرى تجاهلها طيلة السنوات الماضية” حسبما قال أمام المشاركين بمقر الأمم المتحدة.
وذكر أن هذا قرار الجمعية العامة يمثل “إقرارا من منظمتكم الموقرة بالظلم والإجحاف التاريخي المستمر الذي وقع على الشعب الفلسطيني في العام 1948 وقبله ولا يزال”.
وقال محمود عباس إن النكبة “لم تبدأ في العام 1948، كما أنها لم تنته بعد هذا العام،” مشيرا إلى أن “إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، لا تزال تواصل احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني، ولا تزال تتنكر لهذه النكبة، وترفض قرارات الشرعية الدولية القاضية بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي هجروا منها بالقوة والترهيب”.
وحمل الرئيس الفلسطيني “بريطانيا والولايات المتحدة على وجه التحديد المسؤولية المباشرة عن نكبة الشعب الفلسطيني، وأضاف “هما اللتان شاركتا في جعل شعبنا ضحية عندما قررتا إقامة وزرع كيان آخر في وطننا التاريخي، وذلك لأهداف استعمارية خاصة بهما، وما كان لإسرائيل أن تمعن في عدوانها لولا الدعم الذي تتلقاه من هذه الدول”، على حد تعبيره.
وأضاف محمود عباس أن إسرائيل “تردد مزاعم زائفة أخرى لتغطي على عدوانها وجرائمها، فهي التي تدعي بأن حروبها ضد الفلسطينيين والعرب كانت حروبا دفاعية”.
وقال: “كيف يكون ارتكاب المذابح وتدمير القرى وتشريد نصف سكان فلسطين في العام 1948 حربا دفاعية، وكيف تكون حرب إسرائيل عام 1956 واحتلال سيناء وقطاع غزة حربا دفاعية”.
وقال الرئيس الفلسطيني “إن الحقيقة الساطعة والوحيدة التي نتعامل معها وندعو العالم أجمع أن يتعامل معها، وهي التي تمثل جذر رواية الشعب الفلسطيني، هي أننا أصحاب حق، كنا هنا منذ فجر التاريخ وسنبقى هنا حتى نهاية الدنيا”.
وأوضح أن الشعب الفلسطيني يقف “موحدا لإحياء ذكرى النكبة”.
وحيا في ختام كلمته صمود أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات، وقال لهم “إن ذكرى النكبة ستظل حاضرة في وعينا ونبراسا وحافزاً لشعبنا حتى إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال”.
لازاريني: لاجئو فلسطين بحاجة إلى تضامننا أكثر من أي وقت مضى
بدوره، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني إن محنة لاجئي فلسطين تظل “أطول أزمة لاجئين لم يتم حلها في العالم”، مشددا على أنهم بحاجة- أكثر من أي وقت مضى- إلى تضامننا الجماعي.
وقال إن احتفال اليوم يتزامن مع مرور 75 عاما على تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني بسبب حرب عام 1948، مشيرا إلى أن عائلات بأكملها فرت من منازلها بحثا عن الأمان.
وأضاف أن ذلك اليوم كان- بالنسبة للكثيرين منهم- بمثابة بداية رحلة طويلة جدا من الانتظار وعدم اليقين.
وأوضح أن الأونروا تأسست عام 1950 لمواصلة العمل الحيوي الذي بدأه شركاء الإغاثة الآخرون عام 1948، في اعتراف كامل بحق لاجئي فلسطين في الحماية والمساعدة.
“واليوم هو أيضا يوم لتسليط الضوء على الكيفية التي أحدثت بها الأمم المتحدة وشركاؤها فرقا في حياة لاجئي فلسطين. على مر السنين، تخرج أكثر من مليوني فتى وفتاة من مدارس الأونروا. لقد قمنا بتحسين الصحة الأساسية بشكل كبير، مع التطعيم الشامل والرعاية الصحية الممتازة للأم والطفل. مساعدة المتضررين من الأزمات والمحتاجين هو واجبنا في الأمم المتحدة”.
وقال لازياريني إن لاجئي فلسطين لا يختلفون عن بقية لاجئي العالم، مشددا على ضرورة الاستمرار في دعمهم حتى يتم تحقيق حل عادل لمحنتهم.
بالإضافة إلى المساعدة المباشرة، فإن الأونروا هي الجهة الوصية على سجلات وذكريات لاجئي فلسطين.
“نحن نستخدم تطبيقا يتيح للاجئين الوصول إلى سجلاتهم عبر الإنترنت. ويمكن لأي شخص أن يرى صورا لهذا العمل على مر السنين في أرشيف الأونروا للأفلام والصور التاريخية”.
ولكن السيد لازاريني حذر من أن الأزمة المالية الخطيرة التي تواجهها الأونروا منذ أكثر من عقد من الزمان، تهدد بتقويض التقدم المحرز في التنمية البشرية للملايين من لاجئي فلسطين.
واختتم حديثه بالقول:
“بينما نتابع أنا وزملائي جميع السبل لوضع الوكالة على أساس مالي مستدام، اسمحوا لي أن أكرر أن الأونروا ليست هي الحل. ببساطة، ما من بديل عن حل سياسي للجميع. وإلى أن يتحقق ذلك، لا يوجد بديل للأونروا.