بقلم: د. سلوى جودة
في القرية أنا حبيبة النهر الطيب وابنة الحقول الشاسعة وأذان الفجر وصاحبة كل البشر والموجودات ورفيقة الكتب واللون والموسيقى والشعر..هذا ولم تكن جدتي تلبي دعوة الإحتفالات الصاخبة وتكتفي بإرسال المُساعِدات بالهدايا الخاصة بهذه المناسبات، وفي مرة طلبت مني مُرافقة مربيتي مفيدة وأمي آمنة في تقديم واجب التهاني في عرس أحد فتيات القرية ، وفي الحقيقة كانت هذه من التجارب اللطيفة التي كلما تذكرتها ابتسمت، وتعرفون تلك الإبتسامة الصادرة من أعماق يسكنها بشر مخلصين ، نسخ قديمة لا تشبه كثيرا ممن نقابلهم في زمننا هذا، وما لفتني عندما وصلت لبيت العروس، أن الفرحة بادية و تكاد تقفز من قلوب الجميع ، فالعرس في القرية ليس مناسبة خاصة بأصحابها بل هي مناسبة عامة تفتح من أجلها بوابات السعادة والبشارات في السماء والأرض على اتساعها، فيرقص الجميع، النساء والرجال والأطفال ، و تتحول ساحة البيت إلى ما يشبه ساحة المولد في القرية المجاورة،الإختلاف ربما في طبيعة الأغاني التي تعجبت لصراحتها وربما جرأتها في التعبير عن الحب العذري ومشاعر وأحوال المحبين و أشواقهم، وكانت بعضها تثير خجلي، والعجيب أنه كلما وصلت الاغاني إلى هذه المرحلة تعلو الجميع حمرة الخجل التي لا تخلو من سعادة وحماس ولا أخفيكم أنني ربما شاركتهم وقتها هذه البهجة “وياما حمامي سرح ويا حمام الواد علي” و “ع الزراعية يارب أقابل حبيبي” و “ما قلت لك بنت الأكابر غالية ..ماقلت لك بوابة أبوها عالية”، فالحب ليس عيبا ولا يجلب العارولا الخذلان في مجتمعات الفطرة فهم يتغنون به وهو مصدر سعادتهم ويحيون به ومن أجله في ظل حماية مجتمعية تراه من ضروريات البقاء والإستمرار، وعدت لجدتي محمولة على أكف السعادة ، فالسعادة كما يقولون معدية، وقد تحولت لنغمة من دقات قلب الكون الواسع ..الواسع جدا، ولأن السيدة الكبيرة كانت تجيد قراءة حالي وتشاركه، ولايفوتها شئ وكل خطوة لديها بمقدار، فأشارت إلى أن “هؤلاء قد فهموا كل شئ مبكرًا بعيدًا عن تعقيد وارتباك الذين لم يفهموا بعد”.وكأنك ياجدتي تعرفين غابرييل غارسيا ماركيز ويعرفك ..