رام الله 7-10-2021 وفا – يحيي شعبنا في السابع من شهر تشرين أول من كل عام، يوم التراث الفلسطيني، من خلال تنظيم أنشطة وفعاليات بهدف الحفاظ عليه من النسيان والسرقة.
وحكاية يوم التراث الفلسطيني ترجع للمؤرخ نمر سرحان (مؤلف موسوعة الفلكلور الفلسطيني)، الذي فكر في صيف عام 1966 أن يعد لإذاعة “صوت فلسطين” من القدس برنامجًا عن القرية الفلسطينية بعنوان “قريتي هناك”، يتحدث فيها عن الأغاني الشعبية والموسيقى في القرى الفلسطينية، وبدأ رحلته في البحث والدراسة وجمع الفلكلور الفلسطيني من أغانٍ شعبية، وأهازيج، وتهاليل، وعادات وتقاليد، وألعاب، ومأكولات شعبية، بشكل أكاديمي.
بدأ المؤرخ سرحان إصدار موسوعة الفلكلور الفلسطيني عام 1977، ومع صدور الجزء الخامس يوم 1 تموز 1981، بمشاركة من لجنة إعداد الموسوعة؛ ودعم من “الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين”- تقرر اعتماد هذا اليوم من كل سنة يومًا للاحتفال بيوم التراث الفلسطيني؛ بهدف الحفاظ على الموروث الثقافي من التهويد والسرقة التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي وقت لاحق وبناء على توصية وزارة الثقافة، قرر مجلس الوزراء في 14 أيار 1999 بأن يكون يوم السابع من تشرين الأول من كل عام “يوم التراث الفلسطيني”، بدلا من يوم 1 تموز؛ لأن الطلاب يكونوا قد انتظموا في مدارسهم، فيسهل إحياء هذا اليوم بشكل أكثر فعالية؛ إضافة إلى أن شهر تشرين الأول هو موسم قطاف الزيتون؛ فلشجرة الزيتون رمزية واضحة على العطاء والصمود والتشبث بالأرض والتجذر بها.
التراث الفلسطيني يعدّ من المرتكزات الأساسية للهوية الفلسطينية، إذ تتجلى في جل مكوناته خصوصيتنا كشعب عريق في تراثنا المادي وغير المادي، الضارب جذوره في عمق التاريخ، منذ أجدادنا الكنعانيين.
ويمثل التراث الشعبي الفلسطيني ثروة ضخمة من الأدب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافية والفنون التشكيلية والطقوس الدينية، والحكايات، والأمثال، والأحاجي والألغاز، والألعاب الشعبية، والأكلات، والملابس، والدبكة، والأغاني، والموسيقى الشعبية؛ إضافة إلى الفن المعماري الفلسطيني؛ لذلك علينا بذل الجهود الجبارة للمحافظة على التراث من الضياع من خلال حمايته على الصعيد الوطني والعالمي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى تبني منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 18 تشرين الأول 2016 – خلال اجتماع لها في العاصمة الفرنسية باريس- قرارًا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثًا إسلاميًا خالصًا؛ ويرفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب.
كما أنه في يوم 12/3/2018، أعلنت جامعة الدول العربية اعتماد القدس “عاصمة دائمة للتراث العربي”؛ كما تحدد يوم التراث العربي في عام 2019 ليكون يومًا للتراث المقدسي.
إن المحافظة على التراث الفلسطيني في وجه كل المحاولات الإسرائيلية المعادية لطمسه وسرقته يعني ضمان الحفاظ على وجودنا واستمراريتنا وسر بقائنا على هذه الأرض.
وأكدت وزارة الثقافة، في بيان لها لهذه المناسبة، اليوم الجمعة، أن تراثنا سيظل عنوان هويتنا ومصدرا أساسيا لحكاية وجودنا على هذه الأرض وحافظ الرواية الوطنية، والحكاية الجمعية، والسردية الفلسطينية الخالصة، وهو بحمولته تلك يشكل سيرة ومسيرة ومسارا، يحافظ على الهوية الوطنية في سيرته، ويعمل في مسيرته على تجذير وتكريس الوعي الجمعي في إطار الثقافة الوطنية الجامعة، ويشكل مسارا حول فلسطين كواحدة من أهم حواضر الكون في الوعي والثقافة والتاريخ والمعرفة، والتي تساهم فعلا في الحضارة الكونية، بصفتها محطة إنسانية أولى، كانت ولا زالت حاضنة التاريخ والتراث الإنساني الكوني.
وأضافت أن التراث هو النص الأساس لخطاب الثقافة الوطنية، الذي يبرهن على حق الفلسطيني، وحقيقته الدامغة، في المكان والزمان، ويؤكد فاعلية وقدرة الثقافة الفلسطينية في تكريس وتمتين الوعي الوطني، وبناء الجسر المتين الذي يحمل الماضي بعراقته وأصالته إلى الحاضر بجسارته في ديمومة المسير إلى المستقبل المشتهى.
وقالت إن يوم التراث الفلسطيني يؤصل منهجية لاستدامة الوعي والمعرفة، كروافع قيمية ذات مضمون وطني يتماهى بشكل طبيعي مع نضال الشعب العربي الفلسطيني، وإسهامه في الدفاع عن القيم الإنسانية، ويقدم فلسطين كحاضرة كونية ملهمة، محمولة على قوة الحق التاريخي في مواجهة حق القوة الغاشمة، من أجل حاضر سليم ومستقبل حر، نستمد فيه قدرتنا على الفعل والتأثير من حكايةٍ تحفر عميقاً في الأرضِ والذاكرة بعمق ِجذرنا الرئيس في تاريخ كنعان على هذه الأرض.
وتابعت: كما يأتي يوم التراث الفلسطيني، حاملاً بفخر الشراكة التامة والبناءة في الفعل الوطني الفلسطيني مكرسا في التفاعل بين المؤسسات الرسمية والوطنية والتربوية وأهمية دورها في تعزيز الحفاظ على الموروث الثقافي، وتكريس فعله من أجل تأطير العمل الخاص به سواء كان على مستوى الأفراد والجماعات أو المؤسسات، حيث تقف وزارة الثقافة داعمة لهذا الفعل من خلال توفير عوامل ومقومات نجاح الدورِ المنوط بها على الصعيدَيْن المادي والمعنوي، الذي يتمثل في فتح الآفاق أمام كافة العاملات والعاملين والمنشغلين بالتراث لتحقيق حضورهم على مختلف الأصعدة المحلية والعربية والدولية، كونَ التراث الفلسطيني يمثل المخزون التاريخي لشعبنا الفلسطيني، ويمثل العُمق الحضاري الذي يزخر به نتيجةً لتعاقب الحضارات الإنسانية التي تأثَّرت وأثَّرت به.
وأشارت الوزارة إلى أنها ستطلق فعاليات يوم التراث الفلسطيني هذا العام من نبع تل السلطان في أقدم مدينة بالتاريخ، مدينة القمر أريحا، التي تؤرخ للبشرية في حضارتها كأول تجمع مدني حضاري سكاني في التاريخ، ويحمل ذكريات الأجداد الفلسطينيين الأوائل.
وبينت الوزارة أن هذه الفعاليات تعكس رؤيتها في تكريس حرصها وحرص المؤسسات الوطنية كافة على جعل الثقافة عاملًا أساسيًّا من عوامل التحرر من الاستعمار، وهذا ما يمثله دور المبدعات والمبدعين الفلسطينيين، والمتمثل بكفاحهم البطولي في الحفاظ على الرواية الفلسطينية وتمكينها وتمتينها وصقلها من أجل مواجهة حرب الإلغاء والمحو والسلب والنهب، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي من خلال سطوه على الأرض والتاريخ والشواهد والأسماء التي ورثناها تمامًا كما ترث الأرضُ ترابَها، هذه المواجهة التي تخوضها أجيالنا فـ”أجيالنا حرّاس التراث”.
وأوضحت أنها ستخصص هذا العام جهدا نوعيا في موضوع الدبكة الفلسطينية، كعنصر تسعى الوزارة لتسجيله في القائمة التمثيلية لعناصر التراث الثقافي غير المادي للبشرية لدى “اليونسكو”.