بوتين وقراءة جديدة لجحيم دانتي
بقلم: أحمد طه الغندور
22/2/2022.
بالتأكيد أننا لا يمكن أن نتجاوز الأدب العالمي ونحن نقرأ ملامح “الفوضى العالمية” التي بدأت تتجمع غيومها إنطلاقاً من “كييف” في أوكرانيا.
وذلك يرجعنا بسلاسة منقطعة النظير إلى العصور الوسطى في إيطاليا، وشاعرها العظيم ” دانتي أليغييري ” في قصيدته الملحمية ” الكوميديا الإلهية “، وخاصةً في وصفه لـ “الجحيم” ودركاته، وطبيعة “المذنبين”!
ومن أكثر من “القيصر الروسي” بوتين ليعيد صياغة هذا “الجحيم” في قراءة “جيوسياسية” جديدة؛ ستعمل على فرض معادلاتها على المسرح العالمي كي يسود السلام والاستقرار، وإلا فـ “الجحيم” هو العقاب المناسب للمهرطقين، وأصحاب “جنون العظمة” والشهوة، والجشع، والعنف والغش، والخيانة!
الرئيس “بوتين” منذ رئاسته الأولى في العام “2000” ومن قبل ذلك وهو يدرس سياسات “الخصم” في أمريكا، ويعيد بناء ” المجد الروسي “الذي خسر كثيراً أمام غطرسة “القطب الواحد” أو قل “القوة الغاشمة”!
أدار “بوتين” حوارات، ومفاوضات متواصلة طيلة السنوات الماضية لإعادة “رسم الحدود” التي لا يمكن تجاوزها من أمريكا وحلفائها في “الناتو” أو حلف شمال الأطلسي، ويعلن ليل نهار أنه لا يقبل بعالم “أحادي القطبية” بل أن “روسيا بوتين” تجسد قوة بارزة لا يمكن تجاهلها ليس على الحدود الإقليمية فقط، بل على مدى إتساع الخارطة الدولية!
من الطبيعي أنه لم يكن في الإمكان أن يُهمل “بوتين” ما قام به الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” وفريقه من “الصهاينة الجدد” بـ “الضم غير الشرعي” للقدس ـ العاصمة الفلسطينية ـ، الأراضي السورية في “الجولان”، العبث في قضية “الصحراء الغربية”، إلغاء الاتفاق النووي مع “إيران”، ونهب الثروات الطبيعية في العديد من دول العالم، مع فرض عقوبات عبر “الأمم المتحدة” ومؤسسات دولية أخرى على المعارضين!
ومن ثم جاءت “الإدارة الأمريكية الجديدة” ـ إدارة بايدن ـ دون أن تقدم أية ملامح دبلوماسية تبين أنها تنوي تصحيح سياستها الخارجية التي اعتمدتها “إدارة ترامب”! بل زادت من ممارساتها القائمة على الغطرسة، وبدأت تلامس حدود “الكرامة الروسية”!
فكان الجواب “جحيم بوتين”!
قد يكون من المفيد أن ندرك بأن هذه “الأزمة” بأنها ليست “سحابة صيف” ماضية، بل هي عهد من “الفوضى العالمية” ستعمل على تغيير موازين القوى الدولية، كما ستعيد رسم الخرائط الجيوسياسية العالمية، وعلى كل الدراسين للعلوم السياسية، القانون الدولي، التنظيم الدولي، الاقتصاد الدولي والأمن القومي أن يعدوا مذكراتهم لتدوين كل جديد يطرأ على هذه المجالات!
لعل أقرب توصيف يمكنه شرح هذه “الأزمة” بأنها “صراع قوى” نحو تشكيل نظام عالمي جديد، قد يكون من الصعب جداً على “حكماء العالم” التكهن بمستقبله!
“الجحيم” قد لا يقتصر على القارة الأوروبية فقط، بل للشرق الأوسط حظ منه أيضا، لذلك على الدول العربية أن تُسارع إلى دراسة “الأزمة” وعدم الاقتراب منها بأي شكل من الأشكال يشير بأنها تصطف مع أي طرف من أطراف النزاع، وأن تعمل من أجل ترسيخ الأمن السلم الدوليين.
كما من الأهمية بمكان من الانتباه بجدية أكبر إلى تمتين الأمن القومي العربي لصيانة الحدود، والموارد العربية، والعمل بجدية على إزالة الخلافات الداخلية، وصياغة تفاهمات وقيم جديدة للعمل العربي المشترك من خلال جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وعدم الانسياق مع الأوهام الصهيونية!
فلسطينياً، الصراع اليوم في فلسطين في ظل هذه الأزمة الدولية، هو “صراع وجود”، لا حل سياسي في الأفق، لا حل دولة واحدة، ولا حل دولتين، أو كما تبجح به “غانتس” في “ميونخ” بأنه؛ “لن يكون للفلسطينيين مستقبلا دولة بل “كيان”!
مع الحذر بأن “الصهاينة” قد يشرعون في “هجرات استيطانية” قادمة من بؤرة النزاع في “أوكرانيا” قادمة إلى فلسطين! بدلاً من العودة إلى جمهوريتهم أو ما تُعرف باسم “مملكة الخزر”!
فما هي الخطط اللازمة فلسطينياً لمواجهة “صراع الوجود”؟!
أخيراً، لعل الفائدة الجليلة التي سيخرج بها العالم من “جحيم بوتين” أننا سنسمع قريباً نهاية “موسم الكورونا” إذ لا مكان، ولا وقت يمكن تخصيصه لها في هذا الجحيم!
في الختام، مهما بلغت حصافة “دانتي” ـ وهو السياسي الفاعل الذي تعرض للنفي في زمانه ـ إلا أن دهاء “بوتين” سيضيف أبعاداً أكثر سوداوية للجحيم!