بقلم: السفیر ناصر کنعانی
رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة / القاهرة – مصر
نشرت صحیفة المصری الیوم مقالًا کتبه الکاتب المحترم الدکتور عبدالمنعم سعید بتاریخ 21/12/2021 تحت عنوان “ثلاث أزمات فی عام 2022″، وبغض النظر عن ملاحظاتی الشخصیة على بعض أجزاء المقال وخاصة بعض الملاحظات المدعاة حول الجمهوریة الإسلامیة، فإن ما حثنی على کتابة هذا الرد هو اتهامه العجیب لإیران الموصوف ب”تطویر السلاح النووی”، حیث ربط الکاتب العقوبات الأمریکیة المفروضة على إیران بهذا الاتهام والادعاء، وأضاف أنه فی عام 2015م قد تم التوصل إلى اتفاق فی إطار مجموعة ال1+5 (الأعضاء الدائمین فی مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانیا) ینص على وقف إیران “تطویر السلاح النووی” فی مقابل رفع العقوبات المفروضة علیها، ولکن الرئیس الأمریکی حینها دونالد ترامب قد انسحب من الاتفاق عام 2018م وأعاد فرض العقوبات، والآن وفی الأیام الأخیرة من عام 2021م تسعى أمریکا بقیادة بایدن لإعادة المعادلة السابقة أی “وقف” (تطویر السلاح النووی) فی مقابل “رفع العقوبات”.
وجاء فی نص مقال الدکتور عبدالمنعم سعید على النحو التالی: «الأزمة الثانیة لم تحدث أیضًا فجأة، ولکنها استغرقت عدة سنوات، منذ بدأت إیران فى تطویر السلاح النووى، وفى عام ٢٠١٥ جرى الاتفاق بین الولایات المتحدة وإیران فى صیغة ٥+١ (الدول الخمس الأعضاء فى مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانیا) على وقف هذا التطویر مع رفع العقوبات الواقعة على إیران. فى ٢٠١٨ قام الرئیس الأمریکى ترامب بالانسحاب من الاتفاق، وأعاد فرض العقوبات؛ وفى العام الذى تغرب شمسه عادت أمریکا بقیادة بایدن إلى ذات المعادلة: وقف التطویر مقابل رفع العقوبات…»
وسؤالی للاستاذ الدکتور عبدالمنعم سعید بصفته خبیرًا سیاسیًا ودولیًا معروفًا هو: ما هی الدلائل التی یستند علیها فی توجیهه لهذا الادعاء القاطع بخصوص إقدام إیران على تطویر السلاح النووی؟! هل استند فی اتهامه إلى تقریر الوکالة الدولیة للطاقة الذریة؟! أم إلى تقریر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟! هل اعتمد فیه على تقریر الأمین العام للوکالة الدولیة للطاقة الذریة؟! أم على الادعاءات والاتهامات التی لا أساس لها من الصحة التی توجهها أمریکا والکیان الصهیونی ضد إیران؟!
من أجل لفت أنظار قراء المقالة المذکورة، أرید التأکید على أنه لم یتم تقدیم أی وثیقة أو دلیل من قِبل أی جهة دولیة معنیة یدل على أن تحرک إیران نحو إنتاج السلاح النووی، إیران هی عضو من أعضاء الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، کما أنها عضوًا فی اتفاقیة عدم انتشار السلاح النووی المعروفة بNPT، إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وفی إطار سعیها لإثبات حسن نیتها والتزامها بالأمن والسلم الدولیین، فقد أقدمت على توقیع الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) فی یولیو 2015 بعد مفاوضات طویلة دامت لعدة سنوات مع المجموعة المعروفة باسم ال1+5، هذا بالإضافة إلى اتفاقها السابق بتاریخ أکتوبر 2003م مع الثلاث دول الأوروبیة والذی ینص على وقف مؤقت لبعض الأنشطة النوویة القانونیة التی تقوم بها إیران. وقد تقرر وفقًا لهذا الاتفاق أن توقف إیران بعض أنشطتها النوویة القانونیة فی إطار زمنی محدد ومتفق علیه، وعلى الجانب الآخر یجب على أمریکا أن ترفع عقوباتها الظالمة وغیر القانونیة التی تفرضها على إیران.
وبناءًا على هذا الاتفاق، فقد التزمت إیران بجمیع تعهداتها والتزاماتها وقد ثبت ذلک فی أکثر من 15 تقریر موقع من الأمین العام للوکالة الدولیة للطاقة الذریة، وبشهادة آلاف الساعات من التفتیش والتقاریر الأخرى التی أصدرتها الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، فإن البرنامج النووی للجمهوریة الإسلامیة هو برنامج سلمی تمامًا ولا یوجد ولن یکون هناک أی نشاط لدى إیران لاستخدام الطاقة النوویة لأغراض عسکریة.
وعلى الرغم من ذلک لم تتوقف السلوکیات المستفزة والعدائیة وغیر القانونیة التی تقوم بها أمریکا والتی لم تلتزم تقریبًا بأی تعهد قدمته فی إطار الاتفاق النووی وقرار مجلس الأمن النافذ رقم 2231، وفی النهایة انسحبت من الاتفاق فی مایو 2018م، والثلاث دول الأوروبیة أیضًا على الرغم من تقدیم وعود کثیرة مستمرة مبنیة على أنها ستعوض انسحاب أمریکا من الاتفاق النووی، إلا أنه یبدو أنها لا تتمتع بالاستقلالیة السیاسیة الکافیة لتنفیذ وعودها، ونستطیع القول أن تلک الدول لم تنفذ أی وعودها التی قدمتها لإیران.
بعد انسحاب الحکومة الأمریکیة من الاتفاق النووی وانتهاک قرار مجلس الأمن رقم 2231، أمهلت إیران أوروبا لمدة اکثر من عام من أجل تعویض انسحاب أمریکا من الاتفاق النووی، وبالتالی فقد تغاضت عن حقها المتضمن فی المادتین 26 و36 من الاتفاق النووی وأعلمت بقیة أعضاء الاتفاق والوکالة الدولیة للطاقة الذریة بهذا الأمر رسمیًا. إننی أؤکد على أن الإجراء الإیرانی کان قانونیًا بشکل کامل ویتطابق مع مضمون الاتفاق المشترک من مجموعة ال1+5، حیث وفقًا للمادتین 26 و36 من هذا الاتفاق: “فی حالة إعادة فرض العقوبات و…. أو فرض عقوبات نوویة جدیدة، یحق لإیران أن تعلق تعهداتها فی خطة العمل الشاملة المشترکة بشکل کامل أو جزئی”. أمریکا وبعد انسحابها من خطة العمل الشاملة المشترکة قامت بفرض أکثر من 700 عقوبة جدیدة على إیران، وبهذه العقوبات وبالإضافة إلى 800 عقوبة سابقة فرضتها أمریکا على إیران یُصبح مجموع العقوبات ما یقرب من 1500 عقوبة، ولا یمکن وصف هذا العدد من العقوبات على دولة بکامل شعبها إلا ب”جنون العقوبات“، تلک العقوبات التی استهدفت جمیع الأبعاد والمناحی الحیاتیة للشعب الإیرانی.
بناءًا على ما سبق قوله، فإن الإجراءات التعویضیة التی أقدمت علیها إیران ردًا على العقوبات الجنونیة الأمریکیة کانت فی إطار حق إیران القانونی، ومؤخرًا أکد رئیس وکالة الطاقة النوویة الإیرانیة مرة أخرى على هذه النقطة وهی أن جمیع الأنشطة النوویة الإیرانیة تتم وفقًا للاتفاقات والبیان التأسیسی وقوانین الوکالة الدولیة للطاقة الذریة.
وفی المرحلة الجدیدة أیضًا عادت إیران إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى بعد مطالبات حثیثة من شرکائها فی الاتفاق النووی حتى تُظهر مرة أخرى مدى إحساسها بالمسئولیة تجاه الأمن والسلم الدولیین والتزامها بالاتفاق النووی ومعاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة، وأیضًا من أجل أن تستشکل على صدق مدعی الالتزام بالأمن والسلم والقوانین الدولیة.
من البدیهی أن تُطور الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة برامجها الدفاعیة بهدف الدفاع عن أمنها بالإضافة إلى حقها فی التمتع بالطاقة النوویة السلمیة، مؤخرًا وفی هذا الصدد أکد المتحدث باسم وزارة الخارجیة الإیرانیة مرة أخرى على أن إیران لن تستأذن أحدًا بشأن برنامجها الدفاعی ولن تتفاوض علیه.
وفی النهایة من الضروری أن أُذکر أن العقوبات الأمریکیة على إیران قد بدأت ولا زالت مستمرة منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة الإیرانیة عام 1979م ولیس منذ عام 2015م أو حتى منذ بدایة طرح الادعاءات التی لا أساس لها بخصوص الأنشطة النوویة الإیرانیة، وهو على عکس ما ذکره السید الدکتور عبدالمنعم سعید بسبب تراجع قدرة الهیمنة الأمریکیة، فقد أصبحت العقوبات المفروضة على الدول الخارجة عن مسار أمریکا أداة للسیاسة الخارجیة لتلک الدولة، لذا فإن البرنامج النووی السلمی الإیرانی ما هو إلا مبررًا من أجل استمرار سیاسة الحد الأقصى من الضغط الأمریکی على إیران حکومة وشعبًا، ومن المسلم به أن إیران لن تستسلم للغة البطلجة والسلوکیات الأمریکیة غیر القانونیة ولا حتى للإرهاب المنظم الذی یُمارسه الکیان الصهیونی.