سلايدر

أوزبكستان الجديدة نحو إستراتيجية خضراء

استمع الي المقالة

أرشيف..

 

أشرف أبو عريف

تتكون استراتيجية التنمية لأوزبكستان الجديدة من سبعة اتجاهات مترابطة. وتتمثل إحدى المهام ذات الأولوية في مسألة البيئة. ففي الآونة الأخيرة، تغيرت هيئة الكوكب وجغرافية المناخ بشكل كبير. وعلى مدار الأربعين عاما الماضية، تقلص سمك الغطاء القطبي للأرض بنسبة 40 بالمائة. وصارت الآثار الوخيمة لتغير المناخ تؤثر بالفعل بصورة خطيرة على النظام البيئي: التناقص المستمر فى التنوع البيولوجي، ونضوب المخزون السمكي المتواصل. وزحف التصحر على المزيد والمزيد من الأراضي الخصبة، ووقوع الكوارث الطبيعية على نحو أكثر تواتراً وأشد تدميراً.

ويشير كل هذا إلى أن الطبيعة ليست مجرد ثروة فحسب، بل أنها البيئة المحيطة بالإنسان الذي يمثل جزءا منها. وبالتالي، فإن حدود تطور الإنسان العاقل لا تتحدد فقط عبر استهلاكه للموارد الطبيعية.

ويحافظ النظام البيئي بأكمله على استقرار ظروف البيئة المحيطة، والمواتية للحياة بشكل عام وللبشر على وجه الخصوص. وقد صار جليا أن تدخله في العمليات الذاتية للطبيعة قد ذهب بعيدا، إلى حد قد  يجعل تلك التغيرات المرتبطة بذلك التدخل لا رجعة فيها، كما يمكن أن تعجز المجهودات المحلية بمفردها عن تجاوز الآثار المدمرة لتلك التغيرات.

وقد شملت تلك المخاطر أوزبكستان بدورها. فما تزال التهديدات البيئية قائمة في البلاد، والتي تأكدت مرة أخرى من خلال العاصفة الترابية التي لوحظت في أوائل نوفمبر. ففى خلال تلك الفترة، اخترق أراضي الجمهورية الهواء البارد القادم من مناطق جبال الأورال. ولوحظت زيادة في شدة الرياح لتصل سرعتها إلى 12-15 م/ث، في بعض الأماكن من مقاطعات بخارى، ونافوي ، وجيزاك، وبلغت سرعتها إلى 20-25 م/ث. وتحت تأثير هبوب الرياح، ارتفعت للأعلى التربة السطحية شديدة الجفاف، مما تسبب في خلق ضباب رملي ترابى، مع تدهور في الرؤية حتى 100-200 مترا، وذلك في عدد من مناطق البلاد. وقد بدأ تشكلها على أراضي كازاخستان الجنوبية، وانتشرت تدريجياً إلى المناطق الوسطى والجنوبية من أوزبكستان. وتجلى ذلك بوضوح في مقاطعة تركستان بكازاخستان، وفي منطقتي طشقند وسيرداريا في جمهوريتنا.

وتتكرر ظاهرة العواصف الترابية في جميع أنحاء أراضي آسيا الوسطى والدول المجاورة. ومع ذلك، فإن كتل الرمال والغبار المرتفعة في الهواء/ سرعان ما تتبدد وتترسب بعد فترة وجيزة من ضعف الريح. وفي هذه الحالة، فإن الطبقة العكسية في الغلاف الجوي السفلى، والتي تشكلت في صورة كتلة من الهواء البارد في 4-5 نوفمبر 2021، قد أدت إلى تأخير عملية تشتت الغبار، مما أدى إلى نشوء ظاهرة غير عادية بالنسبة لمنطقتنا، وهى – الضباب المترب.

وقد كشف هذا الحادث مرة أخرى بوضوح، ضرورة الاهتمام الخاص بالعمل المتواصل في مجال ضمان الحفاظ على البيئة المحيطة وحمايتها، وعلى السلامة البيئية، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، وتحسين الظروف الصحية. وإننا نلمس الأهمية الاستراتيجية لتنفيذ الجانب البيئي لنظرية “أوزبكستان الجديد”، وهو المساهمة في تحقيق الهدف المشترك والرئيسي المتمثل فى – توفير الظروف المعيشية اللائقة للشعب، والبرهنة على استحقاق ثقة المواطنين، والعمل المتواصل على حل مشاكلهم الملحة.

واليوم، فإن إحدى الوثائق الرئيسة للبلاد في مجال البيئة تتمثل فى مبدأ حماية البيئة لجمهورية أوزبكستان حتى عام 2030، والذي تم إقراره بموجب المرسوم ذي الصلة الصادر عن رئيس الدولة بتاريخ 30 أكتوبر 2019. وطبقا لتلك الوثيقة، فقد تم تطبيق النهج المتكامل ومبادئ التخطيط الاستراتيجي في تنفيذ وظائف الدولة الخاصة بمجال حماية البيئة، وتم منح الصلاحيات اللازمة لجهاز الحفاظ على البيئة، كى يتمكن من تحقيق المهام المحددة بشكل فعال.

وقد حدد تنفيذ المبدأ على أرض الواقع المجالات ذات الأولوية لسياسة الدولة في مجال حماية البيئة، واستخدام الآليات الفعالة لمنع وكشف ومواجهة انتهاكات التشريعات البيئية، وتعزيز المسؤولية الشخصية لرؤساء هيئات الدولة، والكيانات الاقتصادية، والمواطنين، عن الوضع الصحي والبيئي للمناطق المأهول بالسكان فى شتى بقاع الجمهورية، وكذلك تحقيق الأهداف القومية وأهداف التنمية المستدامة للفترة حتى عام 2030.

في هذا الصدد، يمكن بلورة عدد من الاتجاهات الاستراتيجية الهامة لحل القضايا العاجلة في مجال حماية البيئة، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية. وعلى وجه الخصوص، تطوير وتحديث القاعدة التنظيمية المعيارية الحالية للتشريعات البيئية. وفى الوقت الراهن، تمضى الخطوات العملية النشطة للتغيير الجذري في النظام السابق، والتطبيق واسع النطاق للمنهج السليم بيئياً للإدارة، وذلك بدلاً من الاستخدام الإداري البحت للموارد الطبيعية. مما يساهم في وضع المعايير القانونية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية، للحفاظ على الظروف البيئية، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية. كما يجرى أيضا توفير الضمانات اللازمة للتطور المنسجم المتوازن للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، والتنمية المستدامة للنظم البيئية، والمجمعات الطبيعية والمرافق الفردية، وضمان حقوق المواطنين في الحصول على البيئة المواتية.

وفى الوقت الحالي يقوم أوزبكستان بتطبيق أكثر من 30 تشريعا وحوالي 200 لائحة فرعية في مجال البيئة وحماية البيئة، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، وهى تتضمن قوانين جمهورية أوزبكستان حول “حماية الطبيعة”، و”حماية هواء الغلاف الجوي”، و” الماء واستخدام المياه”، و”استغلال الغطاء النباتى والحفاظ عليه”، و”استغلال عالم الحيوان والحفاظ عليه”، والقوانين حول “الغابات”، و”الأراضى الطبيعية المحمية”، و”باطن الأرض”، و”النفايات”، و”الخبرة البيئية”، و”الرقابة على البيئة”، و”التدقيق البيئي”، و”استخدام موارد  الطاقة المتجددة”، و”الحماية الوقائية الصحية والوبائية للسكان”، و”قانون الأراضي لجمهورية أوزبكستان”، وغيرها من التشريعات الأخرى.

يوضح هذا بجلاء أن التشريعات البيئية للبلد تغطي العديد من قضايا الأنشطة ذات الصلة، وتضع اللوائح الخاصة بنظام أجهزة الدولة، وتوزيع الوظائف والصلاحيات فيما بينها، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وإتاحة الوصول إلى المعلومات، واستخدام الآليات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، وضمن القوانين التشريعية، تم تطبيق عدد من معايير التى تضمن حماية الحقوق البيئية للمواطنين، وتطوير الديمقراطية البيئية.

وتجدر الإشارة إلى أن أحد عناصر السياسة البيئية لأوزبكستان الجديدة يتجسد عبر التحسن الملحوظ فى جودة البيئة المحيطة، وذلك في الأراضى التي تنطوي على درجة متزايدة من المخاطر على صحة الإنسان واستقرار النظم البيئية.

ويكتسب طابعا حادا أكثر فأكثر الوضع فى بحر الآرال. وتتمثل القيمة الكبيرة لمبادرة رئيس أوزبكستان حول تحويل منطقة بحر الآرال إلى منطقة للابتكارات والتقنيات البيئية فيما يلي:

 حشد الموارد وتوجيهها على وجه التحديد من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة بحر آرال؛

 وضع نهج متكامل للمساعدة المقدمة من خلال تجنب الازدواجية؛

 توجيه الموارد لضمان التنمية المستدامة في المنطقة؛

 المساهمة في التنمية المبتكرة لمنطقة بحر الآرال، وذلك على أساس الآليات التى تحقق الفوائد المستهدفة والملموسة لسكان المنطقة، في مجال الرعاية الصحية وإمدادات مياه الشرب وخلق فرص العمل والتعليم وغير ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم العواقب الناجمة عن كارثة بحر آرال يتطلب اتخاذ الإجراءات الحاسمة، واستخدام الوسائل المبتكرة، والتنسيق الأكثر فعالية للجهود المبذولة، وتجميع الموارد على المستويات القومية والإقليمية والدولية.

وبمبادرة من أوزبكستان، تم بالفعل إنشاء وتشغيل صندوق الأمم المتحدة الاستئماني متعدد الشركاء للأمن البشري لمنطقة بحر الآرال، ذلك إلى جانب إنشاء آلية الحوار الشامل باعتبارها منصة واحدة لتطوير التعاون الدولي، وحشد موارد مجتمع المانحين لصندوق الأمم المتحدة الاستئماني متعدد الشركاء للأمن البشري لمنطقة بحر الآرال، والذى يمثل أيضا هو أداة للتغلب على عواقب كارثة بحر الآرال. وفي إطار الاستراتيجية الموحدة، يساهم الصندوق الاستئماني في جذب المعارف الجديدة والحلول والتقنيات المبتكرة إلى منطقة بحر الآرال، لضمان التنمية المستدامة للمنطقة، والتي يمكنها أن تصبح نوعا من مراكز الابتكارات والتقنيات البيئية.

ويجرى القيام بالكثير من العمل لمكافحة التصحر. فقد تم بالفعل زراعة جزء من قاع بحر آرال الجاف (حوالي 1700 هكتار) ببذور الساكسول (الشتلات). ويستمر زراعة (غرس) بذور (شتلات) هذا النبات على مساحة تزيد عن 100 ألف هكتار، مما يساهم ليس فقط في الحد الأقصى للرمال التى يمكن احتجازها ومنع المزيد من تدهور الموارد الطبيعية، ولكن أيضا في تكوين النظام البيئي المناسب، ويخلق أيضا الظروف المواتية للتخفيف من حدة تغير المناخ في هذه المنطقة.

تنتمي أوزبكستان إلى قائمة البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ. في الوقت الحالي، لم يتم تلبية احتياجات المياه اللازمة للري والاحتياجات البيئية، وفي ظل ظروف تغير المناخ، سوف يزداد نقص الموارد المائية في آسيا الوسطى بشكل كبير.

طبقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) فإن أوزبكستان تستخدم 69 بالمائة من احتياطياتها المائية.

وقد أشار رئيس الجمهورية شوكت ميرضيائيف، إلى أن الأهمية الحيوية لأوزبكستان تتمثل فى التنمية المتسارعة والنهوض الجذري بكفاءتها، وتنوع الزراعة باعتبارها قطاعا استراتيجيا. وتتبلور المهام العاجلة بهذا المجال فى تجهيز المنتجات على أساس المجموعات المتجانسة وضمان الأمن الغذائي.

في الوقت الحاضر، فقد أدى الانتقال إلى نظام المجموعات المتجانسة، إلى وضع الأساس للتغييرات الجذرية في فترة زمنية قصيرة. وعلى وجه الخصوص، ففي قطاع القطن وحده، تضاعفت معالجة الألياف 2،5 مرة، وبلغت مائة بالمائة (100%). وتتجلى الأهمية البيئية للعمل بنظام المجموعات المتجانسة في حقيقة أنها أدخلت بالفعل تقنيات توفير المياه على 126 ألف هكتار، وتشغيل 143 ألف هكتار. وقد حصدت معظم التجمعات المتجانسة هذا العام من 3500-4000 كيلوجرام من القطن لكل هكتار.

خلال عملية تحول البلاد إلى الاقتصاد “الأخضر”، تم التصديق في عام 2019 على مبدأ تطوير التعليم البيئي في جمهورية أوزبكستان. ويستمر العمل على تحسين المعايير البيئية التى وضعتها الدولة، وتطوير الإمكانات العلمية، ومراجعة العملية التعليمية ونظام التدريب المهنى لتدريب العاملين في التخصصات ذات الصلة.

وهكذا، ففي إطار استراتيجية تنمية أوزبكستان الجديد، تم تحديد المهام الجادة واسعة النطاق فى كافة المجالات والقطاعات بالمناطق والمقاطعات والأقاليم، بما في ذلك مجال البيئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى