التعامل السياسي مع حكومة الرأسين!
بقلم: أحمد طه الغندور
لقد سجل تشكيل “حكومة جديدة” لدى “الاحتلال” مشهداً جديداً في الواقع السياسي الإسرائيلي، فقد أنهى تشكيلها فصلاً بائساً من سيطرة “ناتنياهو” على الحكم، لكن إن كانت هذه هي الميزة الوحيدة لهذه “الحكومة”؛ فكيف ننظر إليها؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
ربما يمكن القول بأن الباحثين قد أسهموا في الحديث حول “الحكومة” ـ ذات الرأسين ـ ولكن يجدر بي الإشارة إلى بعض الملاحظات الخاصة حولها، لعلي أبلغ القصد في الإجابة على السؤال؛ كيف يمكن التعامل معها؟
قد لا يبدو غريباً في شيء لو نظرنا إلى هذه “الحكومة” بأنها: تأمرية، وظيفية، وقابلة للبقاء فترة في الحكم رغم التناقض!
فهي تأمرية، لأنها نتيجة مؤامرة “داخلية ـ خارجية” للتخلص من “ناتنياهو”، جرى تدبيرها بليل، فجمعت كل من لا يمكن جمعه، ولكنهم موحدون في هدف الخلاص من “الملك”!
وبالتالي فأن صفة التأمر هي لصيقة بها، وستكون علامة فارقة في كافة أعمالها!
أما الصفة الثانية، أنها وظيفية ـ أي أن من أنشأها قد حدد لها وظيفة معينة لن تخرج عنها، وهي الكف عن إشعال الحرائق في الشرق الأوسط، والحفاظ على الهدوء المنشود في المنطقة، مقابل ضمانات الحماية والرعاية داخلياً وخارجياً، خاصة وأننا نذكر بأنها جاءت بعد العدوان الأخير لـ “ناتنياهو” على الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، والذي ارتدت نتائجه بشكل سلبي كبير على “الكيان” في الداخل والخارج، فلا بد من الترميم!
فيما يخص الصفة الثالثة، وهي قابليتها للبقاء فترة في الحكم، بالرغم من كم التناقضات الهائلة للمصالح والمركبات الفكرية الخاصة بأطرافها.
لكن كون “ناتنياهو” لا زال يُشكل تهديداً لهذه الحكومة، وأن هناك رغبة عارمة في صدور “شركاء الحكم” في الزعامة والسلطة، ولأن هناك الإشراف والدعم الخارجي القادم عبر الأطلنطي سيكتب لها البقاء مما دامت تسير وفق بروتوكول التشكيل!
قد يبدو المشهد للناظر سريالياً بعض الشيء، ويحتاج إلى تفسير!
من أين يأتي الهدوء؛ والتهديد بجولة قادمة من العدوان على غزة؟ ومسيرات المستوطنين تشتد عنفاً في الضفة!
بل قل وصلت إلى التطاول على مقام رسول الإنسانية ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولم يتوقف تدنيس الأقصى!
وماذا عن الاعتداءات المتكررة على أسرانا الأبطال في المعتقلات، وممارسة القمع والأبارتيد يتزايد في المجتمع العربي في الداخل، وسور “أدريان” المفروض على الفلسطينيين في القطاع!
كل هذا وأكثر صحيح، ولكنه فقاعة على سطح الماء، أوشكت أن تزول فرضها الواقع السياسي، ولا أقبل هكذا تبرير!
لكن دعنا ننظر إلى تغيير “مسيرة “الأعلام” لدى الاحتلال، فقد وافقت “الحكومة الإسرائيلية الجديدة” على تعديل في مسار المسيرة السنوية التي تحيي “ذكرى الاستيلاء الإسرائيلي” على القدس الشرقية في حرب 1967.
ومسألة ثانية هي صدور تعليمات لجنود “جيش الاحتلال” بالكف عن اقتحام منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية في ساعات الفجر والليل لمجرد معرفة من ينام فيها او لجمع معلومات عامة عن سكانها. وقد كان ذلك بموجب تنويه من الخارجية الأمريكية!
أيضاً؛ التطور الحادث في شأن “المنحة القطرية” للقطاع، والحديث آلية جديدة متفق عليها لتسهيل تحويل الأموال إلى غزة عبر الأمم المتحدة.
كذلك، ما أشار إليه “حسين الشيخ” عبر صفحته على توتير من علامات تخفيف الحصار على غزة، حيث قال: “ما تم السماح به اليوم نأمل ان يكون مقدمة لرفع الحصار بشكل كامل عن اهلنا هناك”!
وأخيرا، الحديث حول النقاش الذي ستخوضه “الحكومة” بشأن “أموال المقاصة الفلسطينية!
لا شك أن كل ذلك، لم يكن “لفتة إنسانية” لـ “حكومة الاحتلال”، ولكنها جاءت بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك جاءها الشكر العملي والمباشر رداً على ما أسلفت! فكان هناك الجائزة الأولى، “واشنطن تؤكد رسميا مساهمتها في تجديد مخزون صواريخ القبة الحديدية لدى إسرائيل” ، أما الجائزة الثانية فكانت دولية النكهة قدم لها “غوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة، والذي حظي بالولاية الثانية لمنصبه، بأن ” يرفض إدراج “جيش الاحتلال” على اللائحة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال”!
وهنا نأتي للإجابة على السؤال الرئيسي لمقال اليوم، كيف يمكن التعامل مع “حكومة الرأسين؟!
ربما الأمس قدم لنا نموذج عن “التعامل المباشر” لهذه “الحكومة”، وأقصد هنا “قضية تطعيمات كورونا”، والقضية بالنسبة لي من البداية ليست مؤامرة على الشعب، ولا هي تجارة بأرواح البشر، ولا كافة هذه النكافات الحزبية المقيتة!
ولكنها تعود إلى الاستعجال، وقبول بعض النصائح من أطراف دولية بدعوة “بناء الثقة” دون دراسة كافة أبعاد القضية، والرجوع للمختصين، فقد قلنا بأن هذه “الحكومة” برأسين، وأنها تأمرية!
لذلك، من الأفضل عدم التعامل المباشر معها دون الكفلاء، والاتفاقات المكتوبة، لكلا الرأسين في الحكم، فما يقبل به “يائير لابيد” زعيم “حزب هناك مستقبل” لا يقبل به “نفتالي بينيت” زعيم “حزب يمينا المتطرف”!
وإذا أضفنا إلى ذلك أن سقفها “تحقيق الهدوء” وليس تحقيق السلام في الفترة المنظورة، فلا مجال للتعاطي مع آمال كاذبة، وحتى خطوات “بناء الثقة” يجب أن تكون محدودة، ومنضبطة، ولا تتجاوز الأعراف الدبلوماسية والسياسية تجنباً لأي هزات داخلية غير محمودة العواقب.
ومما لا شك فيه أن خطوات “بناء الثقة” داخلياً، والتي تجري ـ بحمد الله ـ على قدم وساق قد أزعجت “الاحتلال” وأذنابه، فكانت “الصرخة الجوفاء” “أدركوا المؤامرة”!!