المعضلة الفلسطينية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن!
بقلم: أحمد طه الغندور
6/6/2021.
لعلنا لا زلنا نذكر أولويات السياسة الخارجية الأمريكية الثمانية التي أشار إليها وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” بشكل واضح في الأيام الأولى لتوليه منصبه، والتي تبين منها أن الشرق الأوسط ليس من تلك الأولويات!
ولعل السبب الرئيس في ذلك بأن الإدارة الحالية لا تملك سياسة واضحة للتعامل من خلالها مع قضايا المنطقة، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بـ “القضية الفلسطينية”!
لكن تشاء الأقدار؛ بأن السياسة التي يتبعها “ناتنياهو” وزمرته من “عصابات المستوطنين” في اقتحام الحرم القدسي الشريف، وسياسة تهجير الفلسطينيين المقدسيين من أحياء القدس؛ في سلوان، والشيخ جراح والعديد من البلدات الفلسطينية أدت إلى اندلاع جولة جديدة من العدوان على غزة، والتي نجحت في أن تُعيد فرض القضية الفلسطينية على الأجندة الأمريكية، وبشكل قوي!
هذا الأمر حث الرئيس الأمريكي “بادين” بأن يواصل اتصالاته بالمسؤولين في المنطقة من أجل فرض حالة أسماها “وقف إطلاق النار” ـ وكان من الأجدر تسميتها “وقف العدوان”، فشتان ما بين “العدوان الإسرائيلي” و “الدفاع المشروع عن النفس للفلسطينيين، ولا مجال للمقارنة بين القوة العسكرية المفرطة للعدوان الإسرائيلي، وبساطة مقومات الدفاع عن النفس لدى الفلسطينيين ـ، ومن ثم جاءت زيارة المندوب الأمريكي؛ “هادي عمرو”، ثم زيارة وزير الخارجية “بلينكن” وفريقه ـ الذي لم تفصح عن شخصياته وسائل الإعلام ـ!
لكن من المؤكد بأن الموقف الأمريكي المتردد في بداية جولة العدوان، والتصريحات الغير متوازنة؛ الداعية بأن “للاحتلال الحق في الدفاع عن النفس، وإقرار موازنة عسكرية جديدة للاحتلال” أسهمت في زيادة أعداد الضحايا من العدوان! والذي لم يتغير إلا في المكالمة الخامسة مع “ناتنياهو” حينما شعر “بايدن” أنه يتحداه حينها كان الأمر الواضح بـ “وقف إطلاق النار”!
وربما يكون هذا الحدث قد كلف “ناتنياهو” مستقبله السياسي، بالإضافة إلى رغبته في تحدي “بايدن” في العودة إلى الاتفاق النووي مع “إيران”، ومحاولاته لإشعال فتيل نزاع معها في المنطقة، فكان الرد الأمريكي حاسماً بوجوب مغادرته “المشهد السياسي”، فكانت دعوة “غانتس” الفورية إلى الولايات المتحدة للتأكيد على عدم الاستجابة لأي رغبات لـ “ناتنياهو” بإشعال المنطقة!
إذن؛ نشهد من خلال ما سبق أن الموقف الأمريكي لا زال يتراوح بين التراخي والحزم وفقاً للأجندة والرغبة الأمريكية!
أمريكا ترغب في فرض هدنة طويلة، وإعادة الإعمار لكن وفق “الرؤية الإسرائيلية”!
أمريكا ترغب في منح دور لـ “السلطة الفلسطينية” لكن دون إنهاء الانقسام أو الاستيطان!
أمريكا ترغب في المساهمة المصرية في تطويق الأزمة، ولكنها تُريد دفع “قطار التطبيع” بعيداً في المنطقة، وتغيير بعض المتدخلين في الشأن الفلسطيني!
أمريكا ترغب في توفير الدعم المادي والمعنوي، وزيادة الغطاء العسكري للاحتلال، ولكنها ترفض أي نوع من المحاسبة أو حتى الإدانة للاحتلال أمام المؤسسات الدولية!
أما القضية الوحيدة التي حسمت الإدارة الأمريكية رأيها فيها؛ فهي أنها لا تريد “ناتنياهو” في المشهد الإسرائيلي! ولعلها تكون حسنة للصالح الفلسطيني!
ولعل هذا الأمر قد يبدو كله غير مقبول لدى الجمهور الديمقراطي الذي تمثله الإدارة الحالية، التي حاربت للتخلص من الرئيس السابق ترامب! فهل تخلصت من إرثه؟!
إذن، ما الحل وكيف الخروج من هذه الفجوة السياسية بين سياسات “ترامب ـ بايدن” التي تُعرقل أي حل سياسي واقعي قريب للقضية الفلسطينية؟!
الحل ينبع فيما نستطيع صياغته بأيدينا!
• لا شك أن الحل يكمن في تحقيق المزيد من الوحدة والمصالحة الفلسطينية، والتمسك بالثوابت مها اشتد الخطب.
• الإعمار الحقيقي يبدأ بالتخلص من إرث “أوسلو”، من تحرير “معبر بيت حانون” والمعابر التجارية للقطاع، ـ ولو بوضعه تحت إشراف دولي ـ لحماية الحقوق الإنسانية، قبل إضاعة الوقت في وهم الحديث عن ممر مائي يزيد من تدخل سلطة الاحتلال في الشأن الفلسطيني!
• الإعمار الحقيقي يبدأ في محاسبة الاحتلال عن جرائمه، وليس توفير “الدعم العربي والدولي” لدفع تكلفة تلك الجرائم!
• عدم القبول بسياسة “النفاق الدولي” وتحديد مطالبات معينة لمخاطبة المجتمع الدولي واجبة النفاذ، واستغلال سياسة المقاطعة، والدبلوماسية البرلمانية والشعبية للمحاسبة!
أخيراً، الاستفادة قدر الإمكان في التغيير الحادث في التحركات الدولية، والمشهد الداخلي لـ “الكيان الاحتلالي”، والتعامل بشفافية مع الإدارة الأمريكية على قدر رغبتها الحقيقة في التدخل للإسعاف أو الإنقاذ في قضيتنا، أو إدارة الصراع حتى حين؛ دون تقديم أية تنازلات، أو التهاون مع أي دولة عربية تتجه لمهانة التطبيع، مع السير قُدما في محاسبة الاحتلال، ورفع كلفته.
المهم؛ ألا تكون هزيمتنا بأيدنا، بعد أن شرعنا في الإيمان بإمكانية التغيير والتحرير!