وماذا عن المبادرة الصينية؟
بقلم: أحمد طه الغندور
قبل يومين قام مستشار الدولة / وزير الخارجية الصينية السيد “وانغ يي” بالإعلان عن مبادرة حكومته بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وقد رحبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بالمبادرة حيث اعتبرتها استجابة لدعوة الرئيس الفلسطيني بعقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين.
وأوضح الوزير الصيني في مبادرته “أن المؤتمر الدولي بشأن القضية الفلسطينية؛ يجب أن يحظى بمصداقية للوصول لهدف “حل الدولتين”، معللاً ذلك بأنه بمثابة الاختبار الحقيقي لمبدأ العدالة والانصاف في الشرق الأوسط”، ثم أضاف الوزير إلى “أن بلاده ستعمل على الدفع لمراجعة القضية الفلسطينية من كافة جوانبها خلال ترؤسها لمجلس الامن الدولي على مدار شهر مايو أيار القادم، لضمان التأكيد على مبدأية حل الدولتين وفق المرجعيات الدولية المعتمدة”.
وبالرغم من الترحيب الرسمي لهذه المبادرة “الهامة”، لا بد لنا أن نلقي عليها نظرة متفحصة؛ لعدة أسباب، أهمها: أن ما يخص فلسطين بشكل مباشر هو ما جاء في بندها الثاني على وجه التحديد، فهي وُضعت من أجل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتحركها “المصلحة الصينية” في جو من “المنافسة” مع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، مما يعود بالذاكرة إلى أجواء “الحرب الباردة” بين أمريكا والاتحاد السوفيتي قديماً!
وبالرغم من أن المبادرة هي تطبيق لـ “الدبلوماسية الناعمة” التي تتبعها ” بيكين ” في علاقاتها الدولية من أجل تحقيق مصالحها القومية، فقد وصف البعض في الغرب هذه الدبلوماسية في الفترة الحالية بـ “دبلوماسية الذئب المحارب” وربطها بما تعرضه السينما الصينية من أفلام حملت نفس الاسم، بمعنى أن هذه الدبلوماسية هي في جوهرها “استعراضية”!، على الرغم من أن “بيكين” قد لجأت مؤخراً إلى فرض عقوبات أفراد وكيانات اقتصادية في كلٍ من الولايات المتحدة وكندا!
وبالنظر إلى ما طرحه الوزير الصيني حول مراجعة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن، من حقنا أن نسأل ماذا تملك “الصين” من أدوات تُمكنها من مجابهة أي “فيتو أمريكي” في المجلس يمنح فلسطين أفضلية في الحقوق عن الوضع اليوم؟!
أم أن الموضوع جاء فقط كرد فعل حينما استخدمت مندوبة الولايات المتحدة قاعة المجلس لإعلان عن إنهاء “بايدن” عهد “العقوبات” التي فرضها “ترامب” ضد الفلسطينيين؟!
لو نظرنا إلى البند الثالث من المبادرة بشأن الحد من انتشار السلاح النووي، نجد أن المبادرة تحدثت فقط عن “الشريك الإيراني” ـ صاحب الشراكة الاستراتيجية الحديثة مع الصين ـ ولم تقترب بأي شكل من “السلاح النووي الإسرائيلي” التي باتت مفاعلاته “القديمة” وترسانته النووية الغير مشروعة تُشكل خطراً وجودياً على المنطقة بأسرها؛ فهل من مبرر لذلك؟!
إذا ما كانت “الصين” قد بدأت تستشعر قوتها وعظمتها في الساحة الدولية، فأين فلسطين من “طريق الحرير”، وحيث أن هناك مشاريع بين الصين و “تل أبيب”، والوصل بينهما يحتاج إلى المرور عبر فلسطين!
فما هو المقابل؟
هل من الممكن أن نرى جسراً علوياً أو نفقاً تقيمه الصين بين “الضفة وغزة”؟!
وهل من الممكن التفكير بأن الصين ستجد طريقاً للاستفادة من ميناء غزة الفلسطيني؟!
كل هذه الأسئلة مشروعة في عالم الدبلوماسية، والعلاقات الدولية القائم على المصالح!
وكما أنه من حق الصين أن توظف أي قضية لمصالحها القومية الخاصة، ففلسطين أيضاً لها الحق في بيان مصالحها الخاصة والمطالبة بها وفقاً للأعراف الدبلوماسية والدولية، والتزاما بمبدأ العدل والإنصاف الذي أوضحه السيد وزير الخارجية ” يي “!
ومن هنا نرحب بالمبادرة الصينية، وبكل مبادرة جادة تسعى إلى تقريبنا من حقوقنا الوطنية، دون المس بكرامتنا، أو الظن بأننا يمكن أن نكون إحدى أدوات الاستغلال السياسي أو التنافسي بين الفرقاء مما يضر بمكانتنا الدولية!