بقلم مفيد الديك
في البداية أنكرتم وجود كورونا وقلتم إنه مؤامرة عالمية للتآمر على العرب والمسلمين! لا أعرف لماذا يستهدف العرب والمسلمون بمؤامرة عالمية على هذا المستوى! فالعرب والمسلمون، أصدقائي، وبمنتهى الصراحة، هم أقل شعوب الأرض تقدما وإبداعا وتأثيرا في الشأن العالمي. ولكن، ماشي! ثم بدأ آباؤكم وأمهاتكم وأبناء عمومتكم وخالاتكم وأخوالكم وأعمامكم وأصدقاؤكم ومسؤولون وشخصيات عامة منكم وغيرهم من الدائرة الضيقة من حولكم يموتون الواحد بعد الآخر بسبب كورونا كل يوم. ربما اقتنعتم أن كورونا هو وباء خطير فعلا. آمل ذلك!
حقيقة الأمر أن عدد حالات الإصابة بكورونا عالميا حتى اليوم بلغ أكثر من 118 مليونا وبلغ عدد الوفيات الناجمة عنه أكثر من 2.6 مليون. وفيات الكورونا في الولايات المتحدة لوحدها – أكثر من 525,000 – وهم رقم يزيد عن عدد قتلى أميركا في الحربين العالميتين الأولى والثانية مجتمعتين. أصدقائي، هذا الوباء حقيقي، وهذا الوباء قاتل، وهذا الوباء لا يعرف الحدود، وهذا الوباء مدمر على كل الصعد – الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وغيرها. مثلا، يتوقع أن تبلغ خسائر أميركا المادية بسبب هذا الوباء أكثر من 16 تريليون (أي 16 ألف مليار دولار!!)، وهو مبلغ يمكن أن نبني به دولا بأكملها في العالم، من الألف إلى الياء. نعم نبني دولا كاملة من الشوارع إلى المدارس إلى قوات الشرطة وقوات أمن الحدود وأمن الدولة!
ثم وبعد سنة من العذاب والدمار العالمي، بدأ إنتاج والموافقة على عدة لقاحات مضادة للكورونا بنهاية العام الماضي تقريبا. اللقاحات المضادة للكورونا حاليا هي خمسة حتى الآن: لقاح فايزر، لقاح ماديرنا، لقاح جونسون أند جونسون – وهي كلها أميركية، ثم لقاح أسترازينيكا البريطاني وسبوتينك الروسي وسينو الصيني. لا أريد أن أدافع عن اللقاحين الروسي والصيني لأني وغالبية الخبراء المتخصصين في الأوبئة واللقاحات لا يعرفون الكثير عنهما صراحة. ولكن ليست هذه هي المشكلة. المشكلة في العالم العربي هي أن الكثير، الكثير في الشارع العربي، يرفض كل هذه اللقاحات. والمزعج أن هؤلاء الذين يرفضون أخذ هذه اللقاحات يستخدمون نفس المقولات الساذجة لرفضها. بعض أهم هذه الحجج الرافضة لأخذ أي من هذه اللقاحات أن الكورونا كلها “مؤامرة” وليست حقيقة، وثانيها أن هذه اللقاحات كلها تؤدي إلى حالات إمراض أكثر من كونها لقاحات تمنع الإصابة بالأعراض الشديدة للمرض! والأشد من هذه كلها “نظرية” أن هذه اللقاحات تحتوي على رقائق كمبيوترية الهدف منها “التجسس” على العرب والمسلمين!! لماذا؟؟
عدد الذين أخذوا اللقاحات في العالم اليوم زاد عن 300 مليون، وفي أميركا وحدها زاد العدد عن 70 مليونا، ناهيك عن إسرائيل التي لقحت أكثر من نصف سكانها. الذين يرفضون أخذ اللقاحات في الشارع العربي، بل ويروجون لفيديوهات ومقالات سطحية فعلا ضد اللقاحات، عليهم أن يردوا على الأسئلة التالية حتى يقنعوا أنفسهم على الأقل:
· هل يمكن للدول الغربية أن توافق على تلقيح مواطنيها، الذين هم الأهم لديها وليس كما هو الحال في الدول الإسلامية والعربية، وهي تعرف أن هذه اللقاحات ليست آمنة أو تتضمن شرائح للتجسس على مواطنيها؟
· كيف يمكن لهذه الدول أن تلقح مسؤوليها، بدءا بالبلطجي دونالد ترامب وانتهاء بالرئيس جو بايدن ونائبته وعائلتيها، باللقاحات الأميركية التي كانت متوفرة آنئذ وهي لقاحات فايزر؟؟
· هل يمكن لهذه الدول كأميركا وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل والعشرات غيرها أن تلقح خبراءها الصحيين بهذه اللقاحات أولا لو كانت تعرف أن هذه اللقاحات ستؤدي إلى قتل كل هؤلاء أو الإساءة إليهم؟ دول كهذه تقتل أفراد جدار الحماية الأول في مجتمعاتها، أي الطواقم الصحية والطبية؟؟ هل هذا معقول؟؟
· هل يعقل لهذه الدول أن تلقح جيوشها بهذا اللقاحات التي هي تعرف أنها ستؤدي إلى قتل مئات الآلاف من أفرادها؟؟ معقول؟؟
· هل يمكن أن تتفق الصين وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة كلها معا على “ابتداع” وباء ثم ابتداع لقاح مخصص لقتل المسلمين أو العرب او التجسس عليهم؟؟؟ لماذا يقومون بقتل هذه الشعوب التي لا حول ولا قوة لها في العالم اليوم؟؟ أصدقائي، يجب الاعتراف بأن تأثير الشعوب العربية والإسلامية في عالم القرن الواحد والعشرين، وللأسف، هو صفر. نعم صفر. إذن، لماذا هذا الاهتمام الاستثنائي بهذه الكم المهمل من العرب والمسلمين من قبل الشرق والغرب معا؟؟
· إذا كانت هذه الدول “الهمجية”، الغربية والشرقية، كلها مجتمعة، قد تآمرت على العرب والمسلمين، فلماذا لم يقم علماء العرب والمسلمين العظام بابتكار لقاح “للعرب والمسلمين”، لقاح “حلال” فقط للعرب والمسلمين يحميهم من تغول الغرب والشرق عليهم؟
· حين يذهب الواحد منكم إلى الصيدلية في أي بلد عربي أو إسلامي، هل يبحث خصيصا عن عقار أو دواء مصنع محليا أم يبحث عن دواء أميركي أو بريطاني أو ألماني، أو حتى إسرائيلي كما أصبح دارجا في أسواق بعض الدول العربية والإسلامية؟؟ الجواب واضح ولا داعي للرد عليه.
· ألا تأخذون كلكم أولادكم وبناتكم للعيادات لأخذ اللقاحات المصنعة كلها، نعم، كلها في الغرب، للوقاية من أوبئة قديمة مثل التيفوئيد وشلل الأطفال والحصبة والكوليرا وغيرها؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا كل هذه اللقاحات شافية أم لقاحات الكورونا فأمر مختلف؟؟
· كيف يمكنكم المحاججة بأن هذه اللقاحات المضادة لكورونا يمكن أن تكون ضارة أو مسيئة أو تتضمن شرائح للتجسس عليكم بعد أن فحصتها أفضل العقول في العالم الغربي وأقرت بفعاليتها وفوضت باستعمالها لشعوب دول العالم؟؟
أصدقائي، الكورونا وباء عالمي فتاك وجسور جدا دمر العالم فعلا، وأملنا الوحيد للخروج منه هو أخذ أي من اللقاحات الخمسة المتوفرة حاليا ضده لاستعادة نوع من حياتنا الاجتماعية واقتصاداتنا وتعليمنا، بل وحتى حياتنا العاطفية. هذه اللقاحات هي أفضل وقاية لنا لكي نستطيع من جديد عيش حياتنا بشيء من الطبيعية. وإذا لم يتمكن أي مجتمع من تلقيح ما بين 80-90 بالمئة من مواطنيه بواحد من هذه اللقاحات، فإننا سنظل نعيش مع هذا الوباء المدمر لسنوات طويلة قادمة. أيرضيكم أن تكونوا من النسبة القليلة التي تبقى أرضا خصبة لهذا الوباء، وهو ما يعني أن تبقى مجتمعاتكم مريضة بهذا الوباء بسبب أنكم حصلتم على معلومات من “إبن خالتي” بان هذا اللقاح غير مفيد؟؟ عيب وحرام ومش معقول!