انتقال السلطة فی أمریکا ورسالته إلى منطقة غرب آسیا وشمال أفریقیا
السفیر ناصر کنعانی
رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة – مصر
رحل ترامب ولکن إرثه المشؤوم بقى، لیس للحکومة الأمریکیة الجدیدة وحسب بل للشعب الأمریکی ومکانة أمریکا العالمیة، لقد أورثهم دولة مُحقرة ومثیرة للشفقة، ومن الآن فصاعدًا سوف یعانی الهیکل المجتمعی والثقافی الأمریکی من حالة الاستقطاب الترامبیة، ولقد أنکشف أمام العالم کله حقیقة الدیمقراطیة الأمریکیة وکذلک حالة الشقاق فی المجتمع الأمریکی، من خلال النزاع الدائر بین الحزبین الدیمقراطی والجمهوری على سیر العملیة الإنتخابیة ونتیجتها وصولاً إلى اقتحام الکونجرس من قبل مؤیدی ترامب-والذی یعبر عنه البعض بإنه إنقلاب ترامب على الدیمقراطیة فی أمریکا-. ومن المستبعد کما یبدو أن تستطیع الحکومة الأمریکیة الجدیدة ترمیم هذا الشقاق والتصدع الحاصل فی المجتمع الأمریکی. و لو افترضنا أن الحکومة الأمریکیة الجدیدة ورئیسها یتسمون بمزیدٍ من العقلانیة عن ترامب وتعلموا من عواقب السیاسات غیر الحکیمة التی مارسها، فسوف تضع على رأس أولویاتها موضوعات مهمة تتمثل فی معالجة أفول قوة أمریکا الإقتصادیة وتعمق أزماتها وشروخها الإجتماعیة الداخلیة، وإدارة العلاقات الأمریکیة الأوربیة المتأزمة وکذلک تحجیم الصین المتوقع لإقتصادها أن یکون الأول فی العالم عما قریب، ومع وضع هذه القضایا کأولویة للحکومة الأمریکیة الجدیدة فسوف تکون قضایا غرب آسیا وشمال أفریقیا وبالتالی دعم الکیان الصهیونی وبقیة الحلفاء المقربین ضمن القضایا الهامة ولیست ضمن الأولویات الأمریکیة، وستنحصر السیاسات الأمریکیة على إدارة هذه الملفات فقط. حیث یرى کثیر من أصحاب الرأی والمحللین ومؤسسات الاستطلاع الأمریکیة والدولیة أن نجم أمریکا فی طریقه إلى الأفول ولن تجدی نفعاً التجارب السابقة لأمریکا فی علاج أزماتها وتحدیاتها فی تحسین الوضع الحالی، وعلى أفضل تقدیر فإن الإدارة العاقلة لهذه الأزمات ستعمل فقط على تبطیئ سرعة تفاقمها ولیس حلها. یرى بعض المحللین الدولیین البارزین أن قوى التفوق العالمیة ستتحول من الغرب للشرق وأن النظام العالمی یتحرک نحو “التغییر” و “انتشار القوة” على مستوى الأقطاب الجیوسیاسیة المختلفة، کما یرى عدد کبیر من أصحاب الرأی الدولیین المعروفین فی الداخل الأمریکی أمثال “فرید زکریا” والمؤسسات البارزة کـ “بروکینکز” أن “السقوط الغیر قابل للعودة” لمکانة أمریکا العالمیة قد بدأ بالفعل وأن العالم یتجه نحو عصر “ما بعد أمریکا”. لم یتوقف الأمر عند هذا الحد بل نرى أن “مجلس الاستخبارات الوطنی” الأمریکی بصفته أهم مرکز استخباراتی یقوم بتقییم وتوقع التحدیات التی ستواجهها أمریکا على الصعید المحلی والدولی، قد توقع أن أمریکا بحلول عام 2025م ستبقى کما هی کقوة دولیة ولکن هیمنتها ستتبدد. وفی هذا الصدد یبدو أن انتظار اوروبا أن تستعید أمریکا دورها البناء والمحوری فی القضایا الدولیة مجرد أمنیة سیکون من الصعب تحقیقها. فمع رحیل ترامب ووزیر خارجیته المثیر للجدل والحقود، سوف تنخفض السلوکیات المخربة الأمریکیة فی الآلیات المشترکة سواء الأطلنطیة أو ما وراء الأطلنطیة أو المشارکات الدولیة، ولکن لن تکون أمریکا کسابق عهدها قوة عالمیة عظمى ذات هیمنة تستطیع أن تقوم بدورها المحوری فی القضایا والمشکلات التی ینتظر حلفاءها الأوربیین مشارکتها فیها.
بدیهیاً، أمریکا لم تعد “عُمدة القریة العالمیة” وعلى الرغم من تمتع هذا العُمدة بالإحترام من قبل أهل القریة إلا أنه مضطرًا لترکیز مجهوداته على ترتیب أوضاع بیته.
إن فی عملیة انتقال السلطة الأمریکیة فی ظل ما تعانیة أمریکا من تحدیات داخلیة وخارجیة رسالة إلى غرب آسیا وشمال أفریقیا ولکن ماهی هذه الرسالة ؟ یبدو أن عملیة الاعتماد على أمریکا بصفتها شریکًا إستراتیجیًا ومصممًا ومهندسًا للتغیرات الإقلیمیة سوف تفقد فعالیتها وموضوعیتها أکثر من أی وقت مضى، ویجب على شرکاء أمریکا الإقلیمیین أن یتفکروا فی ذاتهم الوطنیة والإقلیمیة ویفکروا فی الخروج تدریجیاً من تحت المظلة السیاسیة والأمنیة والاقتصادیة الأمریکیة، وینطبق هذا الموضوع على ملف أزمات منطقة غرب آسیا وشمال أفریقیا أیضًا، کما یبدو أن انتظار بعض الشرکاء الإقلیمیین من أمریکا فی أن تلعب دورًا مؤثرًا ومفصلیًا فی أزمات المنطقة هو انتظار فی غیر محله، بل الحقیقة أن أمریکا هی من تنتظر من شرکاءها أن یتفهموا وضعها وأن یتوقفوا عن ممارسة السلوکیات المغامرة التی لا یمکن السیطرة علیها ویتجنبوا اختلاق توترات جدیدة./