بقلم: مفيد الديك
إعلامى ودبلوماسى أمريكى سابق
اليوم صوت مجلس النواب الأميركي بتقديم دونالد ترامب لمحاكمة برلمانية للمرة الثانية خلال فترته الرئاسية الوحيدة، وهي ما ستكون المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الأميركية. وجاء هذا التصويت بعد الهجوم الدامي الذي شنه أتباع دونالد ترامب من الهمج والمتطرفين وقطاع الطرق المسلحين التابعين لهذا الرجل على حصن الديمقراطية الأميركية، الكونغرس الأميركي يوم 6 من الشهر الجاري. هذا الرجل حرض هؤلاء الأتباع المتطرفين والبلطجية بالهجوم على الكونغرس الأميركي في اليوم الذي كان يقوم فيه الكونغرس الأميركي بمجلسيه، النواب والشيوخ، بالتصديق الأخير على شرعية انتخاب الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن ونائبة الرئيس المنتخبة كاميلا هاريس. وجاء هذا الهجوم، الذي أدى إلى مقتل ستة أشخاص، بمن فيهم أحد شرطة الكونغرس، في الوقت الذي كان فيه ممثلو الشعب الأميركي الـ 538، أي جميع أعضاء مجلس النواب الـ 435 والـ 100 عضو في مجلس الشيوخ، ونائبه ترامب مايك بنس ونائبة الرئيس المنتخبة كاميلا هاريس التي حضرت تلك الجلسة بصفتها عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا.
ما قام به ترامب عبر أتباعه الخارجين على القانون هو عمل شنيع يندى له جبين كل الأميركيين الشرفاء، وما أكثرهم. هذا الرجل بفعلته الشنيعة تلك أراد أن يربك المشهد ويؤجل أو يلغي جلسة مجلسي الكونغرس للتصديق الروتيني على فوز بايدن وهاريس في الانتخابات الأميركية الرئاسية يوم 3 نوفمبر الماضي، التي فاز فيها بايدن وهاريس بوضوح – 306 أصوات في المجمع الانتخابي وبأكثر من 7 ملايين من الأصوات الشعبية. ما قام به ترامب هو لا أقل من انقلاب على شاكلة ما يقوم به الزعماء الديكتاتوريون في بعض دول العالم الثالث. يا للعار! هذا الرجل حض وحرض وشجع مجموعة من الغوغاء المسلحين الذين دعاهم إلى شوارع العاصمة واشنطن ليقوموا بما قاموا به من أفعال شنيعة وإرهابية ضد كل الشعب الأميركي – فقد هاجموا ممثلي كل الشعب الأميركي الـ 538 في الكونغرس. ما قام به هذا الرجل لم يقم به أحد في تاريخ الجمهورية الأميركية. الكونغرس الأميركي لم يهاجم في تاريخه قبل يوم 6 الجاري إلا على يد القوات البريطانية في العام 1812 حين كان البريطانيون لا يزالون يحتلون غالبية أراضي الجمهورية الأميركية.
منذ اليوم الأول لرئاسته، لم يكن هذا الرجل مؤهلا ليكون رئيس الولايات المتحدة، أعظم وأقدم ديمقراطية ليبرالية في التاريخ البشري. وهو وصل إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة في غفلة من الزمن ولأسباب لا يتسع شرحها حاليا، ولكنه لم يكن يصلح أبدا ليتبوأ هذا المنصب. ولكن هذه هي لعبة الديمقراطية، فهي تأتي إليك بنتائج قد لا ترتاح لها. ولكن هذا الرجل لا يصلح لرئاسة بلدية صغيرة في الولايات المتحدة، ناهيك عن سدة الحكم في أعظم ديمقراطية في تاريخ البشرية.
هذا الرجل الذي حرض أتباعه على مهاجمة الكونغرس الأميركي – وعرض بذلك حياة نائبه مايك ينس الذي كان الأكثر إخلاصا له على مدى الأربع سنوات الماضية، وحياة نائبة الرئيس المنتخب هاريس ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيس الأغلبية الجمهورية ميتش مكونيل، يجب أن يذهب إلى السجن. لا نقاش في ذلك. وأولئك الذين يعترضون على ذلك حتى بعد ما قام به يوم 6 الجاري، يجب أن يذهبوا معه إلى حيث يستحقون – السجن ولا أقل من ذلك.
قد يقول قائل، ولكن لماذا المحاكمة البرلمانية التي تأتي قبل أسبوع من خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض. الجواب على ذلك هو أن على الكونغرس أن يقوم بواجبه، أي أن يسائل ساكن البيت الأبيض عن أي مخالفة للدستور الأميركي. ليس هناك أكبر من التحريض على مهاجمة حصن الديمقراطية الأميركية عبر مجموعة من البلطجية وقطاع الطرق والزعران المسلحين لتبرير استخدام المحاكمة البرلمانية لإزاحة هذا الرجل الذي يسكن في البيت الأبيض حاليا، دونالد جي ترامب. كل يوم يبقى فيه هذا الرجل في البيت الأبيض هو مصدر خطر داهم للمواطنين الأميركيين والديمقراطية الأميركية التي أقسم دونالد ترامب على حمايتها وحماية أمن المواطنين الأميركيين حين تسلم ترامب هذا المنصب في شهر يناير 2017.
لا يجب أن يقوم الكونغرس بعزل هذا الرجل من منصبه فحسب، بل يجب عليه أن يمنعه من تبوء أي منصب/أي منصب منتخب في الولايات المتحدة ما زال حيا. هذا رجل خطير لا على الولايات المتحدة وديمقراطيتها فحسب، بل وعلى أمن العالم كله. رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي كانت محقة في الاتصال الأسبوع الماضي برئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة لتسأله عن أمان استخدام الأسلحة النووية الأميركية التي لا زالت في عهدة دونالد ترامب بصفته رئيسا، وللأسف! المطمئن أن ذلك الرجل أكد لبيلوسي أن الأسلحة النووية في مأمن وأن ترامب لا يستطيع شن هجوم نووي من دون رقابة من عدد من الأشخاص الذين يتولون حماية وأمن هذه الأسلحة الفتاكة. هذا الرجل لا أئتمنه شخصيا على أمان قطتي الصغيرة، ناهيك عن الترسانة النووية الهائلة للولايات المتحدة.
هذا الرجل الساكن في البيت الأبيض ذهب إلى الجمهور الأميركي يوم 3 نوفمبر الماضي – يوم الانتخابات الرئاسية – ورفضه الجمهور بنسب مقنعة، ثم ذهب إلى المحاكم الأميركية، التي رفضت أكثر من 60 قضية رفعتها حملته الانتخابية، ثم حط من قدر منصبه – هو شخصيا لا قدر له – وبدأ بالاتصال شخصيا بمسؤولي الانتخابات الخفيضي المستوى في الولايات الخمسين. ولكن كل هؤلاء، بمن فيهم مسؤولون جمهوريون شرفاء، رفضوا دعواته الشاذة. ثم ذهب إلى المحاكم بما فيها المحكمة العليا، التي عين ثلاثة من أعضائها في فترة رئاسته، ولكنها كلها رفضت دعاواه. السبب أن دعاوى هذا الرئيس ليست قائمة على أي أساس قانوني. ثم ذهب إلى الشارع والغوغاء لاستخراج أسوأ ما في أميركا لتقف معه ضد انتخابات أميركية نزيهة ومشروعة.
لكن ترامب سيهزم وسيخرج من البيت الأبيض يوم 20 من الشهر الجاري مذلولا، مهينا، صغيرا، كما هو دائما أمام الديمقراطية الأميركية العظيمة. هذا البلد العظيم بتمثال حريته في جزيرة إليس في نيويورك سيظل كبيرا وعظيما وسيتجاوز رجلا صغيرا، قميئا، محتالا، نرجسيا، بلطجيا وسخيفا كدونالد ترامب. ورغم ما قام به هذا الرجل من محاولات لتدمير مؤسسات الديمقراطية الأميركية العظيمة على مدى سنواته الأربع العجاف، ستبقى الجمهورية والديمقراطية الأميركية حية، ونابضة بالحياة. فليهزأ هذا القميء ويذهب هو وأتباعه إلى مزبلة التاريخ. هذا الرجل القميء وأتباعه من كارهي الديمقراطية لا يستحقون أقل من ذلك.