قمة بروكسل والاختبار الصعب والعقوبات الاوروبية ضد تركيا
عبدالله مصطفى
قمة بروكسل التي تجمع قادة دول الاتحاد الاوروبي الـ 27 يومي الخميس والجمعه ، تشكل اختبارا صعبا للقادة امام الراي العام الاوروبي وخاصة ان القمة تبحث في ملفات تشغل بال الاوروبيين في ظل التطورات التي عرفتها الاشهر الماضية وعدم القدرة على اتخاذ القرار في ظل وجود تباين في المواقف بشأن الموضوعات المطروحة ، ولعل ابرز الملفات المطروحة ملف العلاقات مع تركيا.
ورغم ان هذا الملف مطروح على اجندة النقاش منذ النصف الاول من العام الجاري ، بناء على طلب من اليونان وقبرص بسبب ممارسات انقره في شرق البحر المتوسط ، بحثا عن مصادر الطاقة ، وهي الممارسات التي وصفها التكتل الاوروبي الموحد بانها غير قانونية.
وربما يرى البعض ان مكانة قبرص واليونان كدول صغيرة لاتستطيع ان تؤثر بشكل كبير على القرار الاوروبي وليست على نفس درجة الاهمية مثل دول كبرى في الاتحاد ومنها فرنسا والمانيا، الا ان التيارات الشعبوية والمناهضة للمشروع الاوروبي الموحد سوف تستغل الفرصة في حال عدم ارضاء قبرص واليونان وعدم تقديم الدعم المطلوب لهما من خلال عقوبات على انقره، فان التيارات الشعبوية سوف تروج من جديد لفكرة الخروج من عضوية الاتحاد على غرار ماحدث مع بريطانيا، في محاولة لفرط عقد التكتل الموحد، لانه في حال غضبت اليونان وقبرص والدول التي تدعمهما بقوة ، واتخذوا قرارا بالخروج من الاتحاد الذي فشل في حماية مصالح دوله الاعضاء، سيكون من وجهة نظر البعض من المراقبين بداية لسلسلة قرارات بترك عضوية الاتحاد الاوروبي. وهناك دول اوروبية تعارض عقوبات ضد انقره من منطلق الحرص على مصالح الاتحاد المتمثلة في التعاون مع تركيا لمواجهة تدفق المهاجرين واللاجئين من مناطق الصراعات ، وهذا الموقف تبنته المانيا طوال الفترة الماضية ، في ظل قيادة فرنسا لفريق اخر يدفع بقوة اتجاه فرض عقوبات.
وعرفت الايام الاخيرة تصريحات لوزراء خارجية الاتحاد عبروا فيها عن شعورهم بخيبة الأمل نتيجة عدم استجابة تركيا للأجندة الإيجابية التي اقترحوها لقلب المعادلة والتحرك نحو علاقات بناءة، محملين أنقرة “المسؤولية كاملة” عن فشل جهود الوساطة الألمانية وطلبوا من أنقرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي التوقف عن التنقيب في المياه المتنازع عليها شرقي البحر المتوسط. وترى بلدان الاتحاد الأوروبي أن تركيا لا تلبي توقعاتها فيما يخص الوضع شرق المتوسط، ويتقدمون لها ببعض المطالب فيما يخص جزيرة قبرص، وإقليم “قره باغ” الأذربيجاني، وليبيا وسوريا . وأكد المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن التصرفات التركية لا تزال تسير بعكس توقعات بروكسل وأن تقييم الاخيرة للتصرفات التركية “ليس ايجابياً”. وكان بوريل يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقده افي بروكسل بعد انتهاء اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد، الاثنين الماضي و تمت فيه مناقشة التصرفات التركية خلال الأشهر الأخيرة وآفاق التعامل المستقبلي مع أنقرة في ظل استمرار استفزازاتها في المتوسط.وأشار بوريل أن الوزراء ناقشوا بشكل معمق التصرفات التركية، حيث “أقر الجميع أن التصرفات التركية لم تتحسن وأن الوضع تدهور”.
وعقب الاجتماع قدم كل وزير خارجية تقريراً عن مناقشات الاجتماع الوزاري لرئيس أو رئيس حكومة بلاده تحضيراً للقمة لاتخاذ القرار بشأن التعامل مع تركيا.ولم يقدم بوريل أن تفاصيل عن الإجراءات المنتظر إقرارها تجاه تركيا من قبل الزعماء، مكتفياً بالتأكيد على أن الوقت لا زال متاحاً للدبلوماسية لحل الخلافات عبر الحوار. واعاد المتحدث باسم بوريل في تصريحات اخرى التأكيد على ان كل الخيارات مطروحة امام قادة الاتحاد.
وجاءت تلك التصريحات بعد ان عبر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، عن أسفه لاستمرار تركيا في الدفع بالعلاقة مع التكتل الموحد بالاتجاه “السلبي”، رغم “العروض الإيجابية” المقدمة من قبل بروكسل.واعتبر ميشيل أن على تركيا التعامل بإيجابية مع الاتحاد، حيث “يجب أن تتوقف لعبة القط والفأر التي تلعبها أنقرة حالياً”، وفق كلامه.وأعاد رئيس الاتحاد الأوروبي التذكير بأن بروكسل اقترحت اجندة إيجابية على تركيا في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تتضمن تعزيز العلاقات في مجالات الاقتصاد، الطاقة والهجرة وغيرها.واكد ميشيل أن مسؤولي الاتحاد يرون أن تركيا تسير حالياً بعكس الاتجاه المرغوب، وقال “نحن نريد جميعاً أن نقيم علاقات متوازنة وجيدة مع تركيا بشرط وقف استفزازاتها وانتهاكاتها للقانون الدولي ولكنها لم تستجب”.
ويري العديد من المراقبين هنا في بروكسل ان تلك التصريحات جاءت بمثابة رسائل واضحة وقوية للجانب التركي للتراجع عن سياساته ووقف الاستفزازات زالسؤال المطروح حاليا هو من سينتصر في نهاية القمة ، الفريق الذي تقوده فرنسا المؤيد لفرض عقوبات ام ستنجح محاولات المانيا من تفادي فرض العقوبات او على الاقل التخفيف من درجة العقوبات ام ستكون هناك فرصة اخرى وايضا اخيرة لكي تتراجع انقره عن ممارستها الاستفزازاية في شرق المتوسط والاجابة ستكون في قرارات القمة التي ستصدر بعد ظهر الجمعة.