أي عودة للمفاوضات؟!
بقلم: أحمد طه الغندور
عاد الحديث في الأيام القليلة الماضية عن العودة إلى المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وربما يُعتبر هذا الحديث نوعاً من التمهيد السياسي لقدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، فالكل الأن يخطب ودها!
وقد جاء على لسان وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” أثناء لقائه مع “غابي اشكنازي” الوزير الإسرائيلي يوم الخميس الماضي على “جسر الملك حسين”؛ قوله: “ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات”، وجميل فعل بأن ربط تلك العودة بأن تكون “على أساس القانون الدولي لإيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام العادل على أساس هذا الحل”.
كما أشارت التقارير الصحفية، إلى أن ملك البحرين، “حمد بن عيسى”، اقترح استضافة قمة فلسطينية ـ إسرائيلية لاستئناف المفاوضات بين الجانبين في المنامة، وذلك خلال اجتماعه مع ملك الأردن، وولي عهد الإمارات.
لكن السؤال الجوهري يبقي عن أي عودة للمفاوضات ستكون في ظل الإدارة القادمة؟ وفي ظل الأوضاع العالمية السائدة؛ سياسياً، واقتصادياً، وصحياً، والتي تفرض نفسها على أجندتها؟!
في أفضل السيناريوهات بالنسبة لـ ” القضية الفلسطينية ” فإن غاية ما ستعمل عليه الإدارة الأمريكية الجديدة هو جزء من استراتيجية “إدارة الصراع” بين الطرفين الفلسطيني و “الإسرائيلي” فهي لا تملك حله ـ على الأقل في فترة الأربع سنوات القادمة!
إذا أضفنا لذلك أن تعاطي بعض الدول العربية مع القضية في الوقت الحالي، يأتي لتحسين صورتها لدى الإدارة الجديدة بعد “تورطها” مع “ترامب” في الفترة السابقة، لذلك فهي تدعي “وصلاً بليلى”، بينما هي ستحاول خدمة “ناتنياهو” و “الاحتلال”، فكيف ذلك؟!
إذا أدركنا هذه الفرضيات، يكون من السهل علينا التكهن بما قد يحمله النصف الثاني من السنة القادمة فيما يخص الشأن الفلسطيني!
من المعقول أن نشهد تقدم في العلاقات بين فلسطين وإدارة “بايدن”، وهنا أدعو الفلسطينيين إلى البحث عن أصدقاء داخل هذه الإدارة، فإن الدبلوماسية أول ما تُبنى هذه الأيام على “العلاقات الشخصية” قبل المصالح!
فقد تأتي الإدارة الجديدة ببعض الإجراءات المشجعة للفلسطينيين؛ بعد عقد “مؤتمر احتفالي” للسلام في إحدى العواصم العربية للتعبير عن رغبتها في التغيير وإعادة الأمل لمسار التسوية، والشروع بخطوات مثل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في أطراف القدس، لكن لا عودة في قرار “نقل السفارة إلى القدس”، وربما السماح بعودة ممثل “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى واشنطن، وتقديم بعض المساعدات المالية لمؤسسات صحية، أو اجتماعية تُعنى بها “الولايات المتحدة”، وبالطبع جهات “أمنية” ما دامت تقوم بإلتزاماتها وفق “اتفاق أوسلو”، مع بعض الانتقادات الأمريكية للاستيطان، وخروقات حقوق الإنسان من قِبل سلطات الاحتلال دون خطوات جدية لوقفها، وإنما الهدف هو منع انهيار السلطة!
وعلى الجانب الأخر من المعادلة؛ هناك الدول العربية التي ستنهي الخلافات البينية القائمة بين حكامها، وتفتح باب التنافس بينها “خدمة للاحتلال” بالمزيد من التطبيع ـ السري والعلني ـ والسعي لإقناع “حماس” على وقف المقاومة “المسلحة” أولاً ثم كافة الصور الأخرى مهما كانت “ناعمة”، مقابل الاعتراف، والمال، ورفع جزئي للحصار المفروض على القطاع، في تصور أن ذلك يأتي تماشياً مع رغبة الإدارة الجديدة التي ورثت سياسة الحوار مع “حركة الإخوان” من إدارة “أوباما”!
والمقصد من طرفي المعادلة، إدارة الصراع لمزيد من الوقت، دون انهيار أي طرف، أو تمكينه من الخروج من أي مأزق يعاني منه، أو تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام ـ وهذا بالنسبة للفلسطينيين ـ أما بالنسبة لـ “الاحتلال” فهو يمنحه مزيداً من الوقت لمزيد من “الانتصار” والانتشار، أو تأتي “حكومة إسرائيلية” ترغب حقيقة في السلام، وهذا خلافاً للمعطيات في المجتمع الإسرائيلي!
لكن ماذا لو كان هذا “السيناريو” خاطئ، وأن هناك مفاوضات جادة قادمة، فما هو المطلوب فلسطينياً؟!
هناك الكثير؛ لما يمكن أن يُطرح في هذا الشأن، والذي قد يحتاج إلى مقال أو أكثر، ولكن تكفي الأن الملاحظات التالية:
- قد يكون من المجدي فلسطينياً، أن ندرك بأن “مفاوضات أوسلو” انتهت ـ من غير رجعة ـ واقعاً وقانوناً، فلسطين الأن دولة “مراقب” في الأمم المتحدة، تحظى باعتراف غالبية دول العالم، وعضو في العديد من المؤسسات والمعاهدات الدولية، ويمكنها التوجه للقضاء الدولي!
- أن الإجراءات الأحادية لـ “الاحتلال” والخروقات بكل صورها لا تخلق وقائع مشروعة يُعتد بها قانوناً، بل هي مخالفات وجرائم سيتم محاسبته عليها، ولا حصانة من عقابها!
- أن لا مجال للتعامل بـ “المرحلية” في الحلول ـ جميع الفترات ذات المرحل انقضت ـ، والمسألة عادت إلى طبيعتها الأولى؛ حدود وحقوق، وتخضع لكافة القرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن منذ العام 1947 ولا شيء يناقض ذلك.
- المفاوضات هي مهمة الحكومة، ولكنها بحاجة إلى الإسناد الشعبي، لذلك علينا أن نعتبرها سبباً أخر للوحدة، وإنهاء الانقسام.
- ترك المفاوضات لدائرة مهما بلغ شأنها أمر غير “صحي” وغير “صحيح”، لذلك لا يجب أن يزيد دورها عن “سكرتاريا” تقدم الخدمات اللوجستية، وتقوم بالتنسيق والتشبيك بين طواقم المفاوضات، والخبراء الوطنيين والأجانب.
- ليس هناك “سوبر مفاوض” يفاوض نيابة عن فلسطين في كل المجالات، قد يكون “ممثل حكومي” في الجلسات الافتتاحية، ويترك الأمر للمختصين ليقوموا بأدوارهم التي يجيدونها، وعلى السياسيين الاستماع إلى أراء الخبراء ويحترمونها، فليس الخبير أو المستشار “كردت كارد” ـ بطاقة اعتماد ـ تستخدم عند الحاجة، بل على السياسي أن يعلم أن إساءة استخدامها خارج الشروط يضر به شخصياً!
- توزيع المهمات، والاستعانة بالخبراء والطاقات الفلسطينية من أبناء فلسطين من كافة ألوان الطيف السياسي، وفي كافة أماكن تواجدهم واجب وطني، يستدعي أن يكون لدى الحكومة، والفصائل بنك معلومات للكفاءات الفلسطينية ليسهل الاستفادة منها!
أخيرا؛ لا يجب أن “نضع البيض كله في سلةٍ واحدة”، فالأفاق السياسية واضحة، والنوايا والإمكانيات واضحة، ومن الضروري أن نعمل على حسن توظيف قدراتنا دون أن نلغي أياً منها، فكل شيء في سبيل تحرير الوطن مسموح بل ضروري!