قري رائدة فى مواجهة الفقر.. “مصر والصين نموذجاً”
أحمد سلام
مستشار إعلامي وخبير بالشأن الصيني
التخلص من الفقر يُعد أحد الأهداف المشتركة في التجربة التنموية لكل من مصر والصين، فقد تشابهت إلى حد كبير رؤى كلتا الدولتين لحل تلك المشكلة. فبالنظر إلى رؤية “مصر 2030″، وهي الأجندة الوطنية التي أُطلقت في فبراير 2016 لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وتم تحديثها مع بداية عام 2018، نجد أنها تركز في المقام الأول على الارتقاء بمستوى معيشة المواطن في مختلف نواحي الحياة، والعمل على الحد من الفقر بجميع أشكاله والقضاء على الجوع، وتوفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، وتعزيز الإتاحة وتحسين جودة الخدمات الأساسية، وإثراء الحياة الثقافية، علاوة على تطوير البنية التحتية الرقمية، وجميعها تصب في خدمة هدف مكافحة الفقر في مصر.
وفي إطار تلك الرؤية، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي العديد من المبادرات بهدف الحد من الفقر بجميع أشكاله، ومنها برنامج (تكافل وكرامة) للتحويلات النقدية المشروطة للأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً وكفالة حقوق أطفالها الصحية والتعليمية، والذي قدم الدعم المالي لنحو 3.6 مليون أسرة بواقع 14.3 مليون فرد. وكذلك مبادرة “حياة كريمة” لتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى المناطق الأكثر احتياجاً. كما بذلت مصر مجهوداً كبيراً فى القضاء على العشوائيات كأحد آليات الحد من الفقر متعدد الأبعاد، حيث دشنت مشروع مدينة الأسمرات بالقاهرة، ومشروع بشاير الخير بالإسكندرية.
وبهدف مواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا، أطلقت مصر مبادرة “نتشارك هنعدي الأزمة” من قبل صندوق “تحيا مصر” لدعم العمالة غير المنتظمة، كما تقوم الدولة بتقديم خدمات الحماية الاجتماعية للمواطنين والأسر الفقيرة، ومنها المساعدات النقدية المشروطة، وإعانات التعليم والبطالة، ومعاشات لكبار السن والمعاقين، فضلاً عن توفير فرص العمل والقروض الصغيرة.
وعلى الجانب المقابل، فإن النجاح الكبير للصين في الحد من الفقر ما كان ليتحقق بمعزل عن الخطط الدقيقة والقرارات المدروسة لتلك المشكلة. فعلى سبيل المثال، نجد أن الخطة الخمسية الـ 13 للصين والتي تنتهي بنهاية العام الجاري، ركزت على تحقيق أهم الأهداف الصينية على مر التاريخ، والمتمثلة في القضاء التام على الفقر المدقع، حيث عملت الحكومة الصينية خلال السنوات الأخيرة على تطبيق العديد من الخطط لتحقيق هذا الهدف. وطبقت خطط نموذجية لإنشاء أراضي زراعية عالية الجودة، وكذلك رصدت مبالغ ضخمة من أجل إخراج السكان من الحياة “الفقيرة البائسة” إلى حياة تقوم على مصادر ملموسة لمداخيل كافة السكان في الصين، ثم قامت الحكومة الصينية بمواصلة متابعة المشاريع الصغرى والمتوسطة والخاصة في المناطق الريفية ودعمها، علاوة على قيامها بتقديم العديد من الحوافز للفلاحين لتشجيعهم على الاستغلال الجيد لأراضيهم.
* قرى مصرية وصينية
وبفضل الخطط التي وضعتها الدولتان، تخلصت الكثير من القرى المصرية والصينية من الفقر الذي عانى منه سكانها، ونرصد فيما يلي نماذج مشتركة لتلك القرى:
* قرية نجع عون
نجح سكان قرية “نجع عون” بمحافظة البحيرة، شمال مصر، في التخلص من الفقر والقضاء على البطالة خلال خمس سنوات عن طريق زراعة الخضروات العضوية على أسطح منازلهم. حيث كانت القرية إحدى أفقر المناطق في مصر، وكان معدل البطالة فيها حوالي 90%.
وخلال محاولتهم للتخلص من الفقر، تبنى سكان القرية أفكاراً خارج الصندوق، بالزراعة العضوية على أسطح منازلهم، حيث ساعدتهم أجهزة الدولة بتوفير قروض صغيرة لهم لاستبدال أسطح منازلهم المتهالكة المبنية من القش بأسطح مبنية بالخرسانة والعزل، كما وفرت لهم الثلاجات لحفظ منتجاتهم. وكان لإصرار أهالي القرية على النجاح أثره الإيجابي في خفض معدلات البطالة بالقرية من 90% إلى أقل من 5% خلال خمس سنوات.
* قرية بيهمو
تشتهر قرية “بيهمو” إحدى قرى محافظة الفيوم بصناعة التمور والخوص والملابس الجاهزة، وتم تمويل أكثر من 4400 مشروع بها بمبلغ 18.73 مليون جنيه، وفرت ما يقرب من 5000 فرصة عمل، وتدريب عدد كبير من السيدات على كيفية إعداد خطة عمل مشروع صغير حسب الصناعة التي تشتهر بها القرية، وتم منحهم تمويلا من خلال جهاز تنمية المشروعات المصري، وأصبح بالقرية مصنعاً للتمور تم تطويره ليواكب روح العصر من تطورات في هذا المجال وأحدث وسائل التصدير.
* قرية الشخلوبة
قرية “الشخلوبة” هي إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، وتعتبر من أوائل القرى التي لا تعرف البطالة، يعمل أهلها في مهنة صيد الأسماك من البحر والبحيرات، وتم دعمهم من خلال الحكومة المحلية بالمبردات والثلاجات. وتعتبر هذه المهنة مصدر رزقهم الوحيد، خاصة وأن القرية تقع على ضفاف البحر من الجانبين. وقد تخلص عدد كبير من سكانها من الفقر .
نخلص من خلال النماذج السابقة، إلى أن تبني فكرة «القرية المنتجة» من خلال برامج مدروسة بعناية فائقة وخبرة كافية يمكن أن يؤتي ثماره، خاصة وأن مقومات القرية المنتجة متوفرة في مصر وتحتاج إلى من يستكشفها ويُحسن تنظيمها وإدارتها. ويجب وضع آليات النهوض بالقرية والتعرف على المقومات التنموية الموجودة بالقرية وتعظيم الاستفادة من المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بهدف خلق فرص عمل للشباب، مع عقد دورات تدريبية لهم وحثهم على العمل في القطاع الخاص والمهن الحرة ومعالجة أسباب عزوف الشباب عن العمل الحرفي وتغيير نظرة المجتمع لأصحاب الحرف، حتى تحتل مصر المكانة اللائقة بها اقتصادياً، وكل ذلك تسعى إليه الخطة الاستراتيجية لمصر 2030 في ظل ما تشهده مصر من طفرة تنموية في كافة المجالات، خاصة بعد ثورة 30 يونيو.
أما بالنسبة للصين فهي تتخلص من الفقر مع نهاية هذا العام عام 2020، وقد حققت الصين ابتكارات عديدة في سياسات القروض الصغيرة بهدف مساعدة العائلات الفقيرة، إذ بلغت القروض الصغيرة وفقاً لإحصائية 2019 ما يقرب من 91 مليار دولار، استفاد منها حوالي 15 مليون أسرة فقيرة، وهناك قرى صينية كثيرة تخلصت من الفقر خلال السنوات الماضية ومازالت تسرع الخطى للوصول إلى الحياة الرغيدة، ومن أبرز نماذجها:
* قرية ليانتشانغ
تقع قرية “ليانتشانغ” في بلدة ليانجيانغكو في مقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين، وهي إحدى القرى التى قمت بزيارتها إبان عملي كمستشار إعلامي بسفارة مصر ببكين. وكانت هذه القرية تعاني من انخفاض الدخل والفقر والافتقار للبنية التحتية من طرق ومواصلات وغيرها من الخدمات، خاصة وأنها منطقة جبلية وتبلغ مساحتها حوالي 32 كيلو متر مربع، ويسكنها ما يقرب من 500 أسرة، وتشتهر بزراعة الأرز والفول السوداني والذرة والبطيخ والخضروات وغيرها من أنواع الفاكهة المختلفة.
وخلال السنوات الأخيرة عملت الصين والحكومة المحلية على تطوير وتحديث القرية، وقامت ببناء المنازل وإدخال كافة الخدمات من كهرباء ومياه وصرف وشبكات للتليفون والانترنت. وكان لزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للقرية في 2018، دوراً كبيراً في نفوس سكان القرية لبذل المزيد من الجهد والعمل من أجل النهوض بقريتهم، وقد لاحظت أثناء مشاهدة أحد التقارير المصورة بالتليفزيون الصيني المركزي أن القرية قد تغيرت تماما بعد تطويرها وتحديثها، حيث يمتلك جميع سكان القرية فرص عمل توفر وتضمن لهم معيشة طيبة وحياة كريمة، ووصل متوسط نصيب دخل الفرد نحو 2400 دولار أمريكي.
* ولاية ليانغ شان
تقع ولاية “ليانغ شان” بمقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، وتشتهر بزراعة الزيتون وبعض أنواع الفواكه مثل الرمان. وقد ابتكرت هذه القرية أفكاراً خارج الصندوق باستخدام وسائل التواصل في بيع وترويج منتجاتها، وذلك بالتعاون المشترك مع المؤسسات الرائدة والحكومية مطبقة نموذج تعاون (الأسر الفقيرة + المؤسسات الرائدة + منصات البيع مثل (JD) على الانترنت)، حيث يقوم أهالي القرية بزراعة أشجار الزيتون وتقوم المؤسسات الزراعية بتوفير الشتلات العالية الجودة والمساعدة الفنية، ويتم تسويق الفاكهة وبيع المنتجات النهائية على منصات البيع، وقد استفاد من هذه التجربة حتى الآن أكثر من 250 عائلة ريفية فقيرة وتخلص أهالي القرية من براثن الفقر.
* قرية هوايانغ
تقع قرية “هوايانغ” بمقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، وتشتهر بزراعة التفاح ويسكنها ما يقرب من 1700 فرد. ومن أجل تطوير الصناعات في هذه القرية، شاركت 89 عائلة فقيرة في بداية عام 2019، في أحد المشروعات الناجحة، والتى استثمرت نحو 5.32 ملايين يوان بصورة مشتركة لبناء منطقة نموذجية للتفاح بقرية هوايانغ. وقد تم إنشاء مزارع نموذجية قُدرت الاستثمارات فيها بحوالي 2.61 مليون يوان، وقد تمكن الفقراء بالقرية من الحصول على مكافأة، من خلال نقل حقوقهم في استخدام الأرض إلى منطقة التفاح، كما يمكنهم أيضاً العمل في المنطقة والحصول على راتب شهري، وتم تغيير نمط زراعة وصناعة منتجات التفاح المحلي، فتحول نمط البيع من الطرق التقليدية إلى نمط البيع عبر الانترنت ومبيعات التجارة الإلكترونية ومبيعات العلامات التجارية، مما يزيد الأرباح ويساعد الفقراء على تحسين مستوى معيشتهم في نفس الوقت.
* خلاصة القول: فإن القرى المصرية يمكنها الاستفادة من التجربة الصينية في التخلص من الفقر، والتي ارتكزت في نجاحها على سواعد وإخلاص المواطن وبمساعدة ودعم الحكومة ، ونحن في ظل ماتقوم به الدولة المصرية من شق الطرق وتطوير وسائل المواصلات والاتصالات وبالتعاون بين كافة الوزارات المحافظات وغيره من مشروعات البنية التحتية يمكننا ومن خلال اتخاذ كل محافظة او قرية مايناسبها وفقاً لمزاياها النسبية ومايتناسب مع ظروفها الطبيعية والمالية والمهارات والامكانيات البشرية فيجب علي كل قرية أن تقرر ماتزرعه او ماتصنعه مع ضرورة الاعتماد على افكار جديدة خارج الصندوق.