بقلم: د حذامى محجوب
الإعلامية القديرة وأستاذ الفلسفة السياسية
يقال عادة ، انّ مكافأة الفساد لم تكن يوماً سوى إطعام ديناصور، لا يعرف معنى الشبع ، و هذا هو حال من كان بيده مصير امريكا بل العالم ككلّ .
تنتظر رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بعد تسليمه السلطة وتنصيب جو بايدن في 20 جانفي 2021 عدة إجراءات قانونية ، اذ ستزول عنه الحصانة، بما سيضعه في مواجهة العديد من القضايا التي ستؤثر مرافعاتها ونتائجها بشكل سلبي على مصيره ، كما ينتظر أن تتسارع هذه الإجراءات القانونية بسرعة البرق.
“لقد فزت في الانتخابات! ” هذا ما نشره ترامب في تغريدة جديدة يوم الإثنين ، 16 نوفمبر مواصلا انكار النتائج و متماديا في إعلان نفسه الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية رغم الانتصار الساحق لخصمه الديمقراطي ، جو بايدن حتى الآن و حصوله على اكثر من 270 من اصوات كبار الناخبين وهو النصاب الضروري ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة .
ما يزال الساكن الحالي للبيت الأبيض يعتقد ويروج أن عمليات احتيال وتزوير واسعة النطاق وخطيرة وقعت أثناء الاقتراع ، دون تقديم أي دليل على مزاعمه.
فما سر هذا العناد وهذا التمسك المستميت بالسلطة؟
إن هذا الموقف غير المسبوق و المبالغ فيه بمنصب الرئاسة ليس غريبا او اعتباطيا بقدر ما يعبر عن قلق ترامب من انطلاق تحقيقات ضده عند مغادرته مباشرة كرسي الرئاسة و ربما تصل عقوبتها الى السجن.
فماهي ترى هذه التحقيقات القضائية الرئيسية التي تستهدف الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة؟
1- ضرائبه !
انه التحقيق الجنائي الوحيد المعروف والمتواصل حتى الآن ضد دونالد ترامب ، اذ وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. بدأ المدعي العام في مدينة مانهاتن ، سايروس فانس ، الديمقراطي ، إجراءات جنائية ضدّه منذ عامين بتهمة الاحتيال الضريبي والاحتيال على شركات التأمين .
في تحقيق واسع نشرته الصحيفة في شهر سبتمبر 2020 ، أظهرت بالاستناد الى وثائق داعمة ، أن دونالد ترامب دفع 750 دولارًا فقط كضرائب فيدرالية بين عامي 2016 و 2017 ، كما لم يدفع دولارًا واحدًا خلال العشر سنوات من الخمسة عشر سنة الماضية. وهذا من شأنه أن يفسر سبب رفضه دائمًا نشر إقراراته الضريبية ، على عكس أسلافه طوال 40 سنة.
منذ خريف السنة الماضية ، تمكن الملياردير ترامب من منع أمر استدعائه بخصوص هذا التحقيق. متّهما بأن العملية كيدية سياسية بحته. بالتالي كما اشارت الصحيفة فأنه يتعين على المحكمة العليا أن تعيد نشر القضية مرة أخرى.
كما بدأ تحقيق مدني آخر من قبل المدعي العام لولاية نيويورك ليتيتيا جيمس. يتعلّق بما إذا كانت مؤسسة ترامب ، المجموعة العائلية التي تقع في برج ترامب ، كذبت بشأن حجم أصولها للحصول على قروض وإعفاءات ضريبية.
2- تحقيق Stormy Daniels !
تعدّ مسالة تمويل حملته الانتخابية لسنة 2016 من القضايا المطروحة كذلك امام أنظار المدعي العام سايروس فانس. اذ تلقت الممثلة ومخرجة الافلام الإباحية ستورمي دانيلز مبلغ 130 ألف دولار من فريق حملة الملياردير ترامب مقابل صمتها بعد ان زعمت أنها مارست الجنس مع ترامب بين سنتي 2006 و 2007 ، وهو ما نفاه دونالد ترامب . لكن في هذه القضية ، اعترف مايكل كوهين ، المحامي الشخصي السابق لدونالد ترامب ، بأنه كان قائما بصفة شخصية على عملية تحويل المال للممثلة. وكان قد حُكم عليه في فيفري 2019 بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التزوير ومخالفة قوانين الانتخابات ، بسبب هذا التحويل البنكي المشبوه.
كما ورد في هذا الملف اضطلاع شخص آخر متواطئ لم يتمّ ذكر اسمه ، لكن جرى تقديمه على أنه “شخص ” “قاد حملة رئاسية ناجحة”. من جهتها ، حصلت زميلة الممثلة كارين مكدوغال على مبلغ 150 ألف دولار حتى لا تكشف علاقاتها الجنسية مع دونالد ترامب ، الى غاية سنة 2016.
3- التحقيق في التواطؤ المزعوم مع روسيا مستمر!
عندما يغادر دونالد ترامب البيت الأبيض ، قد يُطلب منه شرح صلاته بروسيا في سنة 2016 ، اذ في أفريل 2019 ، أكمل المدعي الخاص روبرت مولر تقريره. على الرغم من عدم العثور على دليل رسمي على وجود تواطئ بين الرئيس الأمريكي و روسيا ، إلا أن التحقيق توقف بسبب وضع دونالد ترامب.
اختتم المدعي الخاص تقريره في ماي 2019 بالقول : “إذا كنا متأكدين من أن الرئيس لم يرتكب جريمة ، لكنّا صرحنا بذلك”. خلال فترة رئاسته ، فعل دونالد ترامب كل شيء لعرقلة تقدم التحقيق ، الى حدّ اتهامه ب “عرقلة سير العدالة”.
كما أعرب مايكل كوهين عن “شكوكه” حول احتمال تواطئ بين مشغله السابق وممثلين عن روسيا ، خلال جلسة استماعه أمام المحكمة العليا ، في فيفري 2019.
4- تحقيقات أوكرانيا شبح يقض مضجع ترامب !
انها القضية التي كادت أن تعصف بمصير ترامب وتؤدي به إلى العزل في 25 جويلية 2019 ، بعد ان اتصل الرئيس الأمريكي بنظيره الأوكراني ، فولوديمير زيلينسكي ، لطلب “خدمة”. خلال ذلك الصيف نفسه ، كان من المقرر أن تدفع الولايات المتحدة حوالي 380 مليون دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا. كانت “الخدمة” المطلوبة “هي ضمان إمكانية إجراء تحقيق حول تصرفات جو بايدن ، ممثل البيت الأبيض في كييف سنة 2014 وابنه هانتر في أوكرانيا. وكان هانتر عضوًا في مجلس إدارة Burisma Holdings ، وهي مجموعة من الشركات الأوكرانية تشتغل في قطاع الطاقة ، وقد طلب والده من اوكرانيا “تقليل اعتمادها” على روسيا من الغاز الطبيعي.
وبفضل التصويت لصالح ترامب في مجلس الشيوخ و الذي يهيمن عليه الجمهوريون ، نجا الرئيس المغادر من المساءلة.
من المرتقب اليوم ، أنه بمجرد توقف ترامب عن مباشرة مهامه وتسليم السلطة ، يمكن استئناف الإجراءات القانونية لهذه القضية التي هي الآن بين يدي المدعي العام في بروكلين ، كما تشير صحيفة نيويورك تايمز فهو يملك عناصر قوية يمكنه الاعتماد عليها ليفتح تحقيقًا جديدًا ضد دونالد ترامب.
في المحصّلة ، ليست المشكلة فساد أو طمع رئيس متهور ، بل المشكلة اساسا ، هي النظام الذي يدفعك دفعاً لتكون فاسداً اذ انّ المعارك الداخلية لا تقضي عادة على الفساد، بقدر ما توفر احيانا فرصاً جديدة له.