رأىسلايدر

من يحاكم أرمينيا لهدمها الآثار الإسلامية الآذربيجانية طوال 100 عام؟!

استمع الي المقالة

إيلنور مصطفاييف

باحث علمي في معهد الدراسات الشرقية لدى أكادمية العلوم الوطنية الآذربيجانية

تقع آذربيجان فيما وراء القوقاز على منطقة تحيط بها كل من إيران، و تركيا، و روسيا، و جورجيا، و أرمينيا و تطل عاصمتها باكو على بخر قزوين، اشتهرت منذ القديم بأرض النيران لكثرة منابع الغاز الطبيعي و النفط. و سماها العرب بعد فتحها ب”آذربيجان” و هي معروفة منذ ذلك الوقت بهذا الاسم.

تأثرت آذربيجان بالثقافات المختلفة من بينهم الثقافات الفارسية و البيزانطية و التركية، و لكنها تمكنت من الحفاظ على خصائصها الحضارية القومية رغم تنافس الدول في نشر قيمها الحضارية، كانت الثقافة حينئذ كالسلعة ينفرد بها الخاصة من الناس دون العامة يأخذونها و يعطونها و يرسلونها. الساسانيون أحيانا و الروم البيزاطيون أحيانا أخرى مع قادة جيوشهم الى آذربيجان بعد غزوها و لهذا السبب كانت المراكز السياسية هي المراكز الحضارية أيضا و نرى المدن الآذربيجانية مثل “باكو”، “شاكي”، و “غابالا”، و “بردعة”، “قره باغ” و غيرها من المراكز تتميز عن سائر المدن بأسواقها و معابدها و كنائسها و مساجدها و منازلها. يقول أبو دلف مؤرخ القرن العاشر الميلادي عن معبد النار في باكو و يقول: إن من معجزاته نيرانه الملتهبة المشتعلة منذ 800 سنة على التوالي دون أن تخمد. و من آثارها المكشوفة أثناء الحفريات، الأواني و المصابيح و زجاج النوافذ و أقمشة الثياب التي تدل على مستوى الحياة الثقافية فيها. و في قصيدة “كسرى و شيرين” للشاعر الآذربيجاني الشهير نظامي الكانجوي المتوفى سنة 1209 م، نرى مدينة “بردعة” بحدائقها و أسواقها و قصورها و حماماتها و مجالسها الأدبية.

لقد استقبل المجتمع الآذربيجاني الإسلام بثل هذا التراث الثقافي الذي تكون عبر القرون الطويلة، و لما كان الفتح الإسلامي وصلت الى آذربيجان في عهد الخلافة الإسلامية و انتشر الإسلام فيها انتشارا سريعا و واسعا. أكد أحمد البلاذوري إن أغلبية سكان آذربيجان قد اعتنق الى الإسلام في عهد الإمام علي بن أبي طالب. الدين الجديد لعب في المستقبل دورا هاما في تكوين الخصائص التي تميز بها الفكر الديني و الفلسفي و العلمي و الادبي على القيم الإسلامية في هذه الرقعة من العالم الإسلامي.

و ظهرت في آذربيجان خلال هذه الفترة الفنون الإسلامية و كانت في خدمة أهداف الإسلام المحورية و ما زالت آثار العمارة الإسلامية و الفنون الجميلة و التطبيقية و الأدب محافظة على أهميتها التربوية و المعنوية. عندما لاحظنا المساجد و المدارس و الخانات الإسلامية فنرا كم امتزج الدين مع الحضارة في مزاج واحد بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. و من آثار العمارة التي تم بناؤها في القرون الوسطى، أسوار الدفاع حول المدن الكبيرة مثل باكو، و شاماخي، كنجه، تبريز، كذلك القلاع العظيمة في باكو و ضواحها مثل نارداران، و مردكان، و رامانا، و المساجد و المدارس المبنية في احدى مناطق باكو المعنون “إتشاري شهر” يعني “المدينة الداخلية”. و الرباط و المقابر في ناخجيوان، و الجسور مثل خدافرين في مدينة جبرائيل و الحمامات و الحوانيت و المتاجر و الأسواق القديمة في باكو. و النحت على الخشب و الزخرفة بالصدف و الرسومات النباتية التي لا نهاية لها و السقوف و الأبواب المنحوتة و المنقوشة على الحجر و الخشب، و الشبابيك المتشابكة، و المتداخلة و الكاشاني، الفسيفساء المركبة على قباب المساجد و ستقوف القصور، كل ذلك له دلالات عميقة على مستوى العمارة و الفنون الجميلة المتميزة بأساليبها الخاصة في آذربيجان في غضون العصور الوسطى.

بلا شك قره باغ الجبلية و المناطق السبعة المحيطة بها جزء من آذربيجان وفق المصادر التأريخية الدامغة و المقررات الحقوقية الصادرة من المنظمات العالمية. الجدير بالذكر أن أراضي الدولة الصفوية كانت تنقسم الى وحدات إدارية كبيرة مثل مشيخة قره باغ التي تشمل الأراضي المعروفة. و قد كانت مدينة كنجه مركزا لتلك المشيخة التابعة للدولة الصفوية. أوائل القرن الثامن عشر الميلادي كانت آذربيجان ساحة للصراع لكل من الإمبراطورية العثمانية و إيران القاجارية و روسيا القيصرية. كانت تسعى كل ابراطوريات الثلاث الى احتلال آذربيجان لضمان أمن و سلامة حدودها. في نهاية التنافس بين الدول الثلاث أحرزت روسيا القيصرية انتصارا في الصراع و تم إلحاق مشيخة قره باغ بروسيا القيصرية.

بعد أن تم تهجير الأرمن من الإمبراطورية العثمانية و إيران القاجارية الى أراضي الآذربيجانية بالخصوص الى قره باغ و اختلس الارمن الدخلاء التراث الثقافي و الآثار التاريخية و المعمارية الآذربيجانية التي كانت واقعة في آذربيجان على مر العصور. أكد الباحث الروسي المتخصص في شؤون القوقاز ن. شافروف استنادا الى دراسات قام بها أن الأرمن لم يشكلوا ابدا غالبية بين سكان آذربيجان الشمالية، مشيرا في نفس الوقت إلى أن أكثر من مليون أرميني هم دخلاء من إيران القاجارية و الامبراطورية العثمانية. و كانت هذه المحاولة لتحقيق التغيير الديموفرافي في المنطقة.

و انتهجت ارمينيا عدة مرات، على مرور الزمان سياسة الابادة الجماعية و التطهير العرقي ضد الشعب الآذربيجاني بشكل متتابع ما بين أعوام 1905، 1918، 1920، 1988 و اتبعت سياسة التوطين غير الشرعي في اراضي آذربيجان بمساندة من القوى الاقليمية. تم إراقة دماء آلاف من الآذربيجانيين الأبرياء العزل و القضاء على كثير من الأجيال بالكامل نتيجة أعمال أرهابية دموية أرتكبتها الفصائل الأرمينية القومية الارهابية.

في المنتصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين، بدأ الأرمن من جديد، بالمزاعم الإقليمية على الاراضي التأريخية الآذربيجانية بما فيها قره باغ الجبلية و المناطق السبع المحيطة بها، استغلالا من الفرصة الناشئة من اجل تحقيق حلم “أرمينيا الكبرى”. كان يطرح الارمن المطامع الإقليمية على أراضي قره باغ الآذربيجانية من الدول الاوربية و الولايات المتحدة كل مرة بتبليغ وتحريض جمهورية أرمينيا وضغطها. ابتداء من تسعينات القرن الماضي اشتدت حدة القضية حول قره باغ.

منذ عام 1988 اشتدت عمليات التطهير العرقي ضد الشعب الاذربيجاني من قبل أرمينيا و كذلك طرد المواطنين الاذربيجانيين من موطنهم التأريخي في يرفان و سياسة الابادة الجماعية و تنظيم الاعمال الارهابية في الاراضي الآذربيجانية و الهجومات العسكرية. في نهاية الأمر، ارمينيا قد شنت حربا على آذربيجان و احتلت قر باغ الجبلية و المناطق السبع الاخرى من آذربيجان بالقوة العسكرية و ايضا شردت حوالي مليون شخص من أراضي أجدادهم و قامت بتأسيس المنظمة الانفصالية في الاراضي المحتلة بعنوان “قره باغ الجبلية” التي تختص بجمهورية آذربيجان.

في أواخر عام 1991 وأوائل عام 1992 ، بدأت المرحلة العسكرية للصراع. مستغلة عدم الاستقرار السياسي الناشئ عن تفكك الاتحاد السوفيتي والصراع الداخلي في أذربيجان ، شنت أرمينيا عمليات عسكرية في قره باغ الجبلية بمساعدة عسكرية أجنبية.

نتيجة النزاع الأرمني الأذربيجاني قره باغ الجبلية ، أصبح أكثر من مليون أذربيجاني نازحين داخليًا ، وتوفي 20 ألف شخص خلال العمليات العسكرية ، وأصيب 50 ألفًا بإعاقة. نتيجة للصراع ، فقد حوالي 4000 أذربيجاني ، من بينهم 67 طفلاً و 265 امرأة و 326 مسناً. لا يزال مصير هؤلاء الناس مجهولا. تم القبض على أكثر من 2000 أذربيجاني واحتجازهم كرهائن من قبل الأرمن.

في عام 1988-1993 ، تم بناء ما مجموعه 900 مستوطنة و 150.000 منزل و 7000 مبنى عام و 693 مدرسة و 855 روضة أطفال و 695 مؤسسة طبية و 927 مكتبة و 44 معبدًا و 9 مساجد و 473 نصبًا تاريخيًا وقصرًا ومتاحفًا. ، 40000 معروض متحفي ، 6000 مؤسسة صناعية وزراعية ، 160 جسرا ومنشآت بنية تحتية أخرى دمرت.

عام 1993 أدان مجلس الامن لمنظمة الامم المتحدة على هجومات عسكرية ارمينية مؤكدا على سيادة آذربيجان و سلامة أراضيها و اصدرت منظمة الامم المتحدة اربعة بيانات رقم 822، 853، 874، 884 عن الاحتلال الارميني. أكد مجلس الامن في قراراته الاربع على أن قره باغ الجبلية و المناطق السبع المحيطة بها جزء لا يتجزأ من آذربيجان و كذلك كانت احدى من مطالب القرارات الاربع هي انسحاب القوات المسلحة الارمينية فورا من الاراضي الاذربيجانية المحتلة بدون شرط و لا قيد.

القيادة الأرمينية شنت هجومًا جديدًا في المنطقة على آذربيجان في 27 سبتمبر مما أدى إلى زيادة التوترات واندلاع الحرب. وبطبيعة الحال ، كان لا بد من منع رغبة أرمينيا في احتلال جزء آخر من أراضي أذربيجان والاستيلاء على أراض آذربيجانية أخرى واتخاذ التدابير المناسبة.

تدافع أذربيجان عن نفسها بشرف من الإرهاب الأرميني والسياسة العدوانية التي تتبع أرمينيا منذ حوالي شهر. على الرغم من احتلال 20 في المائة من الأراضي الأذربيجانية وطرد حوالي مليون أذربيجاني من ديارهم.

الهجومات العدوانية الارمينية على المدن الآذربيجانية المكتظة بالسكان المدنيين مثل كنجه، تارتار، آغدام، نفطالان، اسفرت عن مقتل أكثر من 70 من المدنيين الآذربيجانيين العزل من بينهم الاطفال و النساء و المسنين و جرح أكثر من 250 من السكان المتسالمين و ايضا تسببت تضـ.ـرر البنية التحتـ.ـية و المباني السكنية و المدارس و المتاجر للمناطق التي تعرضت للقصـ.ـف بشكل خطير.

من المؤسف أن الإرهاب الأرميني ضد الشعب الأذربيجاني والمدنيين والشعب المسالم يحدث في أعين العالم المتحضر ، واليوم تصمت حقوق الإنسان والحريات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ومراكز القوى العالمية أمام سياسة العدوان والإرهاب الأرمنية. لا يبدو مثيرًا للقول. في هذه الحالة ، تقع هذه المهمة المقدسة ، منع الإرهاب الأرمني على عاتق الدولة الأذربيجانية وجيشها. اليوم تقوم الدولة الأذربيجانية والجيش الأذربيجاني بهذه المهمة بنجاح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى