قفزة ترامب الأفريقية
بقلم: أحمد طه الغندور
قد يكون نوعاً من العمل الشاق تتبع قفزات الرئيس الأمريكي “ترامب” في عالم السياسة الدولية، ولكنها كلها تدخل ضمن باب “الأمور المتوقعة” ليس فيها أي شيء فريد يمكن التعجب منه أو الإعجاب به!
ولكنه من شدة إعجابه بـ “نفسه” يُطالب الجميع إبداء الإعجاب والإشادة به، وبـ ” نهجه البراغماتي والفريد من نوعه لإنهاء النزاعات القديمة وبناء مستقبل سلام وفرص لجميع شعوب المنطقة”، كما يرد في “اتفاقيات وإعلانات دولية”، تخضع لتوقيع أطراف دولية، ويجري إيداعها لدى ” الأمم المتحدة ” فهل هذا التصرف من قبيل الأعراف أو حتى البروتوكولات الدولية المتبعة؟!
بالأمس؛ وبعد أن عجز “ترامب” من أن يضم “السعودية” ـ بصورة علانية ـ إلى “اتفاق أبراهام”، جاءت قفزته السياسية إلى إفريقيا، وعلى وجه التحديد إلى ” الدول العربية “، هناك؛ حيث تصدر المشهد دولتان، مصر والسودان؛ فما الذي يريد “ترامب” منهما على وجه التحديد؟!
وهنا أود أن أقدم “السودان” على “مصر” في الطرح، لأن مناقشة “الوضع السوداني” سيقودنا إلى “مصر”.
لقد كان لـ “السودان” بالأمس حضور في “البيان المشترك” مع “أمريكا”، و “الكيان الاحتلالي”، لماذا؟!
لماذا يكون ” بلد اللاءات الثلاث ” مع هذين الخصمين؟!
إنه معهما فقط؛ لمناقشة التقدم التاريخي للسودان نحو الديمقراطية وفرص تعزيز السلام في المنطقة! ها هو “السودان” الطيب يُستغل للمرة الألف! للحرب في اليمن أو تشاد، في تهجير “يهود الفلاشا”، في “استضافة بن لادن”، والحروب الداخلية، ثم التقسيم إلى “كيانين في حالة عداء” وهلّم جرا!
فـ “السودان” محكوم بالفقر، ومحظور من استغلال موارده الطبيعية ” الغنية جداً ” بـ “عقوبات دولية تفرضها “الدول المارقة” شركاء اليوم! وهو ليس مشمولاً في “اتفاق أبراهام” ولا يقع ضمن “مساره”!
فمتى أحرز هذا “المستوى الديمقراطي” ليكون شريكاً يناقش مع “ترامب”؛ تعزيز قضية السلام في المنطقة، وتحسين الأمن الإقليمي، وهو كما وصفه “الاتفاق” يحتاج إلى “خطوات لاستعادة الحصانة السيادية”؟!
وتماشياً، مع “خدعة الحوار مع الشركاء”، حذّر الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، الجمعة، من خطورة الوضع المتعلق بأزمة “سد النهضة”، لافتا إلى أن الأمر قد ينتهي بقيام المصريين بتفجير السد!
وفي اتصال هاتفي أجراه مع رئيس الوزراء السوداني “عبد الله حمدوك”، دعا ترامب السودان إلى التدخل لدى الجانب الإثيوبي لحل الأمر!
هنيئاً، لـ “حمدوك” على هذه المكانة التي لم يحرزها “بولتون”!
الرئيس “ترامب” لا يستطيع إنهاء “التعنت الأثيوبي” المدعوم “إسرائيلياً” ولا يستطيع فرض عقوبات عليها، ولكنه يستطيع ابتزاز “السودان”، وفرض عقوبات على دول كبرى كـ “الصين”، وإعلان الحرب على “فلسطين”، ولا يستطيع اتخاذ أي إجراء لإقناع “أثيوبيا”، فلا بد أن يلجأ لـ “حمدوك”!
هل يدرك “حكام السودان” حجم الاستخفاف بهم، وما الدافع الحقيقي ورائه؟!
الإجابة المباشرة؛ فقط لأجل “ترامب”!
والمقابل “وعود فارغة” لن تتحقق، والمطلوب “التتبيع وليس التطبيع” لـ “الاحتلال”، وفتح أبواب “السودان” على مصرعيها للمزيد من الاستغلال والتدمير، وإعاقة أية فرصة حقيقة للإنماء بالشراكة مع دول ” صديقة “، والخروج من بوتقة الأمن القومي إلى مستنقع “خيانة الأمن الإقليمي”، مع توقع حدوث اضطرابات واحتجاجات داخلية ” السودان الشقيق ” في غنى!
فهلا ناقشتم هذه الاحتمالات قبل التورط في الخيانة على المستوى الوطني والقومي؛ وخاصة مع دول الجوار!
هنا ينتقل الحوار إلى الوضع المصري!
مصر التي تعيش حالة من ” الحذر فائق الحساسية ” منذ ولوج “ترامب” إلى “البيت الأبيض”، لأنها تُدرك حجم “المؤامرة” التي يجري تنفيذها في المنطقة وهي في “دائرة الاستهداف”، والعديد من الدول ـ وللأسف العربية ـ باعت نفسها لـ “الشيطان” من باب “جنون العظمة” الذي ينشره “ترامب”!
الحرب المعلنة والمستترة على ” مصر ” من أجل تقسيمها وتفتيتها إلى “دويلات” لم تغادر عقل “ترامب” وفريقه، وحلفائه لحظة واحدة، وهو الأن يريد “دس السم في العسل”، “تفجير سد النهضة”!
يقول “ترامب” ويكرر أن “الوضع خطير جداً، وأن مصر لا تستطيع أن تستمر على هذا الحال وسينتهي المطاف إلى نسف السد”!
نعم، حق يراد به باطل، لمصر الحق الطبيعي والشرعي في الدفاع عن حقها ” المائي “، وهو بمثابة الحق في الوجود وتقرير المصير في هذه القضية، فلماذا لا تعطي “الولايات المتحدة” الحق لمصر عبر ” الأمم المتحدة ” وعبر الفصل السابع من الميثاق الخاص بالمنظمة الدولية، وتقوم “قوات دولية” بـ “تدمير السد” إذا لم تستجب “أثيوبيا” للقرارات الدولية!
هل نحن في مشهد مكرر لـ “غزو الكويت”؟!
وما هو المطلوب حقيقةً من “السودان” في هذا المجال؟!
ختاماً، علينا جميعاً أن نكون على قدرٍ كبيرٍ من الوعي في مواجهة “ترامب” وفريقه، وحلفائه في “اتفاق أبراهام”، بل و”الأطراف السائبة” كـ “السودان” قبل أن نستيقظ على وجود “حكام صهاينة” ـ حقيقةً ـ في الدول العربية بدلاً من الحكام المتخاذلين، الذين يعجزون حتى في الدعاء على “ترامب” بالهزيمة في الانتخابات خوفاً من رصد دعواتهم!