بقلم: د. حذامى محجوب
يالها من جريمة مريعة ارتكبت تحت راية ” الطعن المقدس “. انّ الرغبة في القتل لا تحتاج إلا لشرارة، ليس أفضل من حافز ديني ذريعة لاستثارتها وإشعالها!
لا أفهم ما يحدث من بعض المسلمين؟ أي تكلس أصاب العقول اليوم ؟!
الم يضع القرآن حدا لهذا التنكيل بالجسد حين امر الله تعالى سيدنا ابراهيم عليه السلام بان يعدل عن ذبح ابنه ويستبدله بكبش فداء « وفديناه بذبح عظيم”؟!
الا تضع هذه الآية حدا لنحر وطعن والتنكيل باجسام البشر ؟!
كيف يمكن ان تحثنا العقيدة على اتيان افعال كهذه؟!
الم ينزل الذكر رحمة للعالمين ؟ اليس المسلم من سلم الناس من لسانه وسيفه؟!
هل عدنا الى عصور ما قبل سيدنا ابراهيم التي يستباح فيها دم الانسان باسم الثأر والعداوة والعقيدة القبلية والعرقية وغيرها؟!
صحيح ، اننا مررنا بعهود انحطاط كبيرة انتشر فيها قطع الرؤوس والتعدي على كرامة الانسان ضمن صراعات دامية تارة باسم الحروب الصليبية وطورا باسم الجهاد ، وغيرهما من المسميات التي تبرر عدوان الانسان على الانسان باسم الايمان والنعرة على الدين والمذهب ، ولكن اليست هذه الطقوس الوحشية ضربا لكرامة الانسان ونسفا للثقافة وعودا الى ملكوت الغريزة ؟!
يبدو ان كل التطور الذي بلغه الانسان وكل القوانين والنظم الفكرية لم تتصد بما فيه الكفاية لعودة هذا ” التوحش” الكامن في عقول الكثير من البشر ، وان الخطوات العملاقة التي قطعناها على طريق التحضر هي قابلة للارتداد في كل لحظة مادام يعيش معنا من يربي الناس على الكراهية ويحرضهم على التكفير ويامرهم بالقيام به ، بل بارتكاب ابشع الجرائم .
علينا ان نصارح انفسنا ان هنالك عقليات ” بربرية” متاصلة في المجتمع يقع تغذيتها اليوم واخراجها بمثابة الرد الفعل الطبيعي على تقهقرنا الحضاري.
مادام بيننا من يبرر ويمجد ويدافع عن صنيع ارهابي معتبرا انه دفاع مشروع وشرعي في مواجهة ظلم الغرب لامة المسلمين وعدائه الثابت لدينهم.
ان هذا التبرير تحرص عليه وترعاه ثقافة تستبطن الاصولية والتكفير ورفض الآخر المختلف ، ثقافة تقوم على الحقد يرعاها سياسيون جدد يوجهون جمهورا تحكمه الانطباعية والانفعالات، ينزلون على زر فتخرج الجماهير كالقطعان التي يفتح لها باب الاصطبل.
ان تمجيد الارهاب في بلادنا هو افضع ما يمكن ان يحدث لامة ما , لان هذه العقلية ترتد بنا الى عصور الدم والقتل وتجعل التونسي خارج دائرة الانسانية باعتباره لايؤمن بالقيم الكونية ولا بحق الحياة ولا الاختلاف.
يا لهول هذا ” التوحش” الذي انهى حياة استاذ بهذه الطريقة! فالذبح هو اشنع انواع القتل .والذبح هو اكثر رعبا من القتل. في الذبح احتفالية الكره والحقد والضغينة ولعله ليس من الصدفة ان يحصل في فرنسا ذبح استاذ، فالضحية رجل تعليم …ورجل التعليم هو من ينير العقول ويتحاور مع الناشئة ، في حين ان المجرم يستعمل العنف وحين يكون متعصبا ينقاد اليه ويبالغ فيه ظانا بانه سيفوز بجنات الخلد.
ليس غريبا ان يكون الضحية استاذ تاريخ يلقى حتفه على يد شاب جاهل لم يقرأ التاريخ ، ولم يعتبر به بل لعله لا يميز بين العصور ولا دراية له بتحولاتها …
هل من الصدفة كذلك ان يقع التشفي من ” سامويل باتي ” استاذ التاريخ في محيط مدرسته لا بعيدا عنها؟
ان ذلك ينم لا محالة عن حقد دفين تجاه ” مدرسة الجمهورية”، هذه المدرسة التي تختلف من حيث قيمها ومناهجها ومضامينها واهدافها عن اوكار غسل الدماغ التي تجمد فيها العقول ويعتدى فيها على الحرمة الجسدية للانسان باسم الدين والتبعية.
ان ما حدث لاستاذ التاريخ هو افظع عملية ياتي عليها التطرف الاسلاموي الذي تنامى في فرنسا واختلط بالجريمة، هو اجرام عابر للحدود، اجرام لابد ان يحاسب فيه كل من وعظ وحرض وجيش واطر وكون ومول . كلهم مجرمون بدءا بمن حرضوا ومرورا بمن التمسوا الاعذار وبرروا ، وصولا الى من شحذ سكينه ونفذ …
لا تسامح مع من يبرر الارهاب. ان كل من يبرر ما وقع لاستاذ التاريخ بحجة انه تطاول على المسلمين بعرضه على تلاميذه صورة النبي محمد صلى الله عليه و سلّم ، هو مدافع عن الارهاب ، ينظر الى الآخر المختلف عنه دينيا والذي يقطن “دار الكفر “على انه كافر وعلى ان كل فعل ضده هو نصرة لدين الله الوحيد ضد الآخر المختلف الذي يستهدف الدين ويعد نصرا مبينا ل” دار الحقّ و الايمان “.