مفيد الديك يكتب
دبلوماسى أمريكى سابق
يتضح بصورة متزايدة أن دونالد ترامب عاجز على عكس مسار حركة الحملة الانتخابية الرئاسية التي تسير بوضوح مستقر ضده كل يوم. فاستطلاعات الرأي تشير بصورة متسارعة إلى أن منافسه الديمقراطي جو بايدن يوسع تفوقه عليه بأكثر من عشر نقاط الأن، أي قبل أسابيع فقط من الانتخابات الأميركية في 3 الشهر المقبل (بل وبـ16 نقطة كما جاء في أحدث استطلاع رأي لشبكة سي أن أن هذا الأسبوع، وبـ 14 نقطة في أحدث استطلاع لشبكة أن بي سي/ وول ستريت جورنال، وبـ 12 نقطة لمركز استطلاع راسموسن المحافظ النزعه والذي كان الوحيد الذي تنبأ بفوز ترامب في انتخابات العام 2016). ٍورغم أنه يظهر ضعفا واضحا في استطلاعات الرأي منذ بداية العام، وهو أمر لا يبشر بخير عادة للمرشح الذي يحتل المنصب الرئاسي عادة، فإن مواقفه وتصريحاته وأداءه في الأسبوعين الماضيين باتت تشير إلى أن الرجل بات يدرك أنه قد خسر الحملة الانتخابية وأن لا مجال أمامه لتغيير الطريقة التي تسير بها. ولذلك، يعتقد الكثير من المراقبين السياسيين الأميركيين أن ترامب قرر أنه سيدمر نفسه وربما يحاول تدمير أميركا كما عرفناها على مدى أكثر 250 عاما. ويقول بعض هؤلاء عنه لم يعد من المستبعد أن يلجأ ترامب إلى “الخيار النووي”: أي الحرب الأهلية!!
فأداؤه في المناظرة الأخيرة مع بايدن يوم 29 الماضي وإصابته بعد أيام من تلك المناظرة هو وزوجته بفيروس كورونا والأفعال المسرحية التي قام بها أثناء وجوده في مستشفى وولتر ريد العسكري قبل أيام وخروجه مبكرا من المستشفى وإعلانه أنه شفي تماما من المرض ورفضه قرار لجنة الانتخابات الأميركية المستقلة بأن تكون المناظرة المقبلة في 15 الجاري مع بايدن على الإنترنت بدلا من المناظرة الشخصية، إلى قرارات متخبطة أخرى عديدة وتصريحات لا تليق بأي رئيس أميركي كوصفه مرشحة نائبة الرئيس الديمقراطية كاميلا هاريس بأنها “وحش على المسرح” في مناظرتها مع نائبه مايك بنس هذا الأسبوع — كل ذلك جعل الكثير من الأميركيين يعتقدون الآن أن الرجل لم يعد بقواه العقلية العادية. بل إن رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي ألمحت في تصريح لها بعد مشاهدتها ما يقوم به ترامب من تصرفات وما يطلقه من تصريحات إلى أنه ربما أصبح لزاما على مجلس وزراء ترامب ونائبه استخدام التعديل الـ 25 للدستور الأميركي الذي ينص على أنه إذا ارتأى عدد معين من هذا المجلس أن الرئيس لم يعد قادرا على أداء مهامه الرئيسية، فعليهم إزاحته من منصبه وتعيين نائبه بدلا منه لحين انتهاء فترة الرئيس الرئاسية ثم إجراء انتخابات لاختيار رئيس جديد.”
لكن في ضوء ما نعرفه الآن عن مجلس وزراء هذا الرئيس، الذين هم في غالبهم من نوع من يسمون بـ “رجال نعم سيدي فقط” وما نعرفه عن نائب هذا الرئيس، وهو من الشاكلة ذاتها، فإن لا حظوظ حقيقية أمام هذا استخدام هذا الخيار. إذن فإن ما ينبغي على الجميع تذكره الآن بوضوح هو أن ترامب سيواصل مسار التدمير الذاتي الذي يمارسه منذ حين، ما سيقود به إلى خسارة ربما تكون غير مسبوقة في 3 نوفمبر المقبل، بل وربما خسارة الجمهوريين المرشحين لمجلسي النواب (الذي هو في يد الديمقراطيين حاليا) والشيوخ (الذي هو في يد الغالبية الجمهورية) وانتخابات أخرى مثل انتخابات عدد من حكام الولايات وغيرها. لكن الخوف هو أن ترامب لن يستسلم بسهولة إذا خسر. ويخشى الكثير من الأميركيين من أن الرجل ربما سيلجأ حتى إلى العنف للتملص من التزامه الدستوري بالاعتراف بهزيمته وتسليم المنصب للمرشح الديمقراطي في حال فوزه الأخير به، كما هو مرجح الآن.
لنتمعن فقط ما حصل يوم الخميس المنصرم كمؤشر على ما قد يكون بداية لم هو آت! فقد أعلنت حاكمة ولاية مشيغان الديمقراطية غريتشن ويتمر أن رجال مكتب التحقيق الفدرالي (أف بي آي) اعتقلوا أفراد خلية من الإرهابيين المحليين، وهم من جماعات عنصرية مؤيدة لترامب، كانت تخطط لخطفها ومحاكمتها بتهمة “إغلاقها لولاية مشيغان من أجل السيطرة على وباء كورونا المستفحل في الولاية” كما في غالبية الولايات الأميركية الخمسين بعد ثمانية أشهر من بدء انتشار المرض. واتهمت ويتمر ترامب مباشرة بأنه برفضه إدانة هذه المجموعات الفاشية من مؤيديه البيض كان مسؤولا مباشرة عن منح التشجيع لمثل هذه الجماعات للقيام بأعمال كهذه. وأعربت عن خشية حقيقة من أن ترامب ربما بدأ الخطوات الأولى لاستخدام العنف للتغطية على خسارته المرجحة في الانتخابات ومحاولة سرقتها.
الكثير من الأميركيين باتوا يعتقدون أن ذلك لم يعد فرضية خيالية أو مستوحاة من أحد أفلام هوليوود، في محاولة من الرجل على الأقل تأخير خروجه من السلطة إذا ما خسر الانتخابات، وما قد يقود إليه ذلك من تبعات لم يكن يتوقع أحد أن تحدث في الولايات المتحدة. بل ذهب بعضهم إلى حد القول إنه بات من غير المستبعد أن يطلق الرجل دعوات لمثل هذه الجماعات، وهي مدججة بالسلاح المرخص، إلى بدء حرب أهلية في أميركا، بغض النظر عما ستكون عليه النتيجة.
تمعنوا معي في الكلام التالي لواحد من أهم كتاب أعمدة الرأي في الصحف الأميركية وأكثرهم حصافة، توماس فريدمان، كاتب عمود الرأي في صحيفة نيويورك تايمز الكبرى ومؤلف العديد من الكتب التي لاقت رواجا كبيرا منذ أكثر من 30 سنة.
“لقد أوضح الرئيس دونالد ترامب الآن بشكل لا لبس فيه أن هناك خيارين فقط قبل التصويت في 3 نوفمبر – وانتخاب جو بايدن ليس من بينها.
لقد أخبرنا الرئيس بطرق لا تعد ولا تحصى أنه إما أنه سيعاد انتخابه أو أنه سينزع الشرعية عن التصويت من خلال الادعاء بأن جميع بطاقات الاقتراع عبر البريد – وهو تقليد عريق أدى إلى إيصال الجمهوريين والديمقراطيين إلى مناصبهم واستخدمه ترامب نفسه هذا العام – ليست صالحة ولا ينبغي احتسابها في هذه الانتخابات.
لا يمكن أن تكون دوافع ترامب أكثر شفافية. فإذا لم يفز بالهيئة الانتخابية، فسيعمل على التشكيك في نتائج الانتخابات بحيث لا يمكن تقرير النتيجة إلا من قبل المحكمة العليا أو مجلس النواب (حيث يحصل كل وفد ولاية على صوت واحد). ويتمتع ترامب وحزبه الجمهوري الآن بمزايا في كليهما في الوقت الحالي، وهو ما تفاخر به الأسبوع الماضي.
لا أستطيع أن أقول هذا بشكل أوضح: ديمقراطيتنا أصبحت في خطر رهيب – خطر أكبر مما كانت عليه منذ العام 1861، وخطر أكبر مما كانت عليه بعد بيرل هاربور، وخطر أكبر مما كانت عليه خلال أزمة الصواريخ الكوبية وأكثر خطورة مما كانت عليه في ووترغيت.
بدأت مسيرتي المهنية كمراسل أجنبي يغطي الحرب الأهلية الثانية في لبنان، وتركت أثراً كبيراً عليّ. لقد رأيت ما يحدث في بلد عندما يصبح كل شيء سياسيًا، عندما يضع عدد كبير من السياسيين حزبهم السياسي قبل البلد، عندما يعتقد الأشخاص المسؤولون، أو الأشخاص المسؤولون ظاهريًا، أنهم قادرون على ثني القواعد أو كسرها – والمضي قدمًا – والقول إن هذا لن يؤدي إلى كسر النظام.
ولكن عندما يذهب المتطرفون إلى الحدود القصوى، ويغيب المعتدلون أو يُهمشون، يمكن للنظام أن ينهار فعلا. وسوف ينكسر. رأيت ذلك يحدث في لبنان.
أود أن أعتقد أن مثل هذا الشيء لا يمكن أن يحدث في أميركا. أود أن أعتقد ذلك … لكني قلق للغاية.”
هذه أقوال فريدمان. بعد قراءة أقوال كثيرة كهذه في الآونة الأخيرة ورؤية الطريقة التي يتصرف بها هذا الرجل وما يطلقه من تصريحات، والأهم من ذلك رؤية انعدام موقف قوي من حزب ترامب الجمهوري ضد هذه المواقف والتصريحات لخوفهم منه ومن قاعدته الانتخابية، فلا يسعني إلا أن أقول إنني، كما فريدمان، قلق للغاية أيضا، أصدقائي.