كُلُ إمرئٍ بِصنيعهِ!
د. حذامى محجوب
يقال عادة : ” إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل فضع في يده سلطة ثم أنظر كيف يتصرف “.
صحيح أن السياسة لا تقوم على الأخلاق ، لكن تشترط حدّا أدنى من القيم و الأخلاق كم نحن في اشد الحاجة اليها اليوم بعد عروض السيرك هذه التي اصبحت تحدث في البرلمان التونسي على مراى ومسمع الجميع من كتل سياسية و من. جمهور تاخبين.
سفالة و رداءة ذلك عنوان سقوط بعض نواب المجلس !
سيف الدين مخلوف ، لطفي العبدلي وجهان لقطعة عملة واحدة ، الاول ينثر و يبثّ سمومه في فضاء البرلمان و الثاني على ركح المسرح …واحد يحتمي و يتكلم باسم الحصانة البرلمانية والآخر باسم حرية التعبير …!.
بينما حقيفة الواقع انّه لا مخلوف مثل المحاماة ولا العبدلي خدم الفن …
انهما ينخرطان في اجندة واحدة ، هي اجندة ترذيل الحياة السياسية و زرع الحقد و التأليب على صورة المراة التونسية و مكتسباتها خدمة لمشروع تفكيك الدولة لصالح التدافع الاجتماعي بالتالي الفوضى .
الاغرب ، انك حين تكون في مكان عملك أو جالسا في مقهى أو مارّا من السوق ، حتى وأنت في جلسة عائلية فإنك لن تسمع إلاّ شعورا بالتذمّر والشكوى، أمّا إذا تابعت وسائل الاعلام كالإذاعة والقنوات التلفزيونية التونسيّة، و جلت في عالم ” السوشيال ميديا ” التواصل الاجتماعي ستصاب بحالة هلع وإحباط لكثرة السّب و القذف والشتم مع انعدام تام لفكرة الاصلاح و البناء والتشييد لكل ما من شأنه أن يخرج بالبلاد من هذا المستنقع الذي أغرقها فيه هواة السياسة واصحاب الولاءات الاقليمية وعديمي الكفاءة .
الكل غاضب. حاقد ، إنها معركة الكلّ ضدّ الكلّ ، حرب جماعية .. الكل متفق تقريبا على أن الذين يحكمون البلاد لا يخدمون سوى مصالحهم الضيّقة ، لا يهتمّون بالشان العام و مصالح الناس ، وأن معركتهم الفعلية ليست الدفاع عن قضايا التنمية و التربية و الصحة او حتى صورة بلادنا ومنزلتها بين دول العالم. انما هي معركة كراسي و مواقع ومناصب واستحقاقات انتخابية.
صراعات بين راسي السلطة التنفيذية ، صراع بين رئيس بات يتشدق علينا بان مليونين ونصف مليون مواطن انتخبوه وبين رئيس برلمان يعتبر انه يمتلك كلّ السلطة وهو فوق الجميع .
من جانب آخر تجد أن معظم المرافق العمومية معطّلة لا تعمل بصفة طبيعية بسبب الغضب ومناخ عدم الثقة الذي تفشّى بين السياسيين و في علاقتهم بالشعب ، حتى أن الفساد اصبح متفشّيا في كل القطاعات تقريبا. بل أكثر من ذلك فقد أصبح من يدّعي التديّن فاسدا ومن يدّعي محاربة الفساد فاسدا متستّرا على الفساد ، ومن يتذمّر من حالة الفساد مشبوها فيه الى ان ياتي ما يخالف ذلك ..
هذا بلا شك يساهم في خراب البلاد و تدهور حال العباد ويدفع الجميع إلى الهاوية بتقاعسه وتحطيمه للأسس التي قامت عليها الجمهورية منذ دولة الاستقلال .
فمن إذن يصنع و يؤسّس و يساهم في انتشار الفساد الأخلاقي والسياسي؟
يمكن ان اقول في خضمّ هذا البؤس الأخلاقي لمن يدّعي الدين والأخلاق والسياسة ، ومن يسمّي ائتلافه بالكرامة بان كتلته ليست سوى اسما على الاضداد .
ان المسألة الأخلاقية ، ليست مسألة مِؤسّساتية ، حين تكون في البرلمان فان المؤسّسة التشريعية وجلساتها ليست لا اسرة و لا مدرسة .فالتربية هي مسألة ذاتية بمعنى أن الذي لا يتلقى تربية وتكوينا في صغره و طفولته و من يترعرع على الحقد والكراهية لا يمكن ان يصلح بمجرد دراسة بعض من فصول القانون .لان من يكون رجل قانون يفترض ان يبدأ بتطهير نفسه او على الاقل تهذيبها في علاقته بزملائه وبالمرأة وبالمجتمع بالتالي لا بد ان يبدأ بنفسه قبل ان يدعي تغيير المجتمع .
ففي المحصّلة اي مجتمع يمكن ان يبنيه نائب يتهجم على نائبة زميلة له تحت قبة البرلمان بالفاظ نابية ، واي برنامج سياسي يريد تنفيذه من يكون للانحطاط الاخلاقي نموذجا ؟
فالسياسة ليست أخلاق ولكن إدارة الشأن العام تتطلب حدّا أدنى من الانضباط و الالتزام بمبادئ و قيم لا تستقيم حاله بدونها .
اي مغزى و معنى أن تكون لنا “هيئة وطنية لمكافحة الفساد” ، و”هيئة للحقيقة والكرامة” وغيرهما ، إذا كان القائمون عليهما يعتبرون أنفسهم فوق القانون؟ هل يتبقى للعملية الانتخابية معنى، إذا كان المواطن يعطي صوته لمترشح ضمن قائمة حزبية ثم يفاجأ بسياحة هذا النائب وذاك في البرلمان بين الكتل و الأحزاب؟
ما معنى أن لايلتزم المنتخبون ولاينضبطون لقرارات أحزابهم بمجرد حصولهم على منصب سياسي ؟ هل هذه هي الديمقراطية ؟ أم تلك فوضى تجعل أعداء الديمقراطية على صواب ؟
كيف لايخضع نائب اختاره الشعب الى قانون اخلاقي ؟ كيف يستغل حصانته لممارسة العنف على رئيسة كتلة برلمانية ؟
كيف لا يتحكم نائب في غرائزه العدوانية تجاه امرأة عجز عن مقارعتها بالحجة والدليل ؟ فالتجأ الى سبها وشتمها لمجرد انها فضحت مؤامراته و خزعبلاته ؟.
ان الذين من طينة هذا الوصولي المتخفي وراء قناع الدين ، والاسلام منه براء لايعرفون ان الخضوع الى الواجب هو أن يسكن روحك و تعترف به داخلك ، لا أن تطيعه من الخارج.. فالقانون الأخلاقي يختلف عن القوانين المدنية لأنه ليس زجريا، ليست له عقوبة غير صوت الضمير، فأن نخضع للواجب هو أن نعترف به أولا داخلنا لا أن نلزم به من الخارج .
ان الأخلاق ، مسألة ذاتية داخلية لأن أول واجب للإنسان هو واجبه تجاه نفسه “عليه أن يحترم الإنسانية فيه وعليه أن يطالب كل انسان باحترامها ” . ولكن عليه قبل ذلك أن لا يفوّت بالأساس في الإنسانية فيه”. ” إنّ الإنسان الذي لا يحترم نفسه لا يمكنه احترام أي شيء آخر”.
إنني أحلم بقانون يرتدي فيه كل الناس الحجاب : نساء ورجالا، حجابا لايتمثل في منديل يوضع على الراس بل حجابا داخليا أكثر جذرية وأكثر صرامة من الحجاب المتداول لأنه داخلي،حجاب أسميه القانون الأخلاقي الذي يتمثل في الوعي وخاصة في احترام الإنسان أولا لنفسه أي للإنسانية فيه ثم للآخرين، أي للإنسانية فيهم. في اليوم الذي يرتدي فيه كل فرد من مجتمعنا هذا الحجاب الداخلي نقول إننا اتجهنا نحو الكرامة والتقدم والنماء.
فلا مروؤة لكذوب، ولا ورع لسيء الخلق.