د. حذامى محجوب
خلال موكب أداء اليمين الدستورية لاعضاء حكومة هشام المشيشي، ألقى رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد خطابًا لا علاقة له لا بالحكومة الجديدة ولا بمتطلّبات المرحلة.
اذ بدلاً من استحضار الملفات الحارقة والعاجلة مثل شلل قطاع النفط والغاز من قبل محرضي منطقة الكمور وأزمة وباء كوفيد -19 وتداعياتها الصحية والاقتصادية الجسيمة الخ … انطلق الرئيس كعادته في خطبة طنانة رنانة ضد أعداء غير مرئيين ، لم يسمهم كعادته ،بدا فيها غاضبا ، متوترا يتكلم كلام المغدور ، مع ذلك فهو حريص كعادته على عدم الكشف عن الخطط و المؤامرات التي تطرّق اليها.
لم يتخلص رئيس الدولة بعد من عباءة الاستاذ ” إذا عادوا إلى السنة الأولى من المدرسة الابتدائية ، فسيتم طردهم بأسوا طريقة “( هكذا تحدّث .)” لم يتخلص من استثمار القضية الفلسطينية ” ” الخونة الذين يلقون بأنفسهم في أحضان الصهيونية “(…) وواصل نرجسيته المعهودة ” أنا على دراية بخططهم في الغرف السوداء “(…)” هم فقط يستحقون الازدراء “،” إما حياة تجعل صديقًا سعيدًا أو موتًا يفرح العدو “، وما إلى ذلك ، في هذيان يندرج ضمن منطق نظرية المؤامرة لا يليق برئيس دولة ، ولا بخطاب زعيم سياسي، من المفروض ان يعمل على وحدة التونسيين وطمأنتهم .
لكن يا سيادة الرئيس إذا كان أعداء الوطن غير مرئيين لا يستحقون غير الاحتقار والازدراء فقط ، فلماذا توليهم كلّ هذه الاهمية وتتحدث عنهم قرابة النصف ساعة ؟
لقد قال في اعدائه ما لم يقله مالك في شاربي الخمر، هذا ما استعمله الرئيس في خطابه بالضبط:
كذابون – مفترون-مرضى-حمقى-أحدهم لو يعيدونه الى الصف الأول ابتدائي لتم طرده شر طردة لغبائه-لا يستحق البعض الاحترام-لا يستحقون الا الازدراء-مزورون يشترون الذمم-يثيرون الاحتقار-هؤلاء الذين احترفوا الكذب-يعملون بالليل وتحت جنح الظلام-يبرمون الصفقات في الليل-سأتحدث عن الخيانات والاندساس والغدر وعن الارتماء في أحضان الصهيونية-سنقف جبهة في وجه الخونة-يتحيلون على الدستور-سيبقون كعروش نخل خاوية-باعوا ذممهم-مصيرهم مزبلة التاريخ-ليست لهم ذاكرة.
وابل من العبارات التي تدخل في باب السب والشتم و القذف والانتقام باللفظ لا بالقانون وهو استاذ القانون.
انفعال، يتلوه هذيان يقوم على نظرية المؤامرة لا يليق في الحقيقة برئيس دولة ، يذكرنا بوزير الاعلام العراقي الصحاف اثناء الحرب على العراق.
حرص قيس سعيد في خطبه السابقة أثناء زيارته للثكنات العسكرية و وزارة الداخلية ، التي يزورها ليلاً لإضفاء مسحة من الغموض والتساؤل عند متابعيه، تحدث عن “أطراف” و “اغرب المؤامرات”. ، مرارًا وتكرارًا وعن “الغرف المظلمة”، وعن “محاولات لتفجير الدولة من الداخل” عبارات تتردد في كل خطبه.
خطاب ” هيتشكوكي ” بامتياز للرئيس قيس سعيد باسلوبه المعتاد ووقفته الروبوتية في حديثه عن المؤامرة والاعداء.
لكن لماذا يرعد ويزبد ويتوعد ويهدد ولا يسمي الاعداء ؟
لم يذكر الرئيس أسماء المعنيين. أليس لديه الشجاعة الكافية لفضح مؤامراتهم ؟يتحدث دائمًا عن “هم ” يتحدث عنهم بضمير الغائب ، من هم ؟ من هم هؤلاء الأعداء غير المرئيين الذين يخشى أن يسميهم؟ هل هو نبيل القروي الذي نافسه في الرئاسيات ؟ ام هو رئيس حركة النهضة و رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي ما انفك يتطاول على صلوحياته ؟ أم هو المحامي سيف الدين مخلوف الذي لا يتورع عن نقد الرئيس وتقزيمه ؟ ام هل يتحدث الى النواب الذين اهانوه في جلسة التصويت لاعطاء الثقة للحكومة ؟هل هو يتحدث عن معطلي الثروة و الانتاج و الطريق في منطقة الكامور؟ ام عن أردوغان الذي نصب جيوش المرتزقة على الحدود الجنوبية لتونس؟ هل يقصد المخابرات التركية؟ هل هي الأشباح ؟
يبدو ان الرئيس قيس سعيد مولع بقراءة طه حسين والشاعر إيليا أبو ماضي ، لملء ساعات فراغه الطويلة في قصر قرطاج وهو معزول في قصره .لكن يطلع علينا من حين لآخر وفِي بعض المناسبات الهامة ليخرج من الادب والشعر ويحدثنا عن أعداء غير مرئيين ومقدر لهم البقاء كذلك إلى الأبد، هل يريد ادخال الذعر في نفوس اعضاء الحكومة الجدد ؟ هل يعي بما يشعر به المواطن العادي من هلع ؟
للأسف ، السيد قيس سعيد لا يملك الشجاعة الكافية لكشف أقنعة هؤلاء الأعداء غير المرئيين الذين يهاجمونه من كل صوب و مكان ويطاردون ايامه ويقضون مضجعه ،ليس لديه الشجاعة لتسميتهم وكشف مؤامراتهم وإحباطها . ليس لديه الشجاعة للتنديد بهم ، ناهيك عن الشجاعة لطرد قطاع الطريق من الكامور الذين يشلّون إنتاج النفط والغاز ويهددون تونس بالخراب ويتحدون ويحطمون الدولة التي يترأسها قيس سعيد.
للأسف قيس سعيد لا يتقن غير الكلام ، فهو زعيم الثرثرة، وسفسطائي لديه أفكار تفتقد الى البرهان والى العمق. خطبه تندرج ضمن نظرية المؤامرة الفارغة والعقيمة التي لا يزال يتعين علينا تحملها لمدة أربع سنوات طويلة اخرى، فهل ستتحمل تونس ذلك؟