السفير الشهيد مسلم ابن عقيل ع
قصيدة في ذكرى التضحية الصادقة لسيدنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليهم السلام) سفير سبط رسول الله الإمام الحسين (على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة واتم التسليم) إلى الكوفة. وكان قد لقي مصرعه شهيدا عظيما يوم عرفة 9 ذو الحجة عام 60 هجري، أي قبل شهر واحد من استشهاد امام زمانه سيد شباب اهل الجنة الامام أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة.
__________
أعظمْتُ فيكَ عَزيمةَ الزُهّادِ
يا قائداً ضَحّى على استعدادِ
يا مُسلِماً وردَ الخطُوبَ لوحدهِ
كيما يَنعَّمَ جائِعٌ أو صادِ
أبليتَ في الصبرِ البلاءَ فأنتَ مِن
بَيتِ الشجاعةِ طِيبةِ الأجدادِ
كانَ السفيرَ وحُجّةً ومصابِراً
فأتَتْهُ غأئلةٌ من الفُسّادِ
هو هادئٌ إذ حاصرتهُ جحافِلٌ
هو خاشعٌ ليلَ اللّقا الميعادِ
هو فارسٌ ذُهِلَ العدا ليمينِهِ
هو هازئٌ بالموتِ والأضدادِ
هو مُؤمن ملءَ الوجودِ وكُنهِه
هو مُسلمٌ ذو عِفّةٍ وسَدادِ
سلْ طَوْعَةَ الشَمّاءَ عن أوصافِهِ
تُنبيكَ عن تقوى بني العُبّادِ
طلبَ الضِّيافةَ يتّقي شرَّ العِدا
في الليل حيثُ كَمائنُ الأجْنادِ
وجدَتهُ قد نبذَ الطَّعامَ ونَومَهُ
لَزِمَ العِبادَةَ دون أيِّ رُقادِ
خوفاً من الملكِ العظيمِ ومَكْرهِ
ونوائبٍ تأتي حصيل جحادِ
أو عابِداً يَصِلُ الصّلاةَ بمثلِها
في رهبةٍ وتبتُّلٍ و سُهادِ
لمّا أُحيطَ ملاذُهُ فجْراً على
وَقْعِ الخيولِ وضَجّةِ الأوغادِ
كشفَ الجموعَ مُفرِّقاً ومُجَندِلاً
كالليثِ لا يلوي على الأعدادِ
وأراهُمُ إذّاكَ صَولةَ عَمِّهِ
دِرعِ النبّوةِ والوصيِّ الهادي
لكنَّ غدرَهمُ الدّنيءُ كبا بهِ
فغدا أسيراً بين جَمِّ أعادِ
تِلكُمْ شَهادةُ (طَوْعَةٍ) عن مُسلِم
نِعْمَ الرّوايةُ سُجِّلَتْ بمِدادِ
سَلْ هانياَ عن نُبْلِهِ ووفائِهِ
يُنبِيكَ عن أُكرومةِ الأجوادِ
تأبى مُروءَتُهُ الزَكيّةُ غَيْلَةً
حتى لِمَنْ في ذروةِ الأحقادِ
خذ إن أردتَ جوابَ من أودى بهِ
سيقولُ: كانَ بوسعهِ إخْمادِي
لكنما دينٌ لهُ و أَرُومَةٌ
منعا مِنَ التّنكيلِ والإفسادِ
ما أن ظفَرتُ بهِ وجَدتُ مُصابِراً
صُلْبَ الشّكيمةِ قد أذلَّ عِنادِي
فقتلتُه من عَلْوٍ قَصرِ إمارةٍ
وأمَرتُ جنديَ سَحلَهُ بِتَنادِ
سَلْ معشراً طلبوا الحياةَ بموتهِ
يأتوكَ بالإكبارِ و الإسنادِ
لكنّما الدّنيا الغَرُورُ مشَتْ بِهِمْ
صوبَ الخنوعِ وذِلّةِ الإعبادِ
نبذوا رسولَ إمامِهمْ وعهودَهُم
طُرّاً على التأييدِ والإِعضادِ
ووعودَهمْ نَصْرَ الحسينِ إذا أتى
فالأُمّةُ امتثلتْ بكلِّ رَشادِ
فَسيوفُهمْ معْ اِبنِ بنتِ نبيِّهِمْ
مسلولةٌ ضرباً بكلِّ زِنادِ
لكنَّهمْ وبفعلِ مَحْضِ إشاعةٍ
رعدَتْ فرائِصُهمْ فيا لَحِدادي
تركوا السَّفيرَ وبَيعةً أَعطَوا لهُ
جعلُوه مطروداً بِلا إنجادِ
وتسابقوا من بعدُ نحو مكانِهِ
يرمونَهُ فكأنَّهُ في عَادِ
وكأنّهُ ما كان قبلُ أميرَهم
يحفُونَهُ بِتَهيُّبٍ ووِدادِ
شبلَ الأكارِمِ كابراً عن كابرٍ
أنتَ العلى في دوحةِ الأمجادِ
واسيتَ بالنُّبلِ الأصيلِ رِسالةً
لأكارِمٍ بَرزوا لخيرِ جِهادِ
أقسمتَ أن تَلِجَ الخلودَ مُكافحاً
زَيْفَ الطُّغاةِ ودولةَ اﻹلحادِ
في كربلاءَ كواكبٌ تزهو بهمْ
حُلَلُ السماءِ ومحكَمُ الأَوتادِ
والشمسُ تسطعُ بالشّروقِ على المدى
ذاكَ الحسينُ وسيِّدُ الأسيادِ
لَمّا رماهُ القصرُ من علوائهِ
بغضاً لآلِ البيتِ في الأَشهادِ
لم يُدرِكوا أنَّ التّرابَ يرُدُّهُ
صرحاً علِيّاً واسعَ الأَبعادِ
فالكوفةُ الشمَّاءُ ترفعُ عالياً
قبرَ الشّهيدِ الحُرِّ بالأكبادِ
تلكُمْ حقيقةُ مُسلِمٍ أهلِ التُّقى
وشهادةٌ فجَعتْ صميمَ فُؤادِي