سلايدر

كلمــة السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فـى الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي الرابع

استمع الي المقالة

أشرف أبوعريف

معالي السيدة فيدريكا موغريني

        الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، نائب رئيس المفوضية الأوروبية

معالي السيد خميس الجهيناوي

        وزير خارجية الجمهورية التونسية

أصحاب المعالي والسعادة، 

السيدات والسادة،

       يسعدني فى البداية أن أرحب بالوفود الأوروبية المشاركة فى اجتماع اليوم فى جامعة الدول العربية، بيت العرب متمنياً لهم إقامة سعيدة.

       وأجدوني فى اتفاق كامل مع السيدة موغريني حول إدانة جميع أعمال الإرهاب التى وقعت فى عدد من عواصم العالم.

إن اجتماع اليوم هو الرابع للسادة وزراء خارجية الدول العربية والاتحاد الأوروبي… وإن تتابع هذه الاجتماعات ودورية انعقادها يعد دليلاً على الجدية التى بات يتسم بها هذا التعاون، كما يأتي تتويجاً لعملٍ دؤوب ومتواصل على مدار السنوات الماضية بين جامعة الدول العربية والمفوضية الأوروبية لتنفيذ جملة من البرامج المشتركة بأهداف واضحة وأطر زمنية محددة.  ولاشك أن الموقع الجغرافي والأهمية الإستراتيجية لكل من الدول العربية والأوروبية قد فرضا ضرورة التعاون بين الإقليمين فى شتى المجالات؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

       لقد شهد الحوار العربي الأوروبي الذى بدأ منذ عقود عديدة بعض العثرات.  وبالرغم من تحوله إلى تعاون مؤسسي بين الجانبين، إلا أن هناك إمكاناتٍ كبيرة- ما زالت غير مستغلة- لتطويره وتعزيزه….  ومع ذلك، فإننا نُثمن عالياً ما جرى انجازه حتى الآن…حيث تم إطلاق الحوار الاستراتيجي بين المنظمتين في نوفمبر الماضي لتبادل الآراء حول القضايا السياسية والأمنية والتعاون بشكل عملي لتعزيز علاقات التعاون بيننا، وكذلك فى مجال الإنذار المبكر والاستجابة للأزمات بالإضافة إلى تبنى برنامج العمل المشترك الذى يشمل العديد من مجالات التعاون والتدريب وبناء القدرات.

وإذا نظرنا إلى ما صدر عن الاجتماعات الوزارية السابقة من دعوة إلى للتعاون بشكل وثيق من خلال عدد من المبادرات والمشاريع نرى أنها – إذا ما نفذت بإرادة حقيقية- يمكن أن تحدث نقلة نوعية في مستوى التعاون العربي الأوروبي. وإننا نتطلع إلى أن يصدر عن اجتماعنا هذا إعلانٌ يتضمن مقترحاتٍ جديدةً لتفعيل هذا التعاون من خلال تنظيم اجتماعات دورية لكبار المسئولين بهدف تحديد الأولويات على نحو مشترك واقتراح آليات مختلفة للتعاون فى كافة المجالات وعلى جميع المستويات… بما فى ذلك اقتراح عقد اجتماعات قطاعية وزارية أخرى، واجتماعات الخبراء والمشاريع المشتركة. وفي هذا الإطار، يأتي اقتراح تنظيم قمة عربية أوروبية بشكل دوري تأكيداً على رغبة الجانبين فى تطوير العلاقة بينهما، والارتقاء بها إلى أعلى المستويات.

السيدات والسادة،

       يأتي اجتماعنا اليوم بينما المنطقة العربية تمر بلحظات صعبة وفارقة سبقني بشرحها الرئاسة العربية والسيدة موغريني، إن الأزمات التي تواجهنا منطقتنا لن تتوقف انعكاساتها وتداعياتها عند حدودنا، بل ستتجاوزها – كما رأينا جميعاً- إلى محيطها وجوارها القريب وللأسف البعيد أيضاً. ولن يصير ممكناً مواجهة التحديات الجسام والخروج من الأزمات الطاحنة سوى بإرساء شراكة وتعاون حقيقيين بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي الذي يُعد الأقرب لنا، بحكم الجغرافيا وبواقع التجربة الحضارية المُشتركة.. وهو أيضاً الأكثر التصاقاً بقضايانا وهمومنا، ورؤيته للتطورات في العالم العربي تنطلق دوماً من بواعث إنسانية وأخلاقية نُقدرها ونُثمنها عالياً.

       إن المأساة السورية تُثير في نفوس الشعوب العربية جميعها شعوراً بالأسى الشديد، فقد بلغ القتل والعُنف والتشريد مدى غير مسبوق من الوحشية في ظل عجزٍ دولي مخزٍ عن وقف العُنف وإنهاء معاناة مئات الآلاف من المدنيين. وقد صارت الأزمة مسرحاً لتجاذبات دولية وطموحات إقليمية جاءت كلها على حساب الشعب السوري الذي يعيش واحدة من أفدح الأزمات الإنسانية التي لم يشهد العالم لها مثالاً منذ سنوات طويلة.

       إننا إذ نُدين الممارسات التي يقوم بها النظام السوري وحلفاؤه من عمليات عسكرية وحشية في مدينة حلب، فإننا تؤكد مجدداً على ضرورة تحمل مجلس الأمن لمسئولياته كاملة في حفظ الأمن والسلم، وأغتنم هذه المناسبة لكي أدعو أصدقاءنا الأوروبيين إلى توظيف ثقلهم السياسي وإمكاناتهم الدبلوماسية من أجل إنهاء العُنف في سوريا، والتحرك في سبيل إقرار الحل الوحيد الممكن لهذه الأزمة، وهو الحل السياسي الذي يستند إلى مقررات جنيف1.  كما أوجه الشُكر والتقدير لجميع الدول الأوروبية التي ساهمت في استقبال اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الحرب، وأدعو الدول المانحة إلى الالتزام بتعهداتها إزاء الدول المُستقبلة للاجئين.

السيدات والسادة..

       برغم توالي الأزمات، تظل القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، كما يبقى استمرارها سبباً مُباشراً من أسباب انعدام الاستقرار في المنطقة… إن المجتمع الدولي ما زال يُظهر عجزاً أمام ممارسات الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تُمعن في البناء الاستيطاني بصورة غير مسبوقة وعلى نحو يؤدي إلى تقويض حل الدولتين والقضاء على أي أفق لتحققه على أرض الواقع.

       إن الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المُحتلة هو عمل غير شرعي وعار من أي غطاء قانوني، مهما حاول الطرف الإسرائيلي الالتفاف على هذه الحقيقة بمحاولة شرعنته… وإننا نُقدر المواقف الأوروبية من النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، بما في ذلك حملات وسم المنتجات التي تُصنع في المستوطنات. وقد آن الأوان لتحرك دولي فاعل ومتضافر من أجل وقف الاستيطان كخطوة أولى ضرورية لإنقاذ حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بما يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه في إقامة دولته المُستقلة على خطوط الرابع من يونيو، وعاصمتها القدس الشرقية.

       وفي نفس السياق، فإننا نُطالب دول الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بالتصدي بكل حزم لمسعي إسرائيل للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن، إذ يتناقض ذلك المسعى مع أبسط قواعد المنطق ومبادئ العدالة، فالاحتلال يجب إنهاؤه لا مكافأته بأن يصبح عضواً في جهاز الأمم المتحدة المنوط بحفظ السلم والأمن الدوليين.

أصحاب المعالي،

       إن الوضع المتأزم فى ليبيا على المستوى الأمني والسياسي يستدعي عملاً مُتضافراً بين الجانبين العربي والأوروبي من أجل استعادة الاستقرار لهذا البلد… ولا يخفى أن تبعات انعدام الاستقرار في ليبيا تمس الجوار العربي والأوروبي على حد سواء، مما يُحتم تعزيز الجهود من أجل مواجهة الأزمة الليبية بكل تعقيداتها والعمل على التوصل إلى  مصالحة وطنية وتسوية سياسية يرتضي بها الجميع وتراعى الحقائق على الأرض…. وقد قُمت مؤخراً بتسمية مبعوث لي إلى ليبيا لهذا الغرض، وبحيث يعمل بشكل وثيق مع كل من المبعوث الأممي والافريقي من أجل تهيئة السُبل للتسوية المنشودة.

 أما فيما يتعلق باليمن، فإننا نؤكد استمرار دعمنا للشرعية الدستورية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي… ونُشدد في هذا المقام على أن المفاوضات تُمثل السبيل لحل الأزمة اليمنية، وأن أية مفاوضات لابد وأن تنطلق من المُبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومُخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي توافق حولها اليمنيون جميعاً، فضلاً عن القرار 2216 الذي ينص على إنهاء الانقلاب على الشرعية وانهاء احتلال الحوثيين للمُدن اليمنية.   

ولا ننسى هنا التعبير عن دعمنا الكامل للحكومة العراقية فى الحرب الشرسة التي تخوضها ضد تنظيم داعش… ونرحب بما تم إنجازه حتى الآن لتحرير الموصل، واثقين من أن الانتصار في هذه المعركة سيُمثلُ مُقدمة لقيام وضع مُستقر يستوعب جميع مكونات الشعب العراقي في إطار وطني جامع… وفي هذا السياق، فإننا ندعو مُختلف القوى الإقليمية أن تنأى بنفسها عن أية تدخلات في الشأن العراقي تنطوي على إفتئات على سيادته، أو تُسهم في تصعيد توتراته الداخلية.

السيدات والسادة،

       إن العالم العربي والاتحاد الأوروبي شريكان… علينا العمل في هذه المرحلة بالذات على تعزيز شراكتنا ودعم علاقاتنا وتنسيق مواقفنا، تحقيقاً للمنافع المتبادلة ودرءاً للمخاطر المُتعاظمة التي تواجه شعوبنا.

شكراً لكم،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى