تفجير جيوسياسي!
بقلم: أحمد طه الغندور
يرى البعض أن الكارثة التي حلت ببيروت نتيجة الانفجار المأساوي الذي حدث في المرفأ مساء أول أمس تُعادل في فداحتها كارثة “تشيرنوبل” التي حدثت في سنة 1986 في أوكرانيا السوفيتية، لكن حيثيات الانفجار السوفيتي كانت أكثر وضوحاً منها في الكارثة اللبنانية!
حتى الأن لا يمكن الاعتماد على رواية مؤكدة تُشير بأصبع الاتهام إلى الجاني في هذا الجُرم الذي لا يُمكن أن يتسلل من الذاكرة خلال فترة ليست بالقصيرة من تاريخ لبنان ومنطقة شرق المتوسط!
فهذه الجريمة ذو بصمات جيوسياسية!
لعل العامل الأساسي الذي تدور حوله الجريمة هو أن انفجار مرفأ بيروت في نتائجه الكارثية، يرجع في الأساس إلى وجود مادة “نترات الأمونيوم” بالأطنان داخل المخزن رقم (12) في المرفأ!
لكن ما يُثير حيرة خبراء الكيمياء والمتفجرات؛ أن مُركب نترات الأمونيوم مادة غير حساسة نسبياً؛ بالمقارنة مع المواد المتفجرة الأخرى، فهي تحتاج إلى طاقة عالية نسبياً لحدوث انفجار!
بمعنى أن الانفجار الذي وقع لا يمكن أن يرجع إلى أسباب بيئية طبيعية؛ كارتفاع درجة الحرارة، بل هو بحاجة إلى “مُفجر” يُعطى الحرارة اللازمة للنترات كي تبدأ بالانصهار ثم الانفجار؛ مُخلفة تلك الغمامة الحمراء التي تتشكل في الأساس من “أكسيد النيتروجين” وهو مجموعة من ملوثات الهواء الضارة!
وهو يشبه تماماً الانفجار الذي وقع في إحدى ضواحي مدينة “لودفيغسهافن” الألمانية سنة 1921، والذي أعطى الخبراء كافة المعطيات حول انفجار “نترات الأمونيوم” المركب الذي غالباً ما يستخدم كسماد في الزراعة!
وبما أن الجغرافيا السياسية؛ تُعنى بدراسة النتائج الغير متساوية من الناحية المكانية للعمليات السياسية، والتي يأتي من ضمنها دراسة توسع ” النفوذ الجيوسياسي ” بالنسبة لأية دولة على حساب غيرها من الدول، لذا كان من الطبيعي القول بأن من يملك هذه المعلومات؛ عما يتواجد في مرفأ لبنان، وما هي حدود التقاطعات الطائفية في لبنان، وكيفية استغلال “منصات الفساد” فيما بينها، لا شك بأنه قادر على القيام بهذا “التفجير الجيوسياسي” لأنه يسعى من خلاله إلى إعادة رسم الخريطة السياسية والطائفية في لبنان، والتي ستمتد أثارها إلى الدول المجاورة في سوريا، وإيران، والعراق كما سيكون لها أثارها على قضية اللاجئين وبالتالي ستتأثر فلسطين والأردن!
لذلك لابد أن نصل إلى نتيجة مفادها بأن “انفجار مرفأ بيروت” هي جريمة متكاملة الأركان، قام بها “عدو لا يرحم” ـ وهم بالمناسبة ـ أكثر من طرف خارجي، أحسن استغلال الفساد الناتج عن “الطائفية والحزبية” اللبنانية في ظل “الكساد الاقتصادي” الذي يضرب ” لبنان ” في زمن “الكورونا”، من أجل تحقيق مصالحهم الاستعمارية الخاصة!
ومن الجدير بالذكر، أن سياسة “التفجير الجيوسياسي” قد سبق تنفيذها في ” لبنان ” أكثر من مرة لإعادة رسم خارطة التوازنات السياسية؛ ولعل أبرزها “حادثة السفارة الأمريكية” في العام 1983، وحادثة “اغتيال المرحوم رفيق الحريري“ ـفي 2005 ـ والذي بالمناسبة أجلت المحكمة الجنائية الدولية النطق بالحكم فيه إلى تاريخ (18) من الشهر الحالي ـ والتي تلّها عشرات الاغتيالات السياسية وصولاً إلى “الجريمة الأبشع” في “مرفأ بيروت”!
في الختام، لا بد من القول؛ بأن “انفجار مرفأ بيروت” هو “حدث استراتيجي” ـ حتى وإن كان جريمة ـ يستحق المزيد من الدراسة والتحليل!
لبنانياً:
يجب المراجعة والمحاسبة من اللحظات الأولى حول “اتفاق إدخال السفينة” المحملة بالأمونيا أو النترات إلى لبنان، والانطلاق إلى التخلي عنها وقرارات التخزين وعدم التخلص منها، مع التعمق في بحث دور الأطراف الطائفية ورموز الفساد في ذلك!
ثم يبقى السؤال الأهم؛ كيف المحافظة على وحدة، وسيادة لبنان بعيداً عن التدخلات الخارجية؟!
عربياً:
ما حدث في لبنان لم يحدث لولا تفضيل “التطبيع والتعاون الإقليمي” على منظومة ” الأمن القومي العربي “! ما حدث في ” لبنان ” حدث ويحدث في العديد من العواصم العربية التي “تتمسك بحقها بالصمت” خشية الإدانة! وسيادتها تُنتهك، وثرواتها تُنهب، وهي تبتسم في وجه العدو!
أين ” رجال الظل “؟!
“إسرائيلياً”:
لا شك أن حجم الدمار وقوته، وعدد الضحايا، قد فاقت كل المخططات والتنسيق العالي الخاص بهذه الجريمة البشعة، والتي قد لا يفصح فاعلها عن نفسه سراً أو علناً، لكنه مفضوح!
ويبقى السؤال الأهم مفتوحاً، هل لديكم الوقت الكافي لتأمين ما تسمونه بـ “الجبهة الداخلية” وقد ازدادت النقاط الحمراء على الخريطة كأهداف محددة للقصف؟! وهل تملكون الإمكانيات لنقلها أو حمايتها؟!
أشك في ذلك!
اهتمامكم بحماية “الفاسدين” واهتمامكم بالتدخل في “إثيوبيا” وإشعال النيران في “الخليج” أقوى من اهتمامكم من حماية “الجمهور” من “الكورونا” فما بالكم بما تسمونه “الجبهة الداخلية”!
فهل تظنون بأن “الجاني” في لبنان في مأمن من العقوبة على جريمته؟!
فلسطينياً:
هناك من يسعى إلى جارنا للغوص في “مستنقع الطائفية” في لبنان وتفجير ملف اللاجئين في هذا الوقت الصعب، إلى متى البقاء في مربع “ردود الأفعال” و “إدارة الأزمة”، لا شك أن ذلك يقودنا إلى نموذج أخر جديد من حكم “الطائفية والحزبية” في الشرق الأوسط!
باستغراب أقول: ما العمل؟!
أخيراً، أدعو بالرحمة للضحايا في هذه الجريمة، وتعازينا للثكلى، والشفاء العاجل للجرحى، والسلامة للمفقودين والمهجرين!