بقلم: السفير ناصر کنعانى
رئیس مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بالقاهرة
جاء فی یوم الأربعاء الثامن من یولیو عام 2020 فی بوابة «اخبارالیوم» المصریة مقالة کتبها الاستاذ الدکتور محمد حسن البنا وکان فیها اتهامات لیس لها أساس من الصحة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، ورأیت أنه من الضروری أن ألفت نظره ونظر القراء أیضًا إلى بعض النقاط:
لم تبدأ إیران حربًا ضد أی دولة على مدار القرون المتمادیة ولم تکن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أیضًا هی الضاغطة على زناد أی حرب عسکریة ضد أی دولة خلال الأربعة عقود المنصرمة منذ انتصار الثورة الإسلامیة، إلا أنه وبعد مدة قصیرة من الثورة الشعبیة الإیرانیة ضد نظام العائلة البهلویة أصبحت إیران ضحیة لاعتداء عسکری طویل الأمد استمر لمدة 8 سنوات شنه نظام صدام حسین، وهو الاعتداء الذی کان یحظى بدعم واسع من قِبل البعض من الدول العربیة الإقلیمیة ودُعم أیضًا سیاسیًا وعسکریًا من قِبل أمریکا وأوروبا، بینما کانت إیران محظورة حتى من شراء الأسلاک الشائکة من بقیة الدول بسبب الحصار الظالم، لقد حظی نظام صدام بمختلف الدعم والمساعدات العسکریة وأکثر المعدات والأجهزة تطورًا کمنحة لا تُرد، حتى أنه قد تم تدعیمه بترسانة أسلحة کیمیائة وهبتها له بعض الدول الأوروبیة المعروفة، هذا بالإضافة إلى الدعم السیاسی والمالی والتسلیحی الذی قدمته له بعض الدول الإقلیمیة، لیس هذا فحسب بل أرسلوا جنودهم أیضًا لمساعدة جیش صدام المعتدی. لو لم یکن کاتب المقال على علم بهذا الأمر – وأنا أستبعد ذلک – فسوف أخبره فیما بعد بجنسیات أسرى الحرب الذین أسرتهم إیران أثناء تلک الحرب وسلمتهم الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لدولهم بعد ذلک.
إن الدولة التی وفی بدایة ثورتها الشعبیة الإسلامیة فُرضت علیها حربًا ظالمة جبانة شنها نظام صدام مدعوما اقلیمیا وغیره، لها الحق بدون أدنى شک أن تُجهز وتُعد نفسها بأحدث الإمکانات الدفاعیة المتطورة حتى لا یتجرأ بل حتى لا یُفکر أی معتد على التحدیق بأرضها وترابها.
لو کان لدى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة نیة فی الانتقام أو الاعتداء على جیرانها لکانت استجابت لطلب الحکومة الأمریکیة عندما طلبت تعاون ومرافقة إیران لها فی الهجوم العسکری على العراق عام 2003م، ولکن إیران کانت الدولة الإقلیمیة الوحیدة التی بذلت کل مساعیها لمنع الهجوم العسکری الأمریکی على العراق فی ذلک العام، إلا أنها لم تنجح فی منع هذه الکارثة والعمل اللاقانونی الذی أقدمت علیه الحکومة الأمریکیة.
من البدیهی أن تصریحات مسئولی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة حول القدرات ونقاط القوة على طول حدود إیران البحریة والبریة لیست لتهدید دول الجوار، بل لردع الأعداء أصحاب التاریخ الملوث والملیء بالاعتداءات وشن الحروب والهجمات العسکریة غیر القانونیة على الدول المستقلة، إن الدولة التی تتعرض للتهدید یومیًا من قِبل نظام استکباری وخاضت تجربة حرب ظالمة مریرة استمرت لثمان سنوات، من البدیهی لها ألا تنتظر العدو حتى یأتی إلى حدودها.
من العجیب والمؤسف أن یغض الکاتب المحترم نظره عن الاعتداءات العسکریة التی تقوم بها بعض الدول والاطراف المعروفة والمحددة على العراق والیمن ولبنان وسوریا ولیبیا وافغانستان وغیرها، ثم یوجه أصابع اتهامه إلى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ویتهمها بالتدخل فی تلک الدول وزعزعة استقرارها ودعم الإرهاب فیها.
إنه لمن دواعی الفخر والاعتزاز للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أمام المولى عز وجل وأمام الضمائر الحیة أنها کانت ولا زالت أهم الداعمین للشعب الفلسطینی المظلوم منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة، وأنها لم تدخر جهدًا فی الدفاع عن تحریر جمیع الأراضی الفلسطینیة من قبضة المحتلین الصهاینة، کما أنها لم تعترف أبدً بالکیان المسمى بإسرائیل.
أما بالنسبة للعراق، فبالإضافة إلى رفض إیران الاعتداء الأمریکی على العراق عام 2003م، فقد کانت أیضًا أول دولة هبت لمساعدة الحکومة والشعب العراقی خلال السنوات القلیلة الماضیة فی مکافحة ومقاومة الإرهاب الداعشی الأسود، ومنعت سقوط بغداد وأربیل، کما أنها لم تکتف بذلک بل ظلت وستظل واقفة بجانب الحکومة والشعب العراقی سنة وشیعة والکرد وإیزدییین وترکمان وآشوریین حتى إسقاط ما یسمى بخلافة داعش فی العراق بشکل کامل.
أما عن سوریا، فقد کانت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة هی المانعة الرئیسیة لسقوط حکومة عربیة وإسلامیة مستقلة فی ید الإرهاب وداعمیه الأجانب المعروفین، ولا زالت إیران تقف بجانب الجیش والشعب السوری بناء على طلب الحکومة الشرعیة ضد المعتدین، لم یقف الأمر عند الدعم العسکری فحسب، بل هبت إیران لمساعدة سوریا حکومة وشعبًا ضد القانون الظالم واللاإنسانی المسمى ب”قیصر”.
أما عن الیمن، فمن العجیب أن یتم غض النظر عن الاعتداء الخارجی على أراضی هذا البلد العربی الإسلامی المستقل، ویتم اتهام إیران بإشعال الحرب وتقتیل الشعب الیمنی! إننی هنا أدعو کاتب المقال المحترم بالرجوع والاطلاع على الوثائق المسجلة فی الأمم المتحدة عن طریق بحث بسیط فی محرکات البحث الإنترنتیة حتى یعی أن إیران هی أول دولة أدانت الاعتداء الخارجی على الیمن وأعلنت أن الحل العسکری فی الیمن لن یصل إلى أی نتیجة، وکانت إیران هی الدولة الوحیدة التی دعت إلى وقف إطلاق النار ودعت إلى السلام والتفاوض وطالبت بمنع سفک دماء الشعب الیمنی المظلوم وتدمیر هذا البلد، إن أولئک الذین أغمضوا أعینهم عن تاریخ المقاومة الشعبیة الیمنیة، لا یحق لهم توجیه اللوم والعتاب لإیران بسبب هزیمة الاعتداء العسکری على الیمن.
وبالنسبة للبنان أیضًا، فإن أی ضمیر حی منصف یذعن أن إیران قد قدمت خدمة لا مثیل لها للبنان ساعدتها على حفاظ استقلالها وعزتها وکرامتها، کان هذا عبر دعم المقاومة الشعبیة فی هذا البلد والوقوف بجانب الحکومة والشعب والجیش والمقاومة الشعبیة فی لبنان سویا، وبهذا فقد دافعت عن سیادتها ووحدة أرضها ونسیجها الداخلی، وإن من یلومون إیران على دعم المقاومة فی لبنان ویعتبرون المقاومة الشعبیة اللبنانیة إرهابًا ویتهمون إیران بدعم الإرهاب، یجب علیهم أن یجاوبوا على سؤال هام وهو مع أی طرف قد وقفوا أثناء حرب ال33 یومًا التی شنها الکیان الصهیونی ضد لبنان فی صیف عام 2006؟! وما هی المساعدات التی قدموها للشعب اللبنانی من أجل الدفاع ضد الاعتداء الصهیونی؟! (الاعتداء الذی وصفته السیدة کوندولیزا رایس وزیرة الخارجیة الأمیرکیة السابقة محنة لبنان کجزء من “نزاعات الولادة فی الشرق الأوسط الجدید” وتقول أن إسرائیل یجب أن تتجاهل دعوات وقف إطلاق النار) ومن الذی دافع عن حدود وأمن وأمان الشعب اللبنانی والمواطنین بمختلف أدیانهم وطوائفهم حینما هدد الإرهاب الداعشی الأسود الأراضی اللبنانیة عن طریق وجوده فی الأراضی السوریة؟! سوف یحکم تاریخ والضمائر الإنسانیة الحیة أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة کانت دائمًا جزءًا من الحل السیاسی فی القضایا الداخلیة اللبنانیة، کما أنها لعبت دورًا هامًا فی مواجهة الاعتداء العسکری الخارجی من أجل قدرة واقتدار لبنان.
وفی النهایة، فإن ادعاء الکاتب المحترم الذی یقول فیه أن إیران تدعم المجموعات الإرهابیة فی مصر، هو ادعاء واتهام لا أساس له من الصحة مثله مثل بقیة الاتهامات، وبغض النظر عن اختلاف نظرة إیران ومصر لبعض الملفات الإقلیمیة الهامة من ضمنها القضیة الفلسطینیة – وهی السبب الأساسی فی قطع العلاقات الرسمیة بین إیران ومصر بناء على النظرة السیاسیة الإسلامیة الخاصة بالإمام الخمینی رحمه الله القائمة على عدم جواز تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی-، فإن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تنظر إلى مصر بکونها دولة اقلیمیة هامة جدًا ولا بدیل لها فی العالم العربی والإسلامی، ولا تعتبر إیران بأی شکل من الأشکال أن زعزعة الاستقرار فی مصر أو إضعافها سببًا فی تأمین مصالحها وشعوب وحکومات المنطقة، من المسلم به أن ملف علاقات البلدین الصانعتین للتاریخ وصاحبتی الحضارات البشریة الکبرى یحمل بعض العقد فی طیاته، وطرح هذه العُقد فی الأجواء الإعلامیة والصحافة لن یساعد أبدًا فی حلها، ولکن إیران لم تُخفِ أبدًا میولها ونیتها فی التحاور والتفاهم، لأن إیران تعتقد فی الأساس بضرورة التحاور بین دول المنطقة من أجل حل الخلافات ووضع المسارات الصحیحة لتأمین المصالح المشترکة دون تدخلات من خارج المنطقة، وکان هذا هو سبب حضور ومشارکة الممثل الرسمی للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی مراسم واحتفالیة تنصیب فخامة الرئیس عبدالفتاح السیسی فی دورة رئاسته الأولى.