رأى

 الدبلوماسية المُضللة

استمع الي المقالة

بقلم: أحمد طه الغندور

 لا شك أن الربط بين الدبلوماسية والخداع، والغموض أحياناً يرجع إلى ماضٍ سحيق، فقد أشتهر “هرميس” سفير “الآلهة اليونانية” بأنه؛ “ماكر ومحتال وسارق”، كما لم تسلم الدبلوماسية من وصمة الخداع والتضليل في العصور الوسطى.

 فحين رغب “السير هنري وتون” في العام 1604 في تعريف الدبلوماسي؛ لم يتردد في وصفه، بأنه “رجل أمين أرسل للخارج للكذب من أجل بلاده”.

ولعل المتابع لـدبلوماسية “الكيان الصهيوني” يُدرك بأن “تل أبيب” قد عشقت النهج اليوناني القديم الذي يعتمد على كون ” الدبلوماسي ” ـ ماكر ومحتال وسارق ـ وهو ليس بأي حالٍ من الأحوال ” رجل أمين “!

وبالرغم من الفوضى في “النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي” كما وصفها التقرير السنوي ـ لما يُسمى باسم “مراقب الدولة الإسرائيلي”، “متنياهو إينغليمان”، والذي نُشر حديثاً، حيث تم تسليم نسخة منه إلى “رئيس الكنيست”؛ “بني غانتس”، قد خلُص إلى نتيجة مفادها “أن “الخارجية” هناك تعاني من أزمة عميقة، وأنه تم تحييدها بشكل أدى إلى إفراغ مضمون عملها الأساسي في إدارة العلاقات مع الدول الأجنبية المختلفة”.

وأضاف التقرير بأن؛ “عشرات الدوائر والهيئات لدى “الكيان” تنشط في علاقات مع الأطراف الدولية المختلفة من وراء ظهر “الخارجية!

 لذلك فقد حذر ما يُسمى “مجلس الأمن القومي” لدى “الكيان” من تقليص نطاق نشاطات “الخارجية”، وتداعيات ذلك على المس بالعلاقات الدولية، بينما حذر “كبار موظفي الوزارة” من التأثير السلبي “على النشاط الاقتصادي مع الدول الأجنبية بنحو 80%، وضرب “النشاط الإسرائيلي” ضد إيران، وضد ما تسميه “تل أبيب” بنشاطات نزع الشرعية عنها!

ولعل من الجدير الذكر؛ أن ما لم يصفه “التقرير” يرجع إلى ” الدبلوماسية المُضللة ” أو الدبلوماسية عن طريق الخداع التي تنتهجها “تل أبيب” كأسلوب للعلاقات الدولية مع الدول، والمنظمات الدولية المختلفة!

وعلى سبيل المثال؛ فقد لاحظ ” المجتمع الدبلوماسي ” أنه في الوقت الذي لم تتضح فيه الصورة الكاملة حول وفاة “السفير الصيني” لدى “الكيان”، و الضغوط الأمريكية التي أدت إلى إلغاء اتفاقيات تجارية هامة بين “تل أبيب” و ” الصين ” لإقامة مشروع لتحلية مياه البحر، تُطالعنا “الصحافة العبرية” بخبر، “أن طائرة إسرائيلية نزلت في مطار الخرطوم الدولي في “السودان”، وغادرته بعد تسع ساعات، وبررت الدافع وراء تلك الرحلة الغامضة بأنها جاءت لمساعدة “نجوى قدح الدم”، وهي “مهندسة العلاقات بين “الكيان” والسودان، حيث كانت “الراحلة” هي من رتبت اللقاء بين “ناتنياهو” و”البرهان”!

ويضيف الخبر بأن؛ “قدح الدم” كانت قد أصيبت بمرض فيروس (كورونا)، “لكن لسوء الحظ فات الأوان لمساعدتها وماتت ذلك اليوم”، وفق ما جاء في الخبر!

فهل اتسمت “الدبلوماسية الإسرائيلية” بالإنسانية في الحالة السودانية على بعد ألاف الأميال عن شاطئ ” تل الربيع ” التاريخية، بينما غابت تلك “الإنسانية” في “مقرها” إذ لم تتمكن من إسعاف السفير الصيني؛ الذي يحيط الغموض أسباب وفاته؟!

أيعقل أن تكون أسباب أخرى ابتدعتها “الدبلوماسية الإسرائيلية المضللة” من وراء رحلة “الطائرة” إلى السودان؟! هل من المقبول الظن؛ بأن “الطائرة” قد نجحت في تسويق “المساعدات الطبية الخليجية” التي رفضتها ” القيادة الفلسطينية لارتباطها بـ “التطبيع مع الاحتلال” ونقلتها إلى “الخرطوم”؟!

أم هل من الممكن أن تكون “تل أبيب” قد ضغطت على “شركاء الوهم” في “الخليج” لإرسال “حقائب المال المتأخرة ـ من خلال “ناتنياهو” البارع في مهمة نقل الأموال ـ إلى “حكام” السودان المتعطشين لذلك، كي يتم تدشين خط جوي مباشر بين الطرفين، ترسيخاً لـ “وهم التطبيع”؟!

ولعل أشد حالات “دبلوماسية التضليل” وضوحاً نشهدها هذه الأيام مع جريمة “الضم” التي تُصر سلطات “الاحتلال” تطبيقها على الأرض الفلسطينية في القدس، والضفة ومنطقة الأغوار الفلسطينية تماهياً مع ما يُعرف باسم “صفقة القرن” أو “خطة ترامب” في تموز/يوليو القادم!

فقد أجمع العالم على رفض هذه “الخطة” كونها تخالف قواعد القانون الدولي بفروعه المختلفة، كما أنها تخرج عن الأطر التي أقرت الشرعة الدولية، مما يجعل “الضم” جريمة مخالفة للقواعد الدولية والأعراف التي قبلتها المجتمعات المتحضرة، وخروجاً على مبادئ الأمم المتحدة.

فجريمة “الضم” الإسرائيلية تجمع بوضوح بين أركان جريمة “العدوان” و “جرائم الحرب” التي تجرمها قواعد القانون الجنائي الدولي، المتمثل في “ميثاق روما” الخاصة بـ “المحكمة الجنائية الدولية”.

لذلك نجد أن “سلطات الاحتلال” أخذت تميل إلى الخداع في طرح مسألة “الضم” المرفوضة دولياً، وذلك لعدة أسباب أهمها: ـ

أولاً: أن مصطلح الضم؛ يُذكر بالنهج الذي اتبعته “موسكو” في ضم “شبه جزيرة القرم” في العام 2014 وهو الأمر الذي يرفضه المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ورفضته الأمم المتحدة في قراراتها الصادرة عن جمعيتها العامة، فكيف يمكن أن يقدم “الاحتلال” نفسه بأنه مخالف للشرعية الدولية؟!

ثانياً: المسار الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية في الشروع بالتحقيق في “جرائم حرب” يرتكبها “الاحتلال” في فلسطين، دفع “سلطاته” إلى مزيد من الحذر في خطواته؛ رغم الغرور الكبير الذي يتمتع به رموز “الاحتلال” وكونهم “أشخاص فوق القانون” لا يمكن المس بهم.

ثالثاً: العديد من الدول العربية “المُطبعة” مع “الاحتلال” ترفض في العلن “خطة الضم”، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى وخاصة الأوروبية، لذلك سيكون من الإحراج الاستمرار في التمسك بمصطلح “الضم”، لذلك صدرت “التعليمات” لدى “خارجية الاحتلال” بالتوقف عن استخدام هذا المصطلح الجامد والغير مقبول على الأذن، واستبداله بمصطلح أخر هو “تطبيق القانون الإسرائيلي”!

فهل يقبل المجتمع الدولي هذا الخداع؟!

هل سيطبق القانون على “أراضٍ إسرائيلية” أو على “أراضٍ خالية” وبذلك تنتفي الجريمة؟!

إن “دبلوماسية التضليل” التي يمارسها الاحتلال لن تنجح في “كي الوعي” الدولي كي يقبل بهذه الجرائم التي يمارسها الاحتلال، وإن تقبلها البعض تحقيقاً لمآربه الخاصة لبعض الوقت، فلا يمكن أن تنطلي على الجميع طيلة الوقت، إذ لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله!

وكيف يقبل المجتمع الدولي بذلك، وهو يرى هذا “الكيان” يتهاوى يوماً بعد يوم؟!

وكم يمكنه أن يصمد مع الانزلاق الأخلاقي، وأزمة القيادة، وغياب الدعم الدولي، في مواجهة الصمود الأسطوري الفلسطيني؟!

فهل يطول بقائه؟!

أشك في ذلك! 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى