الايسيسكو والثقافة عن بُعدْ في أزمة كورونا
بقلم: د محجوب بن سعيد
ظل قطاع الثقافة والاتصال في الإيسيسكو منذ تأسيسها عام 1982 يمثل قطاعا محوريا ومتميزا . وقد شهد هذا القطاع نشاطا مكثفا منذ عام 2001 إثر إطلاق المبادرة الدولية لحوار الثقافات وتحالف الحضارات حيث كان للإيسيسكو حضورا إقليميا ودوليا بارزا من خلال الأنشطة المكثفة التي نفذتها أو شاركت فيها والوثائق المرجعية المتميزة التي أعدتها ، والمؤتمرات الإسلامية لوزراء الثقافة التي عقدتها دون إغفال برامج الاتصال النوعية التي تميزت بها الإيسيسكو من خلال مواكبة المستجدات الدولية ذات الصلة بقوانين وتشريعات الإعلام والاتصال، والتحديات الأخلاقية والمهنية للإعلام الجديد، والأبعاد الحقوقية لخطاب الكراهية والتمييز العنصري ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الدولية.
ومنذ تولي الدكتور سالم بن محمد المالك إدارة الإيسيسكو في مايو 2019 ، شهد هذا القطاع تحولا مهما في إطار الاستراتيجية المبتكرة للمدير العام للإيسيسكو ، حيث أصبحت رؤية الإيسيسكو الجديدة لتطوير العمل الثقافي تستند على المرجعيات الثقافية الإقليمية والدولية، والتزامات الدول الأعضاء بشأنها، وعلى قرارات المؤتمر العام والمجلس التنفيذي للإيسيسكو، والمؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة. وتتميز هذه الرؤية الجديدة باعتماد مقاربة تنموية شاملة، تنأى بقضايا الثقافة عن المقاربة التقليدية التي كانت ترى في الشأن الثقافي قطاعاً منفصلاً عن باقي القطاعات الأخرى، بحيث تلامس القضايا المطروحة على الساحتين المحلية والإقليمية والعالمية المؤثرة في المشهد الثقافي. وانطلقت الإيسيسكو في رؤيتها الجديدة من قناعة مفادها أنّ الثقافة لبنة أساسية من لبنات التنمية الشاملة والمستدامة، وتقوم بأدوار جديدة تتعلق بالأمن الثقافي، وبناء مجتمع المعرفة، وتعزيز الحوار والتعاون مع الثقافات الأخرى، والتصدي للفكر المتطرف والكراهية والعنف والإرهاب، و ابتكار نماذج جديدة للحوكمة الثقافية، واعتماد مقاربات ثقافية مناسبة لمعالجة انعكاسات الأزمات الناتجة عن الهجرة ونزوح اللاجئين من مناطق الصراع والحرب والفقر. وكان من أبرز الأنشطة التي تم الشروع في تنفيذها ” ملتقى الإيسيسكو الثقافي” الذي واظب على عقد دوراته الشهرية باستضافة كبار المثقفين إلى أن اضطر للتوقف بسبب جائجة كورونا. غير أن باقي الأنشطة الثقافية لم تتوقف واستمرت عن بعد.
في ظل الحجر الصحي الذي اعتمدته دول العالم قاطبة للحد من انتشار فيروس كوفيد 19 ، أطلقت الإيسيسكو مبادرة شاملة بعنوان (بيت الإيسيسكو الرقمي)، سعيا منها إلى دعم جهود الدول الأعضاء لمواجهة جائحة كورونا، وإيجاد الحلول البديلة لضمان استدامة العمل التربوي والعلمي والثقافي، الذي تنهض به. وفي هذا الإطار أطلقت الإيسيسكو مبادرة “الثقافة عن بُعد”، والتي تتضمن بناء القدرات وتحفيز المواهب والطاقات الإبداعية والفنية، وجوائز الإيسيسكو للإبداع. و تشمل مبادرة الإيسيسكو الجديدة تكوين وبناء القدرات عن بُعد لفائدة الأطر العاملة في مجالات التراث، حيث أعدت الإيسيسكو مجموعة من الفيديوهات تتضمن البرامج التكوينية في مجالات التراث المادي وغير المادي وقامت ببثها عبر موقعها الإلكتروني (www.icesco.org) ابتداء من 15 أبريل 2020. وتمحورت هذه المواد السمعية البصرية حول سبعة قضايا كبرى هي : توثيق التراث الثقافي، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ،وإدارة المخاطر والأزمات والكوارث في المواقع التراثية والمتاحف، وتقنيات تسجيل المواقع والمعالم التراثية على قائمتي التراث في العالم الإسلامي والتراث العالمي.، وتأهيل الحرف اليدوية المهددة بالاندثار، وتعزيز المبادىء العامة للإدارة المتحفية في العالم الإسلامي، ومعرفة المبادىء العامة لتوثيق عناصر التراث غير المادي وقوائم الجرد الوطنية، وحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. بالإضافة إلى ذلك قامت الإيسيسكو بالأنشطة الثقافية التالية :
بموافقة مكتبة الشارقة وضعت الإيسيسكو أكثر من 6 ملايين كتاب ومصدر معرفي رقمي مجانا، في “بيت الإيسيسكو الرقمي”.ويشمل المحتوى المتاح من مكتبة الشارقة أكثر من 30 ألف مقطع فيديو في شتى المجالات والتخصصات، و160 ألف كتاب إلكتروني، و5 ملايين رسالة جامعية عالمية، بالإضافة إلى 21 ألف محتوى علمى، إلى جانب عدد من المخطوطات، والكتب النادرة، والكتب الصوتية.
نفحات إيمانية رمضانية
سعيا لإسماع صوت القيادات الدينية والفكرية أطلقت الإيسيسكو بالتنسيق مع الرابطة المحمدية للعلماء في المغرب ورابطة العالم الإسلامي في المملكة العربية السعودية سلسلة من مقاطع الفيديو القصيرة تحت عنوان نفحات الإيسيسكو الرمضانية تحدث فيها عدد من الشخصيات الدينية والفكرية المؤثرة والمرموقة من مختلف دول العالم الإسلامي ومن خارجه لجمهور العالم الإسلامي والعالم بأسره بمناسبة شهر رمضان المبارك.
آفاق فكرية ثقافية
قامت الإيسيسكو ببث عدد من الفيديوهات القصسرة تحت عنوان “آفاق فكرية وثقافية”، رسائل مركزة لشخصيات مؤثرة في مجال الفكر والثقافة والأدب تُبرز اهتماماتهم الفكرية والثقافية والأدبية، وتُؤشِّر على إسهامهم في قضايا الشأن الثقافي العام عبر التثقيف بالقُدوة خلال هذه الفترة الاستثنائية.
ندوة حول تعزيز عمل المؤسسات الثقافية والمحافظة على التراث الثقافي في فلسطين
عقدت الإيسيسكو بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، ندوة عن بُعد ام خلالها مناقشة سبل “تعزيز عمل المؤسسات الثقافية والمحافظة على التراث الثقافي، في فلسطين، خلال أزمة كورونا وبعدها”، وشارك في الندوة عدد من الخبراء والمتخصصين في التراث الثقافي وتدبير المؤسسات الثقافية، لاستشراف الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بضمان استدامة الحق في الثقافة خلال هذه الأزمة الصحية وبعدها.وقد خلصت الندوة إلى عدة توصيات من أهمها الدعوة إلى إدراج حماية التراث المقدسي ضمن اتفاقية الشراكة المزمع توقيعها مع مركز التراث العالمي ومركز التراث في العالم الإسلامي، وإلى إعداد خطة استراتيجية جديدة وآلياتها التنفيذية لحماية التراث الفلسطيني وخاصة التراث المقدسي والمسجد الأقصى الشريف.
دورة استثنائية للجنة التراث في العالم الإسلامي
عقدت لجنة التراث في العالم الإسلامي دورتها الاستثنائية الثانية عن بُعد، بدعوة من لتدارس سبل حماية التراث في العالم الإسلامي وصونه، وتأهيله والعاملين فيه، في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي أثر على عدد من القطاعات الحيوية وفي مقدمتها المؤسسات الثقافية، التي أغلقت أبوابها في وجه الجمهور، وبخاصة المواقع التراثية والمزارات السياحية. وأوصت اللجنة باعتماد استمارة تسجيل عناصر التراث غير المادي في صيغتها المعدلة، ودعوة أمانة اللجنة إلى تعميمها على الدول الأعضاء لإعداد ملفات عناصر التراث غير المادي المرشحة للتسجيل على قائمة التراث في العالم الإسلامي.
كما دعت اللجنة مركز التراث في العالم الإسلامي إلى إعداد دليل حول سبل حماية التراث والآثار والمتاحف في ظل الأزمات والكوارث والنزاعات المسلحة، بهدف صون التراث وحمايته من التدمير والتخريب، وإلى مد جسور التعاون مع مركز التراث العالمي في اليونسكو، وإلى تنسيق الجهود مع الدول الأعضاء في الإيسيسكو الممثلة في عضوية لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، بما يخدم أهداف لجنة التراث في العالم الإسلامي، ويدعم عمل المنظمات والهيئات والمراكز الدولية والإقليمية العاملة في مجال التراث والآثار.
الاحتفاء باليوم العالمي للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية
أصدرت الإيسيسكو بيانا في هذه المناسبة أكدت فيه اهتمامها الكبير للمحافظة على التراث الثقافي عامة، وللتوعية بدوره والتنبيه إلى خطر المساس به وتخريبه خلال الأزمات، وما تقدّمه من دعم لمساعدة الدول وتمكينها من التعريف به وترميمه وإيلائه المكانة الرفيعة التي يستحقها. وقد تجلّى هذا في عدة محطات، وضِمْن عدد من الوثائق المرجعية، منها: مبادرة إعلان عام 2019 سنة التراث في العالم الإسلامي، و”الإعلان الإسلامي حول حماية التراث الثقافي في العالمِ الإسلامي”. ودعت الإيسيسكو في بيانها دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية، إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحدّ من الانعكاسات السلبية للجائحة على القطاع الثقافي بعامة ومجال التراث بشكل خاص، من خلال إعداد ونشر تقارير وطنية عن تأثيرات حالة الطوارئ الصحية على المواقع التراثية في كل بلد، كما تحثها على مزيد الاهتمام بالتراث الثقافي المادي واللامادي لحمايته من التهميش والإهمال، ومواصلة جهودها، خلال هذه الأزمة وبعدها، في التعريف به وصيانته، وتسخير آليات العرض الافتراضي والذكاء الاصطناعي، لإبراز ما يتميز به من غنى وتنوع، وتوعية الجمهور الواسع بأهمية الحفاظ عليه.
تخصيص ثلاث جوائز في ثلاث مجالات ثقافية لفائدة التلاميذ والطلبة
أعلنت الإيسيسكو عن رصد ثلاث جوائز في ثلاث مجالات ثقافية لفائدة التلاميذ والطلبة، للاستفادة من أوقات الحجر المنزل . وتبلغ قيمة الجائزة الأولى 6 آلاف دولارأمريكي، والثانية 4 آلاف دولار، والثالثة ألفي دولار، بالإضافة إلى شهادات تقديرية. وتم تحديد 3 مجالات للجوائزهي كتابة قصة قصيرة ، ورسم لوحة فنية ، و تأليف موسيقي أو إبداع فني.
تجدر الإشارة في ختام هذا المقال إلى أن هذه المبادرات المبتكرة أشرف عليها عميد أطر الإيسيسكو وكبير خبرائها الأستاذ نجيب الغياتي الذي استطاع بفضل خبرته الواسعة في تدبير شؤون قطاع الثقافة والاتصال في الإيسيسكو من التنسيق المحكم لجهود فريق عمل دولي متميزو متجانس مكون من خبراء ينتمون لدول السودان وتونس ومصر والمغرب .
بقلم-د المحجوب بن سعيد