رأى

 سياسة اللعب على الوقت

استمع الي المقالة
بقلم: أحمد طه الغندور
مستشار بوزارة العدل

لا ريب أن مقولة الإمام الشافعي “رحمه الله”؛ ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ” مقولة هامة وصادقة لدى الجميع، ولكن يبدو أن أرباب السياسة لديهم رأي أخر في الأمر!

فاللعب على عامل الوقت بالنسبة إليهم تُعتبر هي الورقة الأكثر شيوعاً، والتي تتم بها المناورة السياسية لعدم الكشف عن حقيقة موقف من قضية ما في ظرف زمني غير مواتي لإعلانه، ولكن تبقى الآمال معقودة أن يصير ذلك الأمر حقيقة أو قد لا يقع!

وحينها؛ يُدخل جميع من في الساحة السياسية في دائرة الغموض السياسي، ومنها تثور جملة المكاشفات بصيغ حادة هي أقرب للانتقادات، والتي قد يمارسها البعض بشكل مُسيء يضر بالقضية الأصلية، أو الموقف الوطني، أو حتى يضر بالكل الوطني!

هذا هو حالنا اليوم من قضية “الضم الإسرائيلي” المُعلن والمزمع البدء الرسمي في تنفيذه في شهر يوليو/تموز القادم، فقد كان من المقرر اليوم أن تعقد ” القيادة الفلسطينية ” اجتماعاً موسعاً دعت إليه الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت إطار ” منظمة التحرير الفلسطينية ” أو العاملة خارج هذا الإطار لبحث سُبل الرد الفلسطيني على هذه “الخطة الإجرامية”.

ولقد استجابت ” الجبهة الشعبية ” بشكل مباشر لحضور اللقاء في حين استمرتا حركتي “حماس” و “الجهاد الإسلامي” في رفض المشاركة كالعادة!

وفي خطوة “غير مفاجئة” أعلن “الناطق” باسم حركة فتح أنه تم تأجيل اللقاء إلى أجلٍ غير مُسمى!

من البديهي القول بأن هناك جملة من الأسباب الداخلية، والخارجية التي دفعت ” القيادة الفلسطينية ” إلى تأجيل عقد اللقاء اليوم، والتي نطرحها خلال السطور التالية.

داخلياً، يمكن أن نرجع ذلك إلى عدم توافر الإجماع من الفصائل الهامة لحضور الاجتماع، والذي يحتل مركزاً هاماً في الأسباب المؤثرة للتأجيل، فالقصد الأساسي من اللقاء هو خلق حالة من التوافق الوطني في الرد على “الاحتلال”، ولذلك يكون التأجيل أولى من بث مزيداً من الفرقة داخل الصف الفلسطيني.

كما لا شك فيه؛ أن حالة “التوتر الأمني” التي تعيشها محافظات الضفة تستدعي الانتباه من خروج الأمر من قيد السيطرة في هذا الظرف “الطارئ” الذي يعيشه العالم في ظل انتشار “الكورونا”، قد يكون له تداعيات أخرى غير محسوبة، بحيث يؤثر بشكل سلبي وحاد على الموقف والأوضاع الفلسطينية!

أما الأسباب الخارجية التي داعت إلى التأجيل وهي ترجع في جملتها إلى ما أسميناه بتوجه القيادة الفلسطينية على الأخذ بسياسة “اللعب على الوقت”، وهي تأتي ضمن نقاط متعددة!

أولها؛ الرفض الأمريكي “غير المعلن” للتنفيذ المنفرد للخطة من قِبل الاحتلال، وهو الأمر الذي يمكن أن ندركه من خلال الزيارة “المفاجئة” لـ “بومبيو” وزير الخارجية الأمريكي إلى “تل أبيب” نهاية الأسبوع الماضي، والتي كشفت “الخلاف المُغلف” بين “الطرفين” وجاء التعبير عنه في أكثر من نقطة؛ أهمها الرفض الأمريكي للتعاون بين “الكيان” والصين في مجالات متعددة تتعلق بـ “علاج كورونا” والاتصالات المتطورة!

ايضاً مما لا شك فيه، أن تحذير “بومبيو” للسيدة ” بنسودا ” المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية من القيام بأي إجراءات ضد الولايات المتحدة أو “الكيان”، هو في ذاته يحمل تحذيراً لقادة “الاحتلال” من جدية الخطوات التي ستتخذ من قِبل المحكمة، خصوصاً مع قيام الاحتلال بتنفيذ خطة “الضم”.    

ومن الجدير ذكره أن “خطة الضم” كما جاءت في المقترح الأمريكي ترتكز على المفاوضات مع الفلسطينيين حتى لا يثير ذلك حفيظة أطراف أخرى تهتم بالقضية الفلسطينية، أهمها الدول العربية، والاتحاد الأوروبي الذي يُهدد بفرض عقوبات اقتصادية على “تل أبيب”.

أما النقطة الثانية والتي حملت مغزىً كبيراً، والتي تلّقتها الأطراف جميعها وبشكل مباشر، ألا وهي رسالة ” العاهل الأردني عبر مجلة “دير شبيغل” الألمانية حين قال بمناسبة سؤاله عن “خطة الضم الإسرائيلية “: “لا أريد إطلاق تهديدات ولا مناخاً للمشاحنات، لكن ضم الضفة يعني صداماً مع الأردن، ولدينا خيارات”!.

 فهل هناك أوضح من هذه الرسالة؟!

لا شك أن هناك العديد من الدوافع والأسباب الخارجية الهامة الأخرى التي أخذتها ” القيادة الفلسطينية ” في الاعتبار مثل جدية موقف الاتحاد الأوروبي وإصراره لرفض تنفيذ “الضم” والتأكيد على أن قيام الاحتلال بذلك لن يُقابل بالصمت، ولن يمر مرور الكرام!

أضف إلى ذلك القيمة الهامة في التحرك العربي “الهادئ” لعدد من الدول العربية في مقدمتها ” مصر “، حيث كان وسيكون له تأثيره في الضغط على “البيت الأبيض” لثني “الاحتلال” عن ارتكاب جريمته!

أما أخر هذه الأسباب فيرتكز على الوضع الانتخابي الأمريكي والذي يبدو فيه أن حظوظ الرئيس الحالي “ترامب” في إعادة انتخابه تعاني الكثير من الضعف نتيجة سياساته الداخلية وأهمها في معالجة أزمة كورونا، والاضطراب الواضح في سياساته الخارجية مما أضعف الموقف الدولي للولايات المتحدة!

أخيراً؛ لعل الأسباب السابقة كافية لبيان الغاية من تأجيل اللقاء الفصائلي الفلسطيني، والسبب الرئيسي لميل ” القيادة ” إلى تفضيل سياسة ” اللعب على الوقت ” في تعاطيها مع الأزمة الحالية، في ظل نظام عالمي جديد آخذ في التشكل مع انتشار وباء كورونا!

لكن وللإنصاف؛ قد يكون هناك مثلباً واحداً في ممارسة هذه السياسة في ظل الوقت الراهن، ويتمثل ذلك في عدم الارتهان على قراءة صحيحة لموقف “ناتنياهو”، إذ لا يمكن التأكد من تصرفاته كي يستمر في موقعه السياسي من أجل إبعاد شبح المحاكمة بالتهم المنسوبة إليه عن نفسه، وبالتالي يخالف كل التحذيرات السابقة ويعمل على تنفيذ “الجريمة”!

لذلك؛ في الختام، لا بد من القول إنه من الأجدى أن تسعى القيادة إلى توظيف هذا الوقت المستقطع بما يساهم في ترتيب الأوراق القليلة التي تمتلكها في سبيل تحقيق نصراً جديداً على “الاحتلال”، يكون لبنة في طريق العودة إلى فلسطين الحرة، من خلال فرض مفهوم جديد لسياسة “اللعب على الوقت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى