رأى

إطلاق نار لا يتوقف.. زمن الكورونا!

استمع الي المقالة

بقلم: د. حذامي محجوب

رغم تفائل معظم الناس وحلمهم بعالم مختلف ، عالم مغاير في زمن فيروس الكورونا و ما بعده ، يبدو أن لعبة المصالح الدولية و الأوضاع الجغرا – سياسة لم تتغير بالرغم من دعوة سابقة للأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في العالم. بما يعني أن السّلام يبقى مبتغى أعقد و أصعب من الحرب.
“الق بسلاحك ، اخرس صوت المدافع ، أوقف الضربات الجوية ” ، هكذا جاءت صرخة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس يوم 23 مارس الماضي مؤكّدا على اعلان “وقف فوري لإطلاق النار في أي مكان في العالم” لمواجهة تصاعد انتشار جائحة الكوفيد 19 .
لقيت هذه الدعوة في البداية تأييدا و تصريحات إيجابية لدول معنية بأعمال عسكرية أو حروب ، لكن الأوضاع لم تتغير في أي مكان . وقد اعترف الأمين العام للأمم المتحدة منذ ذلك الحين بأن “هناك فجوة كبيرة بين البيانات والأفعال”.
انضمت ست و ستون دولة إلى هذه الدعوة لوقف الأعمال العدائية ، لكن لم يوافق عليها أي من الأطراف المتحاربة الرئيسية ، لا الحكومات الأكثر نشاطًا عسكريًا (كالولايات المتحدة وروسيا وسوريا …) ولا الحركات الدينية الرئيسية (القاعدة ، تنظيم الدولة الإسلامية ، بوكو حرام …) ،لم يعرب ايّ طرف منهم عن أي رغبة للقيام بهدنة لوقف القتال.

الولايات المتحدة :تعليق “عمليات مكافحة الإرهاب”ضد الجهاديين غير وارد :

عبّرت كلّ من واشنطن وموسكو عن رفضهما لأية مبادرة قد تعيق ما يسمونه “عمليات مكافحة
الإرهاب”.
في المقابل هنالك بعض الأمل في الاستجابة لدعوة السيد غوتيريس بما خلّف شعورًا بالتفاؤل في دوائر الأمم المتحدة.
فالرياض التي تقود التحالف العسكري لدعم الشّرعية و القوات الحكومية في اليمن أعلنت وقفا لإطلاق النار مراعاة للأزمة الإنسانية الحادة التي تشهدها اليمن بسبب جائحة كورونا ، لكن تمرد الحوثيين ، بدعم من إيران ومن موقع قوة ، شجب ما وصفه ب ” مناورة سياسية وإعلامية “تهدف إلى” التهرب “من خطة سلام اقترحها مبعوث الأمم المتحدة.
كما أعلنت العديد من حركات التمرد وقف إطلاق النار من جانب أحادي كالجيش الشعبي الجديد (الماوي) في الفلبين ، وقوات الدفاع الجنوبية الكاميرونية (الانفصاليون) وجيش التحرير الوطني (الشيوعي) في كولومبيا. لكن الحكومات التي تقاتل ضدها لم تساير ذلك و تنضم للدعوة الأممية .
بالنسبة الى سوريا ، فانّ الحركة الموالية للأكراد للقوى الديمقراطية السورية هي التي قبلت فكرة وقف إطلاق النار.
استنتج دبلوماسيو الأمم المتحدة أيضًا إما عدم وجود أي رد في النزاعات ، مثلما هو الشأن بالنسبة للنزاعات الموجودة في منطقة الساحل أو الصومال ، أو إعلان نوايا دون أي إجراء عملي ملموس ، كما هو الحال في أوكرانيا أو بورما.
بل أكثر من ذلك فقد سجل تصعيدًا في القصف الأمريكي في أفغانستان منذ هذا الشتاء ، على الرغم من مسودة اتفاق السلام بين واشنطن وطالبان ، وكذلك القتال في ليبيا ، حيث أن قوات المشير خليفة حفتر ، بدعم من روسيا ، تواصل هجومها ضد حكومة طرابلس المدعومة من تركيا.

هل أن بعض الأوبئة القاتلة بشكل خاص قادرة على تغيير وجه العالم؟

في التاريخ ، لم نر أبدًا حربا توقّفت فجأة بسبب كارثة وبائية . لا فيروس الإيبولا في أفريقيا ، و لا شلل الأطفال في سوريا ، ولا الكوليرا في اليمن أثنوا أولئك الضالعين في النزاعات عن متابعة أهدافهم الحربية.
رغم انّ ذلك حدث تاريخيا أن اعتُبر الوباء المدمر نوعًا من “العقاب” ، كما هو في حالة الإبادة الجماعية للشعب الرواندي و اقتتال قبائل الهوتو مع نظيرتها من التوتسي .

رفض التعددية الثقافية:

إلى جانب حقيقة أن الأوبئة لا توقف الحروب و لا تضع حدًا لها ، فإن العالم غير مجهز بأي حال من الأحوال للاستجابة لنداء أنطونيو جوتيريس. بادئ ذي بدء ، من بين الدول السبعين التي دعمت الأمين العام للأمم المتحدة – دون الحكم على شرعية أو عدم شرعية القتال – هناك نفاق واضح: لا تزال هناك ثلاث وعشرون دولة ، بما في ذلك الأوروبية ، لا تزال تشارك في التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان. إن فرنسا ، النشطة للغاية في محاولة الحصول على قرار من قبل مجلس الأمن يتناول فكرة “الهدنة الإنسانية” من جانبها ، لم تعلن أنها ستوقف القتال في منطقة الساحل ؛ يبدو أنه لم يفكر أحد في الاستفسار عن هذه المسألة .
لكن قبل كل شيء رفض التعددية السارية في واشنطن وبكين وموسكو ، وبالتالي بالنسبة لثلاثة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن ، والذي اتضح أنه يشكل عقبة رئيسية أمام أي سعي دبلوماسي قوي من أجل السلام . كذلك عطلت المواجهة السياسية بين الولايات المتحدة والصين لأسابيع دون اعتماد قرار للأمم المتحدة بشأن الأزمة الطاحنة حول كوفيد 19
لن تصوت لا واشنطن ولا موسكو على نص يفرض قيودا على عملياتهما العسكرية.
بالنسبة للولايات المتحدة ، يبدو من المستحيل تعليق “عمليات مكافحة الإرهاب” ضد الجهاديين في جميع أنحاء العالم.كما أن إدارة ترامب هي أيضًا في مواجهة عنيفة مع إيران في العراق ، وترفض أي عقبة أمام العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أو سوريا. بالنسبة لروسيا فلاديمير بوتين ، من غير المتصور تقييد عملياتها في سوريا ، أو وقف هذه الأعمال في ليبيا أو في أوكرانيا بسبب هذه الجائحة.
في عالم تسود فيه الفوضى الدبلوماسية ، مع وجود نظام دولي أكثر اختلالا من المعتاد ، تجد الأمم المتحدة نفسها مشلولة. حتى لو تم تبني قرار مجلس الأمن خلال الوباء الحالي ، فإنه لا يمكن أن يكون ملزما للدول الأعضاء الـ 193.
لذا فإن دبلوماسيي الأمم المتحدة يديرون الحياة اليومية والأشياء المستعجلة ، ولا سيما ضمان عمل ثلاث عشرة عملية لحفظ السلام. كما يبدو أن المخاوف من الانسحاب المفاجئ لقوات حفظ السلام قد تم تجنبها في الوقت الحالي ، حيث تفضل الدول المساهمة بقواتها فرض حظر صحي على جنودها بدلاً من إعادتها إلى الأوطان.
لكن يجب على الأمم المتحدة أن تضمن عدم تدمير “حفظة السلام” لديها بسبب المرض ، كذلك بأن لا تساهم في تفاقم انتشار العدوى.
ان الأمم المتحدة تحفظ في ذاكرتها بأن كتيبة نيبالية من قوة الأمم المتحدة هي التي أدخلت الكوليرا في سنة 2010 إلى هايتي ، البلد الذي لم يكن بحاجة إلى مزيد من المصاعب آنذاك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى