رأى
إفريقيا.. القارة الطيبة
اختتمت القمة الإفريقية الخامسة والعشرين فى جوهانسبرج أعمالها الثلاثاء حيث ناقش رؤساء الدول والحكومات الأفريقية على مدار يومين ، أجندة 2063 وقضية تمكين المرأة, والأزمة السياسية في بورندي والمقترحات لمنطقة التجارة الحرة البرية وآليات لإيجاد موارد التمويل الجديدة لعمليات الاتحاد الأفريقي، وغيرها من القضايا، بعد أن شهدت مفاجآت غير متوقعة بشأن صدور حكم القبض على الرئيس السودانى عمر البشير ،وخروج البيان الختامى مؤكدا إحترام قرار عدم الإلتزام بقرارات المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف أى رئيس إفريقى متجاوزة الخلافات بين القادة الأفارقة حولها.
لقد انعقدت القمة تحت عنوان “عام تمكين المرأة والتنمية باتجاه أجندة 2063 لأفريقيا.”تلك الخطة الإستراتيجية الطموحة لتعظيم إستفادة القارة السمراء وشعوبها من الموارد الطبيعية التى حباها بها الله ، والتعلم من دروس الماضى وعدم إهدار مزيد من الفرص والوقت لتحقيق أفضل سبل الإستثمار فى الخمسين عاما المقبلة لتحقيق إقتصاد تنموى ينقلها لآفاق مستقبلية واعدة.وقد تم إقرار مشروع الأجندة بعد مناقشاتها والتوافق على بدء العمل على تطبيقها.
أما مفاجئة القمه وكيف تعامل حكماء إفريقيا معها كانت تخص الرئيس البشير الذى دافعت عنه السيدة الجليلة رئيسة الاتحاد الأفريقي نكوسازانا دلاميني زوما، مؤكدة فى المؤتمر الصحفى عقب المؤتمر أن قرار دعوة الرئيس السوداني عمر البشير لحضور القمة قرار صائب من حكومة جنوب إفريقا ، وأن مقر إنعقاد المؤتمر هو مكان الاتحاد الأفريقي , ليس مكاناً لجنوب أفريقيا ، وإن السودان عضو في الاتحاد الأفريقي , ودائم الحضور لقمم الاتحاد الأفريقي ، كما شددت زوما على أن البشير يعتزم مواصلة الحضور أينما تنعقد القمم الإفريقية ، وإن الاتحاد الأفريقي يعمل وفقاً لقوانينه, وليس وفقاً لقوانين المحكمة الجنائية الدولية.
كما أعرب رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي روبرت موجابي, عن دعمه لرأي زوما, قائلاً ” إن هنا ليس مقراً للمحكمة الجنائية الدولية.” وطالب البيان الختامي، لقمة الاتحاد الأفريقي بإيقاف ملاحقة الرئيسين السوداني عمر البشير، والكيني أوهورو كينياتا، مشدداً على ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي إيقاف ملاحقتهما، مؤكداً على حصانة الرؤساء.
كما أدان البيان الختامى الحركات الإرهابية في القارة السمراء المتمثلة في (بوكو حرام) غرب القارة، و(حركة الشباب) في الشرق، وتنظيم (داعش) في الشمال، و(القاعدة) في المغرب العربي ومالي، متعهدة بتقديم كل إمكانياتها لاستئصال الإرهاب باعتباره خطراً يهدد السلم والتنمية.
كما رحب البيان باتفاق شرم الشيخ الذي توصلت إليه التكتلات الاقتصادية الثلاثة (الساداك، الكوميسا، ومجموعة دول شرق أفريقيا)، الذي يؤدي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي في القارة الأفريقية،وأعربت القمة عن قلقها لتدهور الأوضاع في ليبيا، محذرة من خطورة الفوضى التي تهدد السلم الإقليمي والدولي. وأدانت الإرهاب بأشكاله كافة في ليبيا وخاصة الإرهاب المتطرف الذي تمثله حركة داعش، بحسب مسودة البيان. ورحَّبت المسودة بتعاون الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لإنهاء الأزمة الليبية، مشيدة بخارطة الطريق التي قدمها المبعوث الأممي لحل الصراع بين العديد من الأطراف التي حثها البيان على أهمية الحوار سبيلاً للحل.
كما عبرت القمة عن انزعاجها من تردي الأوضاع الأمنية والإنسانية في بوروندي، وأبدت مخاوفها من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، مؤكدة دعمها لمجموعة شرق أفريقيا والمقترحات التي قدمتها لحل الأزمة.ودعت القمة أطراف الأزمة في بوروندي إلى احترام الدستور والاتفاقيات والاحتكام إلى الحوار للحل، والعمل من أجل خلق بيئة مناسبة، تمهد لإجراءات انتخابات حرة ونزيهة.
وأدانت القمة استمرار خروقات وقف إطلاق النار في جنوب السودان، منددة بالاعتداءات المستمرة ضد المدنين، وبالهجمات المتكررة ضد وكالات الإغاثة الأممية العاملة في البلاد.
لقد مرقت القمه الإفريقية وبيانها الختامى برغم كل الصعاب بفضل حنكة وحكمة قادتها الذى يتغافل عنهم الإعلام الدولى ، وربما يخطئ فى اسماءهم وصفاتهم وأسماء دولهم ، أنا أحد الذين وقعوا فى حب القارة السمراء حيث أمضيت 6 سنوات أعمل فى إحدى دول منابع النيل ” كينيا” وزرت العديد من الدول الإفريقية، ولمست عن قرب مدى النبل والسمو والنضج فى الشخصية الإفريقية لدول جنوب الصحراء، بالرغم من كل مانسمعة عنهم من جرائم إبادة وحروب عرقية ، إلا أن هذا يمثل فقط الجانب المظلم من الصورة التى تعودت وكالات الأنباء أن تنقلها عن القارة الطيبة، وشعوبها المحبة للسلام،لقد تعرفت على ثقافات وحضارات، وتقاليد راسخة تحترم المرأة، وتقدس الأم، وتجل الطفل.
كل ما تحتاجه القارة الطيبة أن نتعرف عليها عن قرب ونفتح لها قلوبنا وعقولنا ونتعلم منهم ايضا، ساروى لكم موقف صعب تعرضت له فى بداية عملى فى العاصمة نيروبى عام 1992وتعلمت منه الكثير، لقد حدث أن توفى بطل قومى من الآباء المؤسسين للحركة الوطنية فى كينيا لمكافحة الإستعمار البريطانى ” أودينجا أودينجا” الذى لاقى دعما من الرئيس عبد الناصر أنذاك ، وخرجت المظاهرات الحزينة بالمئات فى الشوارع العامة تحمل أغصان الأشجار للإعراب عن حزنها لوفاة هذا الرمز الكبير فى تاريخ النضال الوطنى، وتصادف أننى كنت عائدة من عملى وفوجئت بهذا الحشد الهائل فى مواجهتى وأنا داخل السيارة، فتوقفت على جانب الطريق حتى يمروا بسلام، وفجأة وجدت جميع المتظاهرين يصرخون فى وجهى ويحوطون السيارة من جميع الجهات وصعد عدد كبير منهم فوقها،فتملكنى الخوف وقلت فى نفسى أنها النهاية، سيتم تعليقى على شجرة كما نرى الأفلام ويتم سلخى وتقطيعى إربا إربا ،وأنا لا أفهم ما هى جريرتى، وما هو الخطأ الذى فعلته؟ وبدأت فى البكاء.
هنا فقط بدأ المتظاهرون فى الإنصراف، وجاء رجل مسن يحمل فى يده غصن شجرة وعلقه على الزجاج الأمامى لسيارتى، وثبته بواسطة مساحة المطر، ونقر لى على الزجاج لكى أفتح ليطمئننى، ويعلمنى أن غصن الشجرة هو عنوان للمؤازرة فى مثل هذه الأحوال ،وأن تعليقه أو حمله فى مثل هذا اليوم كان يمكن أن ينقذنى من مرارة هذه التجربة، وكان أول درس تعلمته فى هذه البلد الجميلة, يجب أن نقرأ جيدا عن ثقافات الشعوب وعاداتهم ، خاصة وأن بعضهم لا يزال يحمل ذكريات سيئة عن جبروت المستعمر الأبيض، ويعتقد فى تعالى وغطرسة كل اصحاب البشرة البيضاء ، وعدم تقدير مشاعرهم ومشاركتهم أحزانهم.
رايت فى كل بلد إفريقى زرته محبه وود ورصيد إيجابى كبير لمصر وجمال عبد الناصر والدكتور بطرس غالى، كان يجب إستثماره والبناء عليه ، أعتقد أننا وعينا الدرس الآن.