حذانى محجوب
لا شك ان جائحة الكورونا فيروس مأساة بالنسبة لكل البلدان، الا أن ما يمكن ملاحظته ان طريقة تعاطي بعض البلدان معها يميّزها عن بلدان أخرى. بمجرد القاء نظرة سريعة على ارقام و احصائيات تفشي العدوى، يتضح لنا أن النتائج مختلفة بين كندا والولايات المتحدة كمثالين نسوقهما في هذا التقرير رغم الانتماء الجغرافي لنفس القارة.
في الفترة التي تحولت فيها الولايات المتحدة الى منطقة وباء بفعل هذه الجائحة و فاقت نسبة الوفيات فيها كل من إيطاليا واسبانيا، فان كندا تصنف ضمن البلدان المسيطرة نسبيا على الوباء على غرار استراليا وتايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية. كيف نفسر هذا الاختلاف في النتائج بين كندا و الولايات المتحدة ؟
وكشفت دراسة حديثة صادرة عن جامعة هارفرد أنه لمراقبة انتشار الأمراض المعدية، من المهم توخي سياسة ناجعة وسريعة تعتمد على الكشف السريع و المبكّر والمتابعة.
لكن منذ ظهور الحالات الأولى للكورونا فيروس كان رد فعل الرئيس ترامب سلبيا، اذ تجاهل المشكل واعتبر أن الوباء تحت السيطرة رغم أن المخابرات الأمريكية قد نبهته منذ شهر نوفمبر 2019 حول ظهور جائحة خطيرة في الصين. لكن ظل الرئيس الأمريكي لا يعطي قيمة للاختبارات العلمية المقدمة من قبل مراكز الصحة العمومية ولا حتى الى نصائح مستشاريه المختصين.
في المقابل، فان السلطات الكندية قد فهمت ضرورة وضع استراتيجيا لمراقبة الوضع خاصة متابعة بلوغ ذروته للحد من انتشار الفيروس. لأنه حين نبلغ هذه النتيجة، يمكن تجاوز هذا المنحني والاهتمام بالمصابين، وهذا لا يكون ممكنا الا إذا تحركت السلطات المعنية بالشجاعة و السرعة المطلوبتين منذ البداية.
كما ان الاستعداد لمواجهة الأوبئة يكون بالضرورة من خلال وضع السياسات قبل سنوات من ظهورها. لقد وضع باراك أوباما استراتيجيا، لكن لما جاء دونالد ترامب وضع الدراسات المتعلقة بها في سلة المهملات منذ سنة 2018. بل أكثر من ذلك حين كان طيف الجائحة يلوح على العالم، اقترح ترامب في بداية فبراير 2020 التخفيض من الميزانية المخصصة لمقاومة الأوبئة بنسبة 30% !
كانت الأمور مختلفة تماما في كندا، التي استخلصت دروسا من جائحة ” السارس “، اذ تابعت السلطات الطبية الكندية عن كثب تطور الكورونا فيروس ووضعت الاستراتيجيات المناسبة. كما واجهت السلطة السياسية منذ البداية المسالة بكل جدية، لإيمانها بان منع انتشار الوباء لا يمكن ان يحصل صدفة، بل ينبغي اتخاذ الإجراءات الضرورية في الوقت المناسب ، مع اتباع سياسة السرعة في الكشف والمراقبة.
هكذا لم تواجه كندا الأزمات التي واجهتها كل من إيطاليا واسبانيا وتواجهها اليوم الولايات المتحدة. على النقيض من الولايات المتحدة التي لا ينفك فيها ترامب يواصل شتمه للحكام الديمقراطيين باستمرار، فان السلطات الكندية، المحلية والفيديرالية تعمل جنبا الى جنب و في انسجام تام.
تعاملت بجدية مع خطر مداهمة الكورونا فيروس منذ شهر يناير ، بعد ان أبدت قلقا كبيرا تجاه العلامات المحيرة لهذا الوباء وللأشخاص الأكثر عرضة للخطر كما حاولت الانتفاع من تجارب البلدان الأخرى في مقاومته. لم تتجاهل السلطات الكندية كذلك خطر الوباء لذلك كسبت مصداقية مواطنيها، على خلاف ما وقع في الولايات المتحدة. كما كان التواصل بين السلطات في كندا والسكان ناجحا، فقد استجاب الكنديون لنداء الحظر الصحي التي انتهجته الحكومة والتباعد الاجتماعي بأكثر سرعة من الأمريكيين.
لهذا فان كندا بتوخيها نهج الشفافية والوضوح، كانت أقدر على كشف حالات الوباء وعزلها. كما ان المحافظة على التواصل العمومي الناجع للوصول الى اقناع المواطنين وحثهم على التوقي والامتثال للحجر قد لعب دورا إيجابيا في كندا، اضافة الى أن السلطات الكندية لم تكذّب تقديرات العلماء ولم تستخف بتوقعاتهم كما فعل ترامب.
ان الانفتاح الذي ابدته السلطات الكندية هو الذي حافظ على مناخ الثقة، اذ أن المواطن قد شعر بكفاءة القيادة وباهتمامها الجدي بصحته، هكذا تمكنت سلطات اوتاوا بسرعة من الحد من التقارب الاجتماعي لتجنب انتشار الجائحة. لقد تقرر غلق المدارس والجامعات قبل فترة مهمّة من ان تقوم بذلك الولايات المتحدة. كما تمّ منع كل التجمعات دون أدنى رفض من قبل المواطنين. كذلك وقع التعرف بسرعة على حاملي الوباء عن طريق الكشف لعدد كبير من المواطنين و بفضل فرض الحجر الصحي.
وعندما قررت السلطات غلق المصانع وطلبت من العمال لزوم البيوت، رافقت ذلك بخطة سريعة لمعاضدتهم اقتصاديا. هناك اختلاف صارخ في الأرقام بين البلدين. لقد اجرت كندا الى حدود 28مارس 184000 رائز للكشف عن الوباء، بما مكنها من الوقوف على 5500 مصاب، أي جذر 2.9% و كان عدد الحالات التي تقتضي الدخول الى المستشفى يمثل6%. اما نسبة الوفيات فكانت أقل من 1%. في حين كان الامر في الولايات المتحدة مختلفا تماما، حيث أنه في نفس التاريخ لم تقم الولايات المتحدة الا ب 552000 رائز أي أقل بتناسب 3.3 من كندا مقارنة بعدد السكان. أما نسبة الكشف فكانت أكثر ارتفاعا 15.5% وتشير الى انتشار أوسع مما هو موجود في كندا. من جهة أخرى فان عدد الحالات التي تقتضي الدخول الى المستشفى بلغ 16.5%في الولايات المتحدة، بنسبة 2.5%أكثر من كندا. كما أن نسبة الوفيات هي أربعة أضعاف الوفيات المسجّلة في الكندا.
منذ أسبوعين فان الأرقام تتصاعد في البلدين لكن بقيت النسب هي نفسها. ان تصدي السلطات الكندية لهذا الفيروس كان سريعا وصارما، لذلك فان الازمة بقيت تحت السيطرة. في حين أن الرئيس ترامب لا يكف كل يوم عن اتهام الجميع من اجل تفشي الوباء في المقابل فان الوزراء الأول في كندا جاستين ترودو ولوغولت وكل القائمين على الصحة قد نجحوا في حشد المواطنين حولهم وكسب ثقتهم.