رأى
مصر – ايران.. وسيادة لغة المصالح الإستراتيجية!
بقلم/ سفير د. محمد محموديان

من واقع تجربتي وعملى في هذا البلد التاريخي الكبير- مصر- سواء في الأعوام الماضية، أو في المدة القصيرة الحالية، لم أجد في كل ما سمعته على ألسنة كبار المسئولين في الدولتين أو ما قرأته في كتاباتهم، أو حتى ما لاحظته في آراء المحللين الإستراتيجين الذين يحملون النوايا الحسنة تجاه القضايا الإقليمية، من لا يعتبر استمرار انقطاع العلاقات بين البلدين، أمراً ليس فقط يضر بالمصالح المشتركة للبلدين، بل ويضر أيضاً بالإقليم برمته بكافة دوله وشعوبه، ويرجع ذلك للمكانة الكبيرة والدور المهم والمؤثر لكل من إيران ومصر في منطقة الخليج الفارسي.
تعد إيران ومصر بما تتمتعان به من سابقة تاريخية وحضارية، من الأضلاع المهمة التي تشكل الجغرافيا الاستراتيجية للمنطقة، ويستحيل على أي دولة -داخل المنطقة أو خارجها- ترتيب الأوضاع الإقليمية على الأصعدة السياسية، والأمنية، والإقتصادية والتجارية، دون الأخذ في الاعتبار دور ومكانة هذين البلدين وموقعيهما الإستراتيجي؛ حيث تشرف إيران بحدودها على الخليج الفارسي ومضيق هرمز، وتقع مصر في قلب منطقة الشرق الأوسط وتطل على البحر المتوسط وتوجد فيها قناة السويس.
تعتمد النظرة الإستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه مصر على المكانة التاريخية والحضارية والدينية التي تتمتع بها هذه الدولة المهمة في العالم العربي والإسلامي، فإيران تتطلع لرؤية مصر مستقرة ومتحدة ومتقدمة، ولاعبة لدور -يليق بمكانتها الحقيقة والتاريخية- في المنطقة والعالم الإسلامي، فمصر تتمتع بمكانة عظيمة تجعل من الصعب على أي دولة أخرى أن تحل محلها. ولاشك أن إخواننا في مصر يحملون نفس هذه النظرة للمكانة التي تتمتع بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تعتبر إيران أمن واستقرار مصر وجميع دول المنطقة بمثابة أمنها الخاص، كما تعتبر اللجوء إلى التطرف والإرهاب خطاً أحمراً بالنسبة لها.
لقد حاول بعض الأعداء خلق فجوة، وبث الفرقة بين الشعوب من خلال ذرائع طائفية ومذهبية، من أجل أهداف سياسية مشئومة، إلا أن اليوم ورغماً عنهم، فإن روح السماحة والحياة السلمية بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة أصبحت عاملاً للوحدة والأخوة ونبذ العنف والفرقة، وذلك في الوقت الذي استهدفت فيه الأفكار المتطرفة لبعض الجماعات مثل “داعش” أمن الأمة والوطن الإسلامي وسلامة روحه وعرضه.
إن ما يجمع إيران ومصر اليوم، هو لغة المصالح العميقة والإستراتيجية سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي أو الدولي، وهو أمر يتعلق بمصير البلدين.
تواجه إيران ومصر في ظل الظروف الحالية تحديات وتهديدات مشتركة تتعلق بوحدة ومصير البلدين، إلا أن آفاق المستقبل توحي بأن الأوضاع تسير باتجاه الاستقرار والأمن والتقدم والازدهار.
إن تضافر القدرات السياسية التي يتمتع بها البلدان من أجل التغلب على هذه التحديات وخاصة في مسيرة مكافحة الإرهاب، والدفاع عن سيادة الأوطان وسلامة أراضيها، وكذلك التشاور المستمر بين السلطات والمسئولين الحكماء في كل من إيران ومصر إلى جانب الدول الإسلامية الأخرى في المنطقة، يمهد الطريق لتسوية بعض المشاكل والأزمات الإقليمية في سوريا، والعراق، وليبيا ولبنان، وكافة الدول الإسلامية، كما يساعد إخواننا وأخواتنا على التمتع بالأمن، والاستقرار، والهدوء والإزدهار.
من المؤكد أن العدو الرئيسي للدول الإسلامية والعربية –أي النظام الصهيوني- لن يرضى عن هذه الوحدة والتعاون بين الدول الإسلامية الكبرى، وأنه سوف يلقى بالعثرات في طريق هذه الوحدة، إلا أن حلقة الوصل بيننا ستكون دائماً هي قضية فلسطين العزيزة والقدس الشريفة، و بالتأكيد سوف يساهم التعاون والدعم المشترك لشعب فلسطين من قبل الدول الإسلامية، في تعزيز تماسكهم ومقاومتهم للمحتلين.
إن كل من القوى العالمية تسعى لتحقيق مصالحها غير المشروعة والظالمة في منطقتنا، وأغلب هذه القوى تنتهج أساليب التدخل وفق مصالحها، لكن سياسة كل من إيران ومصر الرامية إلى خلق سياسات وعلاقات خارجية متوازنة مع الشرق والغرب، والتعاون والتآزر بينهما للاستمرار في هذا المسار وتعزيزه، سوف يقنع القوى العالمية بالاعتراف بحق الشعوب ودول المنطقة في الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا الحديثة، وسلك طريق التقدم، وسوف يلزمهم بإقرار علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شئون الغير.
من هذا المنطلق، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تضع المصالح العليا للدول الإسلامية، واستقرار وأمن المنطقة على قمة أولوياتها، وذلك في كافة معاملاتها ومفاوضاتها مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ولن تكون هذه المعاملات مطلقاً على حساب أي من الدول الأخرى، بل ستكون دافعاً لتعزيز الدعم الإستراتيجي للدول الإسلامية من أجل التعامل مع الغرب في إطار من المساواة والعدل.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستغل دورها وتأثيرها من أجل تعزيز استقرار وأمن وخير المنطقة، وذلك من منطلق واجبها الإنساني والإسلامي وتعاوناً منها مع الدول الأخرى في المنطقة، كما أنها تهدف إلى التصدي لمؤامرات أعداء العالم الإسلامي وعلى رأسهم النظام الصهيوني.
هناك بعض الدول التي تنتهج أسلوب الكيل بمكيالين إزاء قضايا الديموقراطية والإرهاب في المنطقة، في حين تتطلع إيران ومصر إلى منهج صريح وشفاف لمواجهة الإرهاب والتطرف، كما تتطلع على وجه الخصوص إلى مكافحة ظاهرة الإرهاب المشئومة، المنتشرة في بعض دول المنطقة ومن بينها العراق وسوريا، بشكل جاد وحاسم.
إن مواقف مصر الحكيمة إزاء ضرورة المواجهة الجذرية لظاهرة الإرهاب والتطرف في سوريا والعراق والمنطقة بأكملها، إلى جانب سعي البلدين لمتابعة وتحقيق فكرة شرق أوسط خالي من أسلحة الدمار الشامل، يفرض الإحتياج إلى التعاون والتقارب بين الدول المؤثرة في المنطقة ومن بينها إيران ومصر، وذلك من أجل خلق نوع من التلاقي والتعاون الجماعي في المنطقة، لمواجهة هذه الظاهرة المشئومة، بعيداً عن تدخلات الأجانب.
بالتأكيد أن إيران ومصر تستطيعان تبادل الخبرات والامكانات المادية والمعنوية في شتى المجالات الاقتصادية، والتجارية، والزراعية، والسياحية والصناعية وكذلك فتح أسواق مشتركة بين البلدين، فإيران ومصر ستصبحان بوابتي دخول البلدين إلى أسواق أسيا الوسطى وأفريقيا والشرق الأوسط، وسوف يزيد التعاون بين البلدين، واشتراكهما في “طريق الحرير الإستراتيجي”، من اتساع هذا الطريق الذي يربط بين منطقة قلب أسيا وأفريقيا.
لاشك أن المستفيد الوحيد من عدم وجود علاقات ثابتة ودائمة بين إيران ومصر، هم أعداء البلدين. إن المصالح الإستراتيجية بين الدولتين كثيرة، إلى حد تزول معه كل أشكال اللبس في مواقف وأهداف كلا البلدين، في حال تم اقرار علاقات متوازنة وإجراء مناقشات مستفيضة.
إن زعماء الدولتين لديهم رؤية مشتركة للأهداف السامية والإستراتيجية لكلا البلدين، بل وللمنطقة والعالم الإسلامي بأكمله، لكنهم ربما يختلفون في وجهات نظرهم حول طرق وتكتيكات تنفيذ هذه الأهداف.
على الرغم من ذلك، فهناك إمكانية للحوار والتفاهم من أجل الوصول إلى مجال مشترك من الأفكار والمواقف للتحرك في هذا المسار.
هناك أنباء سعيدة حول الوحدة وتعزيز العلاقات بين الدول الإسلامية والعربية سوف نسمعها جميعاً هذه الأيام، وسوف يلازمها أخبار حول مبادرة عمل مشتركة لدول المنطقة الكبيرة من أجل حل الأزمة في سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق، وكل هذه علامات تبعث على الأمل والتفاءل، بأننا نستطيع، بل وجديرين بالتمتع بالأمن، والاستقرار، والتنمية والتقدم، لكن الطريق الوحيد للوصول إلى قمة العظمة والتقدم، هو الوحدة والتعاون بين الدول الكبيرة في المنطقة وخاصة إيران ومصر.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترحب في إطار المصالح العامة لجميع الدول والشعوب الإسلامية، بأي مبادرة من أجل تعزيز التعاون مع مصر على الصعيد الثنائي، والإقليمي والدولي، وذلك في إطار من الوحدة والتقارب بين جميع دول المنطقة.