بقلم/ على الصاوي
لا أحد يدري متى يأتيه الموت لكنه حتما آت مهما تحصنت بتدابير الأمان والحماية، لكن في هذه الأيام أصبحت رائحته تفوح حولنا في كل مكان، يلاحقنا بلا هوادة، مع انتشار فيروس كورنا كانتشار النار في الهشيم يحصد أرواح الجميع دون تفرقة، جاء هذا الفيروس الضئيل في حجمه ليكشف حقيقة الإنسان ومهانته وعجزه أمام جبروت هذا العدو الخفي، وكأن الله يريد أن يقول رسالة للبشرية كلها “تسابقتم في صناعة الموت وامتلكتم أسلحة مدمرة واستبد بكم الغرور وتفاخرتم بمنجزات العلم وغرّكم حلمى، ومع ذلك جاءكم عدو خفي من حيث لا تحتسبوا ليؤرق مضاجعكم ويحرمكم من حريتكم التي استكثرتموها على كثير من خلقي في شتى جنبات الأرض، فكان كل ما أنجزتموه من أسلحة مدمرة بملايين الدولارات مقابل هذا الفيروس لا شيء، فأين الذين ألهوا المادة وعبدوها من دوني؟!
“للموت فينا سهام غير خاطئة..من فاته اليوم سهم لم يفته غدا” هو جرس إنذار للمتجبرين والمتكبرين في الأرض، وإشارة لكل لبيب عاقل يبحث عن طوق نجاة من غرقه في مستنقع الذنوب والمعاصي والمظالم الإنسانية، لم يكترث كورونا بأي عوامل إنسانية ولم يعرف خَبثه طريقا للرحمة، لأن دوره هو تأديب البشرية وإعادة الإنسان إلى مكانه الصحيح، عبد عاجز ضعيف أمام القدرة الإلهية، لم يستثن أحد في رميه بسهامه القاتلة، فأصاب الكبير قبل الصغير ومن لم يأت دوره على قوائم ضحاياه، يعيش في حالة خوف وهلع، أشد من خوف من أصيب به، فجمع كورونا بين حصد أرواح جزء كبير من الناس، وقذف الرعب في قلوب الجزء الأخر، وكلاهما موتى فالأول يموت سريعا والأخر يموت كل يوم ببطئ، رعبا وخوفا من إصابته بالفيروس.
لكن يبقى السؤال، هل اعتبرنا من هذه الأزمة؟ فمن حكمة الله في خلقه أنه يرسل الأيات خوفا وطمعا، خوفا من عذابة وطمعا في رحمته، ومن رحمة الله أنه لا يؤاخذ الناس بما كسبوا بل يُمهلهم ويَحلُم عليهم لعلهم يرجعون إليه ويتوبون من ذنوب وأعمال قد تجلب عليهم سخطه وغضبه، ومن يغضب عليه ربه فقد هوى، ولا رضا إلا بالقرب من الله والتزام جواره، والتعلق بأي أمل مادي لرفع الغمة والوباء عنا هو ضعف يقين وجهل بسنن الله الكونية، فحين تنقطع الأسباب يلجأ الإنسان إلى قوة أكبر منه، لذلك لا عجب حين نرى ترامب يدعو العالم للصلاة للقضاء في مواجهة كورونا، وهذا لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب، لكن الأسباب وحدها لا تعمل بذاتها، لأنها من قَدر الله أيضا، بالإضافة إلى مراعاة السياق الزمني الذي انتشر فيه الفيروس، الذي بلغ فيه السيل الزبا من الظلم والفساد والقتل والرادءة في كل شيء.
فبالرغم من مكانة نبي الله يونس عليه السلام إلا أن نبوته لم تشفع له ولولا تسبيحه وتضرعه إلى الله للبث في بطن الحوت إلى يوم الدين، ونبي الله أيوب عليه السلام لم يرفع الله عنه الضر سوى بالدعاء وطلب الرحمة من الله، فمع مكانة هؤلاء الدينية إلا أن التضرع والذل إلى الله أرفع وأجل شأنا من أى شيء أخر، حتى لو كنت تملك مفاتيح الشفاء، فمعنى أن تكون عبدا هو أن لك سيّدٌ آمر ترجع إليه حين تضيق بك السبل وتغلق في وجهك الأبواب.
فعندما تنزل المعجزات من السماء، تبطل الحيل في الأرض وتتعطل الأسباب، فتنحل العقد وتنفرج الهموم، ويبهت الذي كفر، فيحل اليقين مكان الشك، ويزداد المؤمن إيمانا بربه، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض، يقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ ولعل يتحقق فينا قول الكاتب الفرنسي “ألبير كامو” في روايته “الطاعون” حين قال “إن الأوبئة تُعيد البشرية إلى فطرتها الأصلية وهي الأخوة والتآزر.
إن حلم الله ليس له حدود لكنه إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد، وما يعلم جنود ربك إلا هو، حتى المتآمرين ومن يزرعون الشر لحصد الأرواح بمنجل السياسة والمصالح الرخيصة، هم أيضا جند من جنود الله يسلطهم على من يشاء من خلقه ليذيقهم وبال أمرهم، فكما أن الظالم إفراز ظلم الرعية، فإن الأدواء والأوبئة إفراز الشرور والأثام، وغفلة الأنام، وليتهم يرجعون بل يكابرون ويتنطعون بعقول جدلية، وحجج هشة لا تقضي حاجة ولا ترفع بليّة، “فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون” فلا ملجأ من الله إلا إليه، ولا راد لقضاءه إلا بإذنه. وكما قال القائل: “إذا عقد القضاء عليك أمرا..فليس يحله إلا القضاء” فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.