برئاسة عُمان.. إنطلاق أعمال الدورة 153 لوزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية
أشرف أبو عريف
برئاسة سلطنة عمان، انطلقت اليوم أعمال الدورة 153 لوزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية، والقى الأمين العام أحمد أبو الغيط كلمة جاءت على النحو التالى:
معالي السيد يوسف بن علوي
وزير خارجية سلطنة عُمان
أصحاب السمو والمعالي الوزراء،
السيدات والسادة،
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالتهنئة لكم معالي الأخ العزيز يوسف بن علوي، وزير خارجية سلطنة عُمان، على تولي بلادكم رئاسة أعمال الدورة 153 للمجلس الوزاري مُتمنياً كل التوفيق والنجاح لأعمالها.. كما أتقدم بالشكر لمعالي الأخ محمد علي الحكيم، وزير خارجية جمهورية العراق، الذي قاد أعمال الدورة المنقضية بكل اقتدار ومهنية وحكمة.
السيد الرئيس،
في الثاني والعشرين من هذا الشهر منذ 75 عاماً خرجت منظمتنا العريقة إلى حيز الوجود، كأول منظمة إقليمية في العالم.. لتعبر عن روحٍ عامة جديدة سرت في أوصال هذه المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها بأن ما يجمع أبناءها، من أواصر اللغة والحضارة والتاريخ المشترك، جديرٌ بأن يُترجم في صورة مؤسسية … وخرجت هذه الجامعة، جامعتكم، لتُجسد هذا الوعي الجديد ومن أجل.. (وأنا أقتبس هنا من المادة الثانية من ميثاق الجامعة الذي تحرر في 22 مارس 1945) .. من أجل “توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانةً لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفةٍ عامة في شئون البلاد العربية ومصالحها”.
ولستُ هنا في معرض تقييم التجربة، أو تقديم كشف حساب.. ولكن أُشير فقط إلى أن ما تحقق ليس قليلاً .. بدليل أننا نجتمع اليوم، وبعد 75 عاماً، ولا زال سقف هذه المنظمة يُظللنا..
ولا زال الشعور العربي الجامع حاضراً في وعي أبناء أمتنا..
ولا زال إيماننا بوحدة مصيرنا راسخاً قوياً..وقطعنا أشواطاً طيبة في تحقيق التعاون والتنسيق العربي في مجالات عديدة منذ إنشاء الجامعة حتى الآن.. ولا يزال أمامنا الكثير والكثير لنحققه حتى نكون على مستوى تطلعات وطموحات الرأي العام العربي.
إن الجامعة العربية لا تُعاني من أزمة وجود، كما نسمع بين الحين والحين.. فوجودها وفعاليتها لم يكونا ضروريين في أي وقتٍ أكثر مما هما الآن.. ذلك أن الدولة الوطنية العربية، التي نشأت هذه المنظمة على أساس صيانة استقلالها ووجودها.. لم تكن مهددة في تاريخها أكثر مما هي الآن.
لقد وصلت الأزماتُ العربية المُشتعلة منذ 2011 إلى منعطفات خطيرة.. وتجاوزت كلفتها البشرية أي حدود متصورة .. وأصبحت عامل استنزاف للمُقدرات والموارد العربية .. وتهديداً ماثلاً للنظام العربي في مجموعه، وليس فقط للدول التي تواجه هذه الأزمات.. وليس هناك ما هو أثقل على الضمير العربي من أن نُشاهد أهلاً لنا في سوريا.. وهم يُشردون بمئات الآلاف.. ويقبعون في مخيماتٍ لا تحمي من برد الشتاء القارس.. أو يطرقون أبواب اللجوء في بلدان غريبة وقد صارت مأساتهم الإنسانية مجرد ورقة ضغط ومساومة تتلاعب بها هذه القوة أو تلك.. وليس هناك ما هو أثقل على الضمير العربي من أن نرى الصراعات وهي تمزق أوطاناً مثل اليمن وليبيا، إلى حد يُهدد وحدتهما واستقلالهما، بل ويُشكل أخطاراً حقيقية على جيرانهما.
السيد الرئيس..
جميعنا يعلم أن الحلول العسكرية لن تحسم هذه النزاعات.. وجميعنا يعلم ألا رابح في الحروب الأهلية.. فالخاسر مهزوم .. والمنتصر مهزوم.
لقد آن الأوان أن تسكت المدافع.. فالخطوة الأولى نحو حلول سياسية هي وقف شامل وفوري لإطلاق النار على كافة الجبهات العربية المشتعلة.
في سوريا.. يظل الحل السياسي، على أساس قرار مجلس الأمن 2254، هو المخرج الوحيد لعلاج جراح هذا البلد، الذي ندعو جميع الأطراف الخارجية أن ترفع أيديها عنه .. وأن تتوقف عن إدارة معاركها بدماء سورية .. وعلى حساب مئات الآلاف من اللاجئين، أغلبهم من النساء والأطفال.
في اليمن يظل الحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2216 هو السبيل إلى تسوية في الداخل تضمن للجميع تمثيلاً في السلطة .. كما تضمن لجيران اليمن الأمن .. وتُعيد لهذا البلد العربي المهم استقلاله عن القوى الخارجية.
في ليبيا .. وضع المجتمع الدولي خارطة طريق في مؤتمر برلين .. وعلينا متابعة تنفيذ مخرجات هذا المسار.. الخطوة الأولى هي تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار .. واستكمال مسارات التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة .. وأغتنم هذه الفرصة لكي أتقدم بخالص التحية والتقدير للدكتور غسان سلامة .. الذي أدى مهمته عبر السنوات الثلاث الماضية كمبعوث أممي إلى ليبيا بكل اقتدار وتجرد ورغبة صادقة في جمع شمل الليبيين على كلمة سواء.. وأرجو مُخلصاً أن يكون خلفه في هذا المنصب المهم على ذات القدر من الدراية والمعرفة بهذه المنطقة، ومجتمعها وثقافتها وتاريخها.. حتى يتسنى له النجاح في مهمته.
أقول .. في سوريا واليمن وليبيا.. إن القوى الخارجية لعبت دوراً سلبياً فاقم من النزاعات، وأدى إلى إطالة أمدها .. وفتح جبهات إضافية فيها.. حيث زرعت هذه القوى جرثومة الميلشيات التي تُحارب بالوكالة وتتبنى أجندات غير متسقة، بل حتى معادية للدولة الوطنية من حيث المبدأ…لقد آن لهذه القوى أن ترفع أيديها عن الأراضي العربية .. ففي نهاية المطاف، لن تستطيع هذه القوى غير العربية أن تحفر لنفسها وجوداً دائماً على الأراضي العربية .. وكل مشروعاتها ومخططاتها إلى زوال، طال الوقت أم قصر.
إنني أدعو، بعد ما يقرب من العقد من الصراع والاحتراب، إلى حلول عربية للمشكلات العربية.. وأزعم أننا، بإرادتنا الجماعية، قادرون على الوصول إلى هذه الحلول… وأن هذه الجامعة العربية تستطيع القيام بأدوار مفيدة ومقبولة، جنباً إلى جنب مع الجهود الإقليمية والدولية الأخرى، من أجل الوصول إلى التسويات اللازمة لإنهاء هذه الأزمات.
السيد الرئيس..
لقد أنهكت الصراعات الدامية العالم العربي .. وفتحت شهية الجيران للتمدد والتغول.. وحاول البعض، في غمرة هذه الأحداث العاصفة، الترويج لفكرة مغلوطة وخطيرة .. مؤداها أن العرب ما عادوا يهتمون بفلسطين.. فلسطين الشعب .. وفلسطين القضية .. أقول إنها فكرة مغلوطة لأن العرب يعتبرون القضية الفلسطينية جُزءاً من شخصيتهم الحضارية .. ويرون الدفاع عنها والنضال من أجلها دفاعاً عن وجودهم وثقافتهم وهويتهم الجامعة.. وهي أيضاً فكرة خطيرة لأنها أوحت للبعض أن يستغل الاضطراب الحالي لمحاولة سرقة القضية .. وتثبيت وضع الاحتلال القائم باعتباره الحل الدائم.. ليس عبر مفاوضات أو اتفاق أو تسوية سياسية.. ولكن من خلال مذكرة تفاهم بين الدولة العظمى الراعي لعملية السلام.. والقوة القائمة بالاحتلال.
لقد رفض الفلسطينيون خطة السلام الأمريكية.. ورفضها هذا المجلس الموقر في اجتماع طارئ عُقد في الأول من فبراير الماضي .. بعد أيام معدودة من إطلاقها.. وما نتأكد منه اليوم هو أن هذه الخطة ما هي إلا رخصة لإسرائيل من أجل تسريع الاستيطان وضم الأرض الفلسطينية والقضاء على حل الدولتين قضاء مبرماً.. وشهدنا خلال الأيام الفائتة الإعلان عن خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية .. وفي 25 فبراير أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي عن خطط لبناء 3500 وحدة استيطانية في منطقة E1 التي نعرف جميعاً أنها تقسم الضفة إلى شطرين.. بما يقضي على أي إمكانية لدولة متواصلة في المستقبل.. إنها خطة واضحة بخلق واقع جديد على الأرض، بضوء أخضر -للأسف- من الولايات المتحدة.. ومن واجب المجتمع الدولي كله أن يتصدى لإنقاذ ما تبقى من حل الدولتين.. إذ أن بديله المنطقي الوحيد -أي الدولة الواحدة- لن يكون مقبولاً من أحد لو اقترن بمنظومة للفصل العنصري.
السيد الرئيس..
عود على بدء .. تظل هذه الجامعة، وبعد خمسة وسبعين عاماً على إنشائها .. بمؤسساتها ومجالسها ومنظماتها المتخصصة .. العنوان الوحيد لوحدة الكلمة .. ووحدة الصف العربي.. هي الأداة التي تُمكننا من العمل سوياً من أجل الازدهار المشترك.. وأيضاً في مواجهة المخاطر والتهديدات .. منذ أيام انعقدت دورة عادية لمجلس وزراء الصحة العرب بمقر الأمانة العامة بشأن وباء فيروس كورونا المُستجد .. وقرر المجلس عقد اجتماع طارئ واستثنائي على مستوى الخبراء والمتخصصين لمراجعة خطط الاستعداد والرصد وتبادل الخبرات خلال أيام .. أسوق ذلك التحرك نموذجاً على ما توفره هذه المنظمة من وعاء للتحرك الجماعي السريع وآلياته .. ومثل ذلك كثير مما يُبذَل على مستويات مختلفة حيال كافة الموضوعات التي تتعلق بالتنمية العربية ورفاهية الإنسان العربي .. وتحقيق التكامل بين دول هذه المنطقة.
أقول ونحن نحيي ذكرى 75 عاماً على إنشاء هذه المنظمة .. إن من واجبنا، وقد تسلمنا الراية، أن نحافظ على هذه المنظمة الأم.. أن نصد عنها معاول الهدم التي تسعى للنيل منها .. وأن نسعى دوماً لتطوير عملها والارتقاء بأدائها.. حتى تظل -كما كانت طيلة هذه العقود- صوتاً لنا جميعاً .. وبيتاً يجمعنا تحت سقفه .. وآلية عملية ومؤسسية لتحقيق التكامل العربي على أساس المصالح والمنافع.. وليس فقط المشاعر والعواطف.
السيد الرئيس..
كلمة شكر أخيرة أوجهها إلى الأخوة في الإمارات العربية المتحدة، وبالذات إلى كل من معالي الوزير سمو الشيخ عبد الله بن زايد، ومعالي الوزير دكتور أنور قرقاش على ما قدماه من مساهمة قيمة وكريمة في تحديث هذه القاعة العتيدة وتطويرها بالشكل الرائع الذي تبدو عليه اليوم.. فكل الشكر لكم اخوتنا الأعزاء .. وهذا عهدنا بكم دوماً.. ونتطلع إلى الاحتفال قريباً بافتتاح مبنى الملحق الذي نشيده بمنحة كريمة من جمهورية العراق.
شكـــــراً سيادة الرئيس